كانت كومانتشي الاستثناء الذي استحق هذه الدرجة 7 مرات متتالية، وأنهت المسابقة بحصولها على 3 ذهبيات (الفردي العام والعارضة والعارضتان غير المتوازيتين) وفضية (الفرق) وبرونزية (الحركات الأرضية)، ممهدة الطريق أمام جيل جديد من “الجمبازيات” الرومانيات تحديدا، ومحلقة بشهرتها بسرعة قياسية.
والطريف أن لوحات النتائج لم تكن مجهزة ليظهر عليها الرقم 10، ما اضطر المنظمين للإشارة إلى اعتماد 1.00 على أنه 10.
وكل من أحب الجمباز أراد تقليد كومانتشي والتمثل بها، تلك الصغيرة الناعمة التي تخطت بشهرتها وخطفها الأضواء من السوفياتية أولجا كوربوت نجمة ألعاب ميونيخ 1972.
كانت كومانتشي (1.56م و41 كلج) تطير فرحا في كل مرة تمنح علامة كاملة، ثم تسرع لتجاور زميلاتها وتتابع العروض. ولما سئلت عن معنى حصولها على العلامة الكاملة وماذا تحضر للمستقبل؟ أجابت بعفوية: انتصارات أخرى وألقاب أخرى وميداليات أخرى.
وأضافت “علي أن أتطور أكثر، حصلت على العلامة الكاملة في الحركات الإجبارية. وخلال مسيرتي بلغتها 19 مرة، وبالتالي لم أحقق شيئا جديدا مميزا”.
واللافت أن نجم كومانتشي الساطع شع في مجرة السوفياتيات الكبيرات: كيم وكوربوت ولودميلا توريشيفا وماريا فيلاتوفا، اللواتي شكلن أفضل فريق في العالم.
قبل عامين من الألعاب لم ينتبه أحد لاسم كومانتشي، فظهورها العالمي الأول كان خلال بطولة العالم في مدينة فارنا البلغارية عام 1974، حيث لاحظ خبراء اللعبة هذه الرومانية الصغيرة وتوقعوا أن تبهر العالم بعد فترة وجيزة.
لم تكن كومانتشي حينها قد بلغت الرابعة عشرة (مواليد 12 تشرين الثاني/نوفمبر 1961)، وبالتالي لا يحق لها بحسب قوانين الاتحاد الدولي للجمباز المنافسة عالميا. وبعد شهر، حصدت لقب دورة دولية في لندن. وفي أيار/مايو 1975، تخطت السوفياتية كيم خلال بطولة أوروبا التي أجريت في مدينة سكين النرويجية.
وفي أولمبياد موسكو عام 1980 ظهرت ناديا مختلفة، فالفتاة الصغيرة تحولت إلى امرأة شابة يبلغ طولها 1.60 م ووزنها 50 كلج. وكان واضحا أنها فقدت الكثير من ديناميتها واكتفت بلقبي الحركات الأرضية والعارضة واحتلت المرتبة الثانية في المسابقة العامة.. وهذه طبعا ليس نتيجة سيئة.
بدأت كومانتشي مزاولة الجمباز في سن السادسة واختيرت لمنتخب بلادها وهي في الثانية عشرة. وفي سن الحادية عشرة كانت تتدرب 4 ساعات يوميا في معهد جورجيو – ديج (400 كلم من بوخارست)، أول مركز تدريب في رومانيا.
وتولاها منذ سن السادسة التقني بيلا كارولي المشهور بانضباطه الصارم وقسوته الأسطورية، وذلك بعدما اخضعت لمختلف الفحوص المخبرية وصور الأشعة للوقوف على صحة أعضائها وسلامة نموها.
وكانت رومانيا الحاصلة على برونزية الفرق في نسختي 1956 و1960، شهدت تراجعا كبيرا في الجمباز، ما حدا بالحكومة إلى إقرار خطة تطوير ونهوض تتضمن إقامة مراكز إعداد وتخريج مواهب منتقاة من المدارس. وسريعا، أضحت رومانيا من أعمدة الجمباز عالميا.
وإلى التدريب المكثف، اعتمدت كومانتشي حمية غذائية ترتكز على البروتينات والحليب والأجبان والفواكه وتحظر السكر والخبز.
وامتازت بقوام طيع يؤدي كل حركة بدقة متناهية حتى الكمال. ومقارنة بالسوفياتية كوربوت، فان أسلوب الأخيرة كان يشع مرات خلال تأدية العرض، بينما كان عرض كومانتشي حلقة براقة متكاملة من بداية الفقرة حتى نهايتها، وجملة متواصلة متناسقة ومنسجمة لا وقت ضائعا فيها.
وعلى جهاز العارضة مثلا، كانت كومانتشي تتحدى معادلات التوازن على عرض 10 سنتم بفضل قوة فخذيها الاستثنائية وإعدادها العالي بدنيا ونفسيا، وتكرر حركة تلقائية 15 مرة من دون انقطاع.
مع كومانتشي أصبحت حركات الجمباز “فقرات راقصة” تسمو بالأحاسيس فتنتشي النفوس، وجعلت العروض شبيهة بالتزحلق الفني على الجليد، فبلغت أبعادا غير مألوفة اكسبتها شعبية كبيرة.
العالم الجديد “عام 1981” فر كارولي وزوجته مارتا إلى الولايات المتحدة خلال جولة عروض لنجوم المنتخب الروماني وبينهم كومانتشي، وساهم في انتصارات فريقها للجمباز في دورة لوس أنجلوس 1984 وأبرز وجوهه ماري لو ريتون.
وحذت كومانتشي حذو مدربها عام 1989 بعد رحلة مموهة عبر المجر والنمسا. وكان السبب الرئيس وراء ذلك الاهتمام الزائد الذي أبداه بها نيكو ابن الديكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو، الذي وصل إلى حد فرض رقابة عليها من الشرطة المحلية “سيكوريتات”، إضافة إلى المراقبة اللصيقة خشية فرارها.
لكنها لم تنس وطنها الأم، فما إن سقط النظام بسقوط تشاوسيسكو قدمت مساعدة مالية للاتحاد الروماني للجمباز وقامت بنشاطات خيرية واجتماعية عدة. وقد استقرت لاحقا في الولايات المتحدة بعد إقامة قصيرة في كندا، وتزوجت عام 1996 من الأمريكي بارت كونر بطل دورة لوس أنجلوس في العارضتين المتوازيتين وفي الفرق، وأنجبت منه عام 2006 وحيدهما ديلان-بول. وبعد اعتزالها تقديم العروض، دربت في مركز الجمباز الذي يديره زوجها في أوكلاهوما سيتي.
اختيرت كومانتشي رياضة القرن ال20 في الجمباز. وتولت مناصب رياضية عدة منها سفيرة رومانيا للرياضة وعضو الاتحاد الدولي للجمباز والرئيسة الفخرية للجنة الأولمبية الرومانية، وحازت على تنويهات وتكريمات عالمية منها وسام الاستحقاق الأولمبي (أعلى وسام أولمبي) وكانت أصغر من يتقلده، كما أنها الشخصية الوحيدة التي نالته مرتين في عامي 1984 لمناسبة اعتزالها و2004. وهي أول رياضية أيضا تتحدث من على منبر الأمم المتحدة في نيويورك (1999).
أعدت كومانتشي كتابا يحمل عنوان “رسائل إلى لاعبة جمباز شابة”، أجابت فيه على أسئلة طرحها أنصارها عليها. وأنجز الن كووك فيلم “ناديا” المستوحى من سيرتها ومسيرتها.