كوادر غزة الطبية: مكافحة لإنقاذ ما تبقّى

لم تسترح الكوادر الطبية العاملة في قطاع غزة على مدى تسعة أشهر من الحرب، إذ لا تزال - على قلّة إمكاناتها - تقدّم الخدمات الصحية للجرحى والمصابين، وتتنقّل من مستشفى إلى آخر، ومن مركز صحي إلى آخر، على رغم ما تواجهه من استهدافات متعمّدة من جانب الاحتلال، أودت إلى الآن بحياة 500 من كوادرها، فضلاً عن اعتقال أكثر من 300 منهم.

2024-07-13

وفق وكيل وزارة الصحة المساعد، ماهر شامية، فإن الاحتلال وضع نصب عينيه استهداف القطاع الصحي “كونه أحد عوامل صمود أبناء شعبنا، فيما يعني القضاء على المنظومة الصحية، الحُكم على مَن في قطاع غزة بالإعدام”. وأفاد شامية، في حديث إلى “الأخبار”، بأنه منذ السابع من أكتوبر، “استُهدفت المراكز والمستشفيات، فخرج 23 مستشفى من أصل 38 عن الخدمة، فيما يعمل ما تبقّى منها بشكل جزئي، كما أُخرج 64 مركزاً صحياً من أصل 90 من الخدمة”، مضيفاً أن “المستشفيات، الحكومية والأهلية والخاصة، لم تَعُد تقدّم الكثير من الخدمات الصحية، كالعيادات الخارجية، والعمليات الجراحية المجَدولة، والأورام، وقسطرة القلب، وزراعة الأعضاء وغيرها، ما أثّر سلباً على عدد كبير من المرضى، وفاقم من وضعهم الصحي، وأدى في بعض الحالات إلى وفاتهم”. وعلى رأس تلك المستشفيات “مجمع الشفاء الطبي” الذي كان يقدّم 45% من الخدمات الطبية التخصصية، فيما دمَّره الاحتلال وأحرق مبانيه التي كانت تضمّ كل التجهيزات الطبية النادرة، مخرجاً إيّاه من الخدمة، ما شكّل ضربةً كبيرة جداً للقطاع ولمدينة غزة وشمالها على وجه الخصوص، بحسب شامية.وبخصوص الجرحى، لفت إلى أن “بعض الإصابات (الناتجة من العدوان) لا تزال بحاجة إلى العديد من وحدات الدم التي لم يَعُد في الإمكان توفيرها كما في السابق، بعدما خرجت العديد من مختبرات الدم من الخدمة”، وتمّ استنزاف المتبرّعين، فيما الفحص المخبري للدم “CBC” على وشك التوقّف بسبب النقص الكبير في المواد الخاصة به. وأضاف شامية أن استهدف الاحتلال منظومة الإسعاف والطوارئ، “جعلها غير قادرة على الاستجابة لكل النداءات والمهمّات لنقل الجرحى والمصابين من الميدان إلى المستشفيات، وما بين المستشفيات، ومن وإلى المعابر”، مبيّناً أن العدو “دمّر 130 سيارة إسعاف، كما اعتقل العشرات من ضباط الإسعاف والمسعفين أثناء قيامهم بمهامهم، فيما تعمل مركبات الإسعاف المتبقية بصعوبة بالغة، نظراً إلى شحّ الوقود وخاصة البنزين المفقود هنا في غزة والشمال على وجه الخصوص، بالإضافة إلى النقص الشديد في السولار”.

 

الكثير من الأطباء والاختصاصيين يريدون الوصول إلى مدينة غزة وشمالها، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يمنعهم.

 

وبالنسبة إلى مراكز الرعاية الأولية، أوضح المسؤول أن وزارة الصحة “بذلت جهوداً كبيرة من أجل إعادة فتحها، ولا سيما في المناطق التي يتمركز فيها النازحون، حيث يتمّ تقديم التطعيمات للأطفال والرعاية الصحية للحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة والطوارئ”، مشيراً إلى أن “تلك الخدمات تُقدَّم على رغم النقص الحادّ في المستلزمات الطبية، والعجز في أصنافها بما يزيد على 60% من القائمة الأساسية لأدوية الرعاية الأولية، بالإضافة إلى النقص الشديد في المواد المخبرية وبعض الأجهزة الطبية”. وتحدّث كذلك عن أن “الخدمات تُقدَّم في ظلّ ضغط شديد بسبب نزوح المواطنين وتمركزهم في مناطق معينة، سواء في شمال وادي غزة أو في جنوبه، فضلاً عن توقّف وكالة الأونروا عن العمل بشكل كامل في مدينة غزة وشمالها، بعدما كانت تغطي 70% من السكان، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء وشحّ الوقود”.

 

وحول المعوقات الأخرى التي تواجه المنظومة الصحية، أوضح شامية أن أبرزها (في مدينة غزة وشمالها): “نقص الكوادر الطبية المتخصصة وفنيّي التخدير والأشعة وغيرها من التخصصات، والتي يتواجد معظمها في جنوب وادي غزة إثر التهجير القسري للمواطنين المتواجدين شمالي الوادي”، مطالباً المؤسسات الدولية بالعمل على إعادة تلك الكوادر إلى محافظتَي غزة والشمال. ووفق المسؤول، فإن “المعوق الأكبر، هو عدم توفّر السولار إلا بالتنقيط، وبحسب مزاج جيش الاحتلال الذي يتحكّم بالمعابر والحواجز التي تحيط بمدينة غزة وشمالها، فضلاً عن نفاد الأدوية التخصصية وعلاجات الرعاية الصحية، خاصة بعدما أحرق الاحتلال 6 مستودعات أدوية بالكامل”.

 

أمّا الكادر البشري الذي يعمل في وزارة الصحة، فقد أكد شامية أنه أصبح منهكاً نتيجة ضغط العمل؛ “فعدد الموظفين الرسميين الذين هم على رأس عملهم في مدينة غزة وشمالها، يبلغ 923 موظفاً من أصل 12 ألفاً في الدوائر الطبية والفنية والإدارية”، مشيراً إلى أن “أولئك لا يتقاضون رواتب سوى الدفعات المالية البسيطة، والتي لا تكفي حاجة العائلة في ظلّ الغلاء الفاحش، فضلاً عن أن غالبية الطواقم نازحة في مراكز الإيواء وتعاني مشكلة نقل مياه الشرب. ووصولهم إلى المستشفى أو مركز تقديم الخدمة يكون صعباً جداً، إمّا مشياً على الأقدام أو على دراجة هوائية”. ولفت شامية إلى أن كل المؤسسات الدولية والأممية ذات الصلة “تشعر بالعجز الشديد أمام عناد الاحتلال وتغوّله، كونه يتحكّم بالمعابر ويمنع دخولها بحجة أنها مناطق قتال”، متابعاً أن شاحنات طبية وشاحنات سولار تصل إلى حاجز “نيتساريم” وتبقى تنتظر الدخول، إلا أن الاحتلال يرفض إدخالها، على رغم وجود تنسيق مسبق لها من خلال “منظمة الصحة العالمية”، إذ “يُدخل قافلة ويمنع عشراً”.

 

وحول البدائل التي استخدمتها وزارة الصحة لمواجهة تلك المعوقات، بيّن شامية أن الوزارة عملت على إمداد المستشفيات الأهلية والخاصة بكوادر بشرية ومستلزمات طبية من مستودعاتها واحتياطاتها، معلناً أنه سيتم، خلال الشهر الجاري، العمل على افتتاح قسم استقبال الحالات الطارئة وخدمات العلاج الطبيعي الخارجي في “مجمع الشفاء”، مضيفاً أنه “تم تحويل مبنى الولادة إلى مبنى للجراحات التخصصية في محاولة منّا لإنقاذ الجرحى وتقليص الوفيات”.

 

وأشار وكيل وزارة الصحة المساعد إلى أن الكثير من الأطباء والاختصاصيين يريدون الوصول إلى مدينة غزة وشمالها، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يمنعهم، مستدركاً بالقول: “قبل شهرين فقط، سمح بإدخال الوفود الطبية بالحدّ الأدنى، محدداً عددها بما بين 4 إلى 5 أشخاص وأحياناً تزيد أو تقل عن ذلك”. كذلك، يمنع الاحتلال، الأطباء من إدخال أيٍّ من المعدات التي يحتاجون إليها في عملهم، كما أنهم قنّنوا مصروفاتهم وحدّدوا لهم المبلغ الذي يدخلونه معهم إلى غزة، وجعلوا الطبيب وكأنه تحت الإقامة الجبرية بحيث يمنع عليه الخروج من المستشفى أو حتى السير في أيّ من الشوارع المجاورة لها.

 

المصدر: الاخبار

الاخبار ذات الصلة