في بداية الحرب، وبعد فتح جبهة الإسناد في الجنوب، ولمنع العدوّ من التمادي، فعّل حزب الله معادلة “نيسان 1996” المتعلّقة باستهداف المدنيين، يومها كان السيد نصر الله واضحًا عندما عبّر عن الحساسية أمام أي استهداف للمدنيين، وأن المقاومة لا يمكن أن تتسامح مع ذلك مهما كان الثمن. وعليه، لم تمرر المقاومة أي استهداف لمدني، سواء كان ذلك مقصودًا أم عن طريق خطأ في الحسابات، وعملت على قصف المستعمرات الحدودية ولأعماق محدّدة ولمرات كثيرة.
خلال الأيام الأربعة الماضية، عمد جيش العدوّ إلى تنفيذ غارة في مدينة بنت جبيل، أسفرت عن استشهاد ثلاثة مواطنين، واستهدافان على الطرق بين كفر تبنيت وديرميماس، أو ما يعرف بطريق الخردلي، كما ارتكب مجزرة بحق أطفال من السوريين في بلدة أم التوت. مشهد الاعتداءات أعطى صورة بتقصد قتل مدنيين ولو بشكل محدود، ويمكن أخذ مثال طريق الخردلي، حيث يتبين من خلال نوعية الاستهداف ومواقعه تقصد إيقاع القتل بهدف جعل الطريق الواصل بين مناطق الاشتباك ومنطقة النبطية غير آمن، وهذا الأمر يعتبر توسيعًا لدائرة الاشتباك الحالي، المحصور في القرى الأمامية وعلى المقلب الآخر في المستوطنات الحدودية لعمق معين.
بعد مجزرة أم التوت، التي تزامنت مع ما ارتكبه العدوّ صباح الاثنين في كفر تبنيت، عمدت المقاومة إلى تنفيذ قصف طال سبع مستوطنات، أربع منها في وقت متزامن، وهي مأهولة وقد استهدفت للمرة الأولى. واقعيا، إن رد المقاومة ليل الاثنين – الثلاثاء، وما تلاه من تهديد للسيد نصر الله، يوضح أن المقاومة اتّخذت قرارًا كبيرًا بتوسيع دائرة “المستوطنات غير الآمنة”، وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر، أولًا هو توسع دائرة النار واقعيا وهو ما يجب أن يردع العدو، وثانيًا تخلق مأزقًا لحكومة نتنياهو المربكة اتّجاه الشمال، حيث يتوقع زيادة ضغط المستوطنين عليها، خصوصًا أن تجربة “الإجلاء” وما يترافق معها من خسائر اقتصادية وشلل ليست مشجعة، بل تعد مقتلًا لكثير من المستوطنين.
وأمام هذا المشهد، تأتي التعليقات الصهيونية والتي تصدرها تصريح لوزير الرياضة في حكومة نتنياهو “ميكي زوهر” الذي علّق على وعيد السيد نصر الله: “إلى متى يحدد لنا نصر الله الوتيرة هنا في إسرائيل؟”
تصريح “زوهر”عضو من حزب “الليكود”، يأتي من باب التحريض نحو خطوات تصعيدية، لكنّه يكشف في الوقت نفسه مدى الردع الذي تلتزم عند حدوده “تل أبيب”، والعجز في اتخاذ القرار. وعليه، إن ما أعلنه السيد نصر الله حول المستوطنات، معطوفًا على مواقفه حول جبهة الإسناد اللبنانية، وإعلان الجهوزية لصد أي عدوان صهيوني، والذي يأتي في سياق الردع ووضع ضوابط للعدو وتأمين حماية للمدنيين في لبنان لأي بلد انتموا، أربك صناع القرار في “تل أبيب”، وهو ما عكسه الإعلام العبري خصوصًا بعد مشهد ليل الاثنين – الثلاثاء الصعب الذي عاشه ٦٠ الف مستوطن في ملاجئ نهاريا.