زواج ذوي الإحتياجات الخاصة

تعكس آلية التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة ثقافة البيئة المحيطة بهم التي ترعاهم وتقدم لهم خدماتهم،

2023-01-11

 

د. آذار عبداللطيف

شهدت معظم المجتمعات العربية في العقود الأربعة الأخيرة تحولاً وتطوراً ملحوظاً وفي مجالات عدّة تربوية واجتماعية واقتصادية وثقافية، على أنّ ثمة قضايا مازالت توجهها وتحكم عليها تلك العادات والأعراف التي سادت منذ زمن طويل.

وقضية ذوي الإحتياجات الخاصة بما تمثله من عبء على الدولة والمجتمع تعد من أكبر القضايا الصعبة التي يواجهها المجتمع والأسرة والفرد من ذوي الاحتياجات الخاصة لما تتطلبه من وقت وجهد ومال، لذا يمكننا القول بأن قضية ذوي الاحتياجات الخاصة لم تنل الرعاية المطلوبة على الرغم من الجهود المبذولة، وبما يتناسب مع طبيعة وقدرات المجتمع.

من ناحية ثانية، تنطلق أهمية هذه القضية من أن تطور أي مجتمع بات يقاس من خلال الخدمات التي يقدمها لهذه الشريحة الاجتماعية المهمة.

وانطلاقاً من ذلك، إذا كان عرف الزواج وتقاليده يعكسان ثقافة أي مجتمع، فأين عرف زواج ذوي الاحتياجات الخاصة من هذه الثقافة؟

– مَن هو صاحب الإحتياجات الخاصة؟

تعاريف كثيرة عرَّفت الفرد صاحب الاحتياجات الخاصة؛ لكننا سنعتمد ذلك التعريف الذي يتناسب وموضوعنا، والذي بيَّن أنّ صاحب الاحتياجات الخاصة هو كل فرد يعاني من خلل ما وظيفياً كان أم نفسياً يؤثر على أدائه نفسياً واجتماعياً قياساً بأقرانه، وينجم هذا الخلل عن عوامل وراثية أو مرافقة لفترة الحمل أو مكتسبة.

نلاحظ أنّ هذا التعريف يتضمن نقاطاً مهمّة وحسّاسة يغفل عنها معظم مَن يتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، لا بل ذوو الاحتياجات الخاصة أنفسهم، ولعل السبب الجوهري الكامن وراء ذلك أننا في هذا المجال نفتقر إلى ما يُسمِّيه علماء النفس والاجتماع بـ”النظرة الشمولية”، وبالتالي نحكم على تعاملنا مع ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال تلك النظرة السريعة الآنية التي تكشف لنا أنّ هذا الفرد لديه إعاقة حسّية أو حركية أو عقلية أو سلوكية، متناسين أو متجاهلين بالمقابل ما يمتلكه من قدرات خاصة تؤهله لأن يكون فرداً أنموذجاً كأي فرد في المجتمع.

– ماهية الثقافة المجتمعية نحو الإعاقة:

تعكس آلية التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة ثقافة البيئة المحيطة بهم التي ترعاهم وتقدم لهم خدماتهم، وقد عرَّف سميث (2006) الثقافة بأنها جملة الأفكار والمعتقدات والعادات التي تملكها عناصر البيئة الاجتماعية التي تعكس بالمقابل درجة وعي أفرادها، وتساعد الآخرين من جهة ثانية على الاعتماد عليها. وأضاف لنا مارش (2006) تصنيفات للثقافة، تعكس بشكل أو بآخر جوهر ثقافة المجتمع:

1- الثقافة الذاتية: وتشير إلى القدرة المعرفية التي يمتلكها الفرد في مناح عدّة نظراً لما يمتلكه من قدرات خاصة.

2- الثقافة النرجسية: وتشير إلى سعي الفرد لامتلاك المعرفة بهدف إبراز الذات على الصعيد الاجتماعي، ومن السهل كشف أفراد هذا الصنف.

3- الثقافة العلائقية: وتشير إلى طبيعة العلاقة القائمة بين فردين أو أكثر نظراً لطبيعة الاهتمامات والمصالح المشتركة بينهم.

4- الثقافة المجتمعية: وتشير إلى طبيعة الأفكار والمعتقدات السائدة في البيئة المحلية نحو قضية ما أو أكثر كقضايا الزواج والطلاق والحلال والحرام، والتي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على قرارات الفرد.

5- وأخيراً الثقافة العامة: وتشير إلى اعتقاد البعض بأنهم يمتلكون المعرفة الشاملة.

وذكر مارش أنّ 55% من هؤلاء يعانون من مشكلات نفسية مرضية.

– ثقافة الزواج:

تعكس ظاهرة الزواج في المجتمع مدى استقراره من جهة وطبيعة العلاقة السائدة بين الجنسين من جهة ثانية. وكما هو معروف بأنّ الزواج يعني الاستقرار النفسي والعاطفي والاجتماعي والجنسي، لذلك اعتبر الاقتران بين الجنسين من أهمّ القضايا الاجتماعية التي رسخها ديننا الاسلامي الحنيف.

وقد ركَّز علماء الاجتماع كافة على دور الحياة الزوجية في استقرار المنظومة المجتمعية. وأشار فالون (2006) إلى مزايا العلاقات الزوجية بقوله: “يعد الزواج من أقوى الروابط الروحية التي تربط بين المرأة والرجل كونه الجسر الذي يعبره كل منهما نحو الآخر وليسير عليه فيما بعد أفراد الأسرة متسلحين بالطمأنينة والأمان والاستقرار والحب، فتتولد لديهم درجة من الوعي الذاتي والمجتمعي ترافقهم في كل المراحل العمرية”.

– هل ثقافة الزواج في مجتمعاتنا العربية حكر على العاديين؟

لنعد إلى سؤالنا الصريح الذي ركَّز فيما كان الزواج حكراً على العاديين، وبأنّه لا يحق لذوي الاحتياجات الخاصة حتى مجرد التفكير بالزواج؟

إنّ الإشارة إلى تجارب بعض الدول المتقدمة في هذا الشأن تفيدنا وتساعدنا في إطلاق الأحكام.. ففي ألمانيا بيَّنت إحدى الدراسات أنّ نسبة المتزوجين من ذوي الاحتياجات الخاصة بلغت 53%، وفي أمريكا 54%، وفي فرنسا 31%، وفي بريطانيا 22%، وفي البرازيل 16%.

ألا يحق لنا التساؤل أين النسب العربية؟ ومن هنا تبدأ الإجابة عن ثقافة زواج ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعاتنا، ولعلّ الآراء التي نذكرها الآن تبيِّن لنا طبيعة تلك الأفكار السائدة في الثقافة المحلية نحو هذه القضية:

1- لا يوجد أي نص شرعي أو حديث ديني يلزم زواج ذوي الاحتياجات الخاصة.

2- صاحب ذوي الاحتياجات الخاصة وصمة على ذاته، فلماذا أشاركه بها؟

3- صاحب الاحتياجات الخاصة عبء على ذاته، فما هو ذنبي؟

4- أرفض أن أتزوَّج صاحب احتياجات خاصة، فكيف أسمح لأختي بالزواج من صاحب الاحتياجات الخاصة وإن كان كفئاً، فالمجتمع لا يرحم.

هذه الأفكار وسواها تعبِّر – وبكل صراحة وصرامة – عن درجة الجهل الذاتي والمجتمعي والديني والأخلاقي، أليس صاحب الاحتياجات الخاصة فرداً له مشاعر وأحاسيس، أليس فرداً يشاركنا هموم الحياة، أليس فرداً له حقوق وعليه واجبات كالآخرين، ألم يأت بالحديث الشريف: “إن أتاكم مَن ترضون دينه وخُلقه فزوِّجوه”، لماذا لم تحدد مواصفات الزواج الأخرى؟

هذا من جهة، من جهة أخرى ألم يذكر لنا التاريخ أسماء كان لها دورها في تطور الحياة، أسماء لا يزال ثقلها يرنّ في آذاننا على الرغم من إعاقتها مثل المعري وبشار بن برد وبيتهوفن وطه حسين، الذين قدَّموا للبشرية بصمات لا تُنسى.

– زواج ذوي الاحتياجات الخاصة حق مشروع:

نعم، إنّها الحقيقة التي علينا الاعتراف بها، ونحن جميعاً مطالبون بالسعي من أجل تجسيدها على أرض الواقع، فصاحب الاحتياجات الخاصة المقبل على الزواج عليه أن يحقق حلمه مادامت تتوافر به كالعادي شروط الإتزان وامتلاك العقل الراجح والاستقلالية الاقتصادية. ولعل هذا الحق المشروع نابع من الأسباب التالية:

1- صاحب الاحتياجات الخاصة فرد فعّال في المجتمع بما يمتلك من قدرات وإمكانات خاصة.

2- صاحب الاحتياجات الخاصة عضو فاعل في آلية التنمية المجتمعية.

3- إذا أعطي صاحب الاحتياجات الخاصة الكفء فرصته سيثبت مهاراته وقدراته في الموقع الذي يشغله.

4- لا يحق لأحد أن يخطط ويفكر بدلاً عن صاحب الاحتياجات الخاصة لا في حاضره ولا في مستقبله.

5- وأخيراً: الزواج حق مشروع لكل مقتدر عادياً كان أم من ذوي الاحتياجات الخاصة.