مقالة خاصة للوفاق:

فرنسا.. إزدواجية المعايير الحقوقية

إنّ شعاري "حقوق الإنسان" و "حرية التعبير" ليسا إلّا مجرّد آلة إعلامية  لتحسين صورة فرنسا وليست لها فاعلية إلّا ضد المسلمين..

2023-01-11

بقلم الكاتب: مصطفى خرم آبادي

مستشار قانوني

 حاولت فرنسا طوال العقود الماضية أن تظهر نفسها كحاضنة الحرية وداعمة رئيسية لحقوق الإنسان في العالم. برأي الكاتب هذا الأمر يرجع إلى حاجتهم الماسة إلى علاج صورتهم المشوهة التي تركها الفرنسيون بعدما ارتكبوا جرائم وحشية بحق المواطنين الأفارقة لاسيما في الجزائر حيث قال المؤرخ الشهير الفرنسي “جاك جوركي” إنّ أيدي القوات الفرنسية تلطخت بدماء ما لايقل عن عشرة ملايين من المواطنين الجزائريين الذين طالبوا باستقلال بلادهم منذ قدومها عام 1830م حتى رحيلها عام 1962م بالإضافة إلى الملايين من الناس في البلدان الأفريقية الأخرى مثل رواندا وغيرها من البلدان بسبب نهبهم الإقتصادي.

  لم نخطئ لو نقول إنّ صورة فرنسا في العالم أصبحت من أبشع الصور عند الناس فإضطرّت في القرن الماضي إلى أن تتخذ سياسة عجيبة من إزدواجية المعايير تضاد بعضها البعض لاسيّما في المجال الحقوقي.والذي يتعلق بحقوق الإنسان وحريّة التعبير.  لو نلقي النظر على القانون الفرنسي ، تحظر المادة ٢٤ “أي شخص من التحريض العلني على التمييز ضد شخص أو مجموعة بالانتماء إلى عرق ، أو أمة ، أو دين ، أو بداعي الكراهية أو الإيذاء او الجنس ، أو التوجه الجنسي ، أو الإعاقة”  وهذا ما نصّت عليه المادة.

بناءً على هذه المادة يُمنع قانونياً كلّ عمل إعلامي ينشر الكراهية ويزرع الاحقاد بين الناس ضد الديانة الإسلامية بما انها من الديانات التي ضمنت المادة المشار اليها إحترامها وحقوق أتباعها. هناك قوانين أخرى تمنع المواطنين من خطاب الكراهية ونشره وقرّرت عقوبات لمن يقوم بذلك ويتمرّد عليها. بغض النظر عن صحة أو كذب رواية هولوكوست ، يمنع القانون الفرنسي كلّ وسائل الإعلام والكتاب والمؤرخين والباحثين من تأليف كتاب أو تقرير أو مقالة أو حتى تغريدة على تويتر يُكذّبها إحتراماً لحقوق مجموعة من اليهود (وليس كلها) والذين يعتقدون أن هذه الرواية صحيحة ،وعدم جواز تحريض الناس عليهم بما أنّهم طائفة دينية في العالم. هذا المعيار القانوني الفرنسي حبر على ورق وإلا في الواقع أنّ فرنسا تدعم الديانات وأتباعها وكلّ من يتطرّق لنشر الكراهية ضد ديانة أو مجموعة دينية أو جنسية معينة وتحاسب عليها قانونياً مثلما جرى لبعض المؤلفين والذين كتبوا مقالات عن قضية هولوكوست ورفضوا فيها صحة الرواية والذين حاسبهم القانون بشدّة و طبعاً هذا الأمر يشير إلى أنّ الدولة الفرنسية أخذت هذا القانون على محمل الجد ناهيك عمّا فعلت بالممثل الكوميدي الشهير في فرنسا “ديودونه” في عام ٢٠١٥ والذي واجه السجن لأنه قال في مهرجان أقيم في روسيا: ” اليهود سيطروا على الدولة الفرنسية وبهذا السبب تحاسب الدولة كل من ينتقدهم. هؤلاء جعلوا الدولة الفرنسية حليفة لإسرائيل بينما أغلبية الشعب الفرنسي يحبّون فلسطين وشعبها ويؤكدون على حقّها للعودة”.

وقال الكاتب والمورخ الفرنسي “بل إريك بلانور”:  “نحن الفرنسيون نعيش حالة دكتاتورية في فرنسا حيث يواجه ضغوطات شديدة ومختلفة كلّ من ينتقد إسرائيل لأن الدولة تعتبر الأمر جريمة سياسية وتأريخية”.

بعد عام 2009 حتى الآن أصحبت الدولة الفرنسية مركزاً للإسائة الى الدين الإسلامي الحنيف حيث لاتزال تقوم بعض مجلاتها لاسيما “شارلي إيبدو” بنشر الكاريكاتيرات المسيئة إلى حبيب إله العالمين الرسول الأعظم سيدنا محمد(ص) وهو يُعتَبر أشد المصاديق لنشر الكراهية ولكن لم يحاسبها القانون بل ظهر الرئيس الفرنسي مكرون والذي يُعتَبَر  حليفاً لإسرائيل في وسائل الإعلام يدعمها بطريقة معلنة.

هناك سؤال واضح يخطر ببال كلّ إنسان منصف في العالم بغض النظر عن أتجاهاتهم السياسية والدينية و هو لماذا تحاسب الدولة الفرنسية بقوة كل منتقدي قضية هولوكوست والذي لايهم الا مجموعة من اليهود لاسيما الصهاينة أو الفرنسيين الذين ينتقدون المثلية مع انها حركة صغيرة ومرفوضة ومكروهة من قبل أغلبية شعوب العالم، حيث يواجهون السجن بمجرد إلقاء كلمة ضد هؤلاء وهي في نفس الوقت لاتمنع ولاتحاسب مجلة شارلي إيبدو المهينة إلى رسول الله (ص)والذي يعشقه ويتبعه مليار إنسان مسلم في العالم؟ الرد على السؤال قد مضى في السطور السابقة حيث أشرنا إلى الكلمتين للكاتب والممثل الفرنسي الذَين قالا بأنّ الأمر والحكم في فرنسا بيد اللوبي اليهودي والذي يعرقل كلّ عمل إنتقادي لإسرائيل واليهود الصهاينة وطبعاً يعمل على تشجيع أي عمل يكون مسيئاً الى الرموز المقدسة للمسلمين لأن كلّما قوى الإسلام والأمة الإسلامية وقضاياها، يُضعَف الكيان اللامشروع والخبيث الإسرائيلي.

نعلم أنّ عدد كل أتباع الديانة اليهودية في العالم لا يزيد عن 15 مليون في كل العالم وهي من الأديان السماوية الإلهية يعترف بها الإسلام الحنيف. بغض النظر عن صحة أو عدم صحة رواية هولوكاست لأنّ فيها آراء مختلفة تستند كلها على وثائق تأريخية، إفترضوا أنّ أحداً من المفكّرين والمحللين الفرنسيين يُكذّبها (في حال لم يعتقد بها جميع اليهود بل على سبيل المثال يرفضها أتباع حركة ناطوري كارتا اليهودية والكثير من اليهود) أو يُسيئ إلى الصهاينة الذين يقتلون الأطفال الرُضّع والنساء والرجال الأبرياء، فما الذي سيحدث؟ طبعاً ستواجه ضغوطات وتهديدات هذا المنتقد من قبل الحكومة مضافة إلى الهجمات الإعلامية التي تنطلق ضدّه من قبل وسائل الإعلام التي يموّلها الصهاينة وهذا الأمر قد حدث لأكثر من شخص في تلك البلاد ولكن لو يُسيئ أحد إلى كلّ المقدّسات الإسلامية وعلى رأسها الرسول الأعظم سيدنا محمد(ص) والذي يُعتبر رمزاً دينيا للملسمين في فرنسا والذين يُشكّلون 10% من سكانها، يظهر أكبر سياسي في فرنسا على وسائل الإعلام وبدل أن يستنكر الجريمة وفقاً للقانون الفرنسي يدعمها وحتى للأسف الشديد يسمح له ويشجّعه على التكرار.

بعبارة مختصرة، إنّ شعاري “حقوق الإنسان” و “حرية التعبير” ليسا إلّا مجرّد آلة إعلامية  لتحسين صورة فرنسا وليست لها فاعلية إلّا ضد المسلمين. فرنسا اليوم لاتختلف عن فرنسا القرن الماضي فسابقاً كانت تقتل المسلمين بالملايين بدم بارد واليوم بدلا من أن تُلَطّخ يدها بدمائهم تُحرّض الآخرين على قتلهم ومواجهتم.

اليوم مجلة “شارلي إيبدو” تهين إلى ساحة المرجعية الدينية ورمزاً من الرموز الدينية للإسلام، الإمام السيد الخامنئي(دام ظلّه العالي)، في حال يُعتَبر الأمر جريمة نصت بتجريمها القانون الفرنسي كما سبق توضيحه ووضعت لها عقوبة معيّنة ولكن كما قال الكاتب الفرنسي اللوبي الصهيوني هو من يأخذ القرار ويتحكم بالدولة في قراراتها الرئيسية فكيف نتوقّع من تلك الدولة أن تحاسب المجرمين القائمين على مثل هذه الأعمال في حين لا فاعلية لهؤلاء من دون رضا الصهاينة.

المصدر: الوفاق خاص

الاخبار ذات الصلة