“انتصار الدم على السيف” استمرار من ثورة الإمام الحسين(ع) إلى الثورة الاسلامية

الوفاق: أصدر الامام الخميني (قدس) التعليمات اللازمة لإسقاط النظام البهلوي البائد في إعلان أصبح يُعرف بـ"انتصار الدم على السيف"

2024-07-24

“إنّ كل ما لدينا من محرم وعاشوراء”. بهذا يعبر الإمام الخميني (قدس) عن سر انتصار الثورة الإسلامية ومصدر جميع الانجازات التي تحققت على يده الشريفة، فالإمام عالم وعارف وصاحب نظر سياسي ثاقب يكاد لا يوجد له نظير وفهمه الدقيق لعاشوراء هو الذي جعله ينتصر على أعدائه ويحقق حلم الأنبياء فجعل شعار “كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء” .

 

لقد كانت الثورة الإسلامية في إيران مستمدة حرفياً من أهداف ومُثُل الثورة الحسينية. لقد تأثرت الثورة الإسلامية بها وقد برزت علامات هذه التأثر  بوضوح في أفكار وأعمال قادة الثورة – سواء قبلها أو بعد انتصارها.  وإثر ذلك ، تركت الثقافة العاشورائية عند القادة والمناضلين الثوريين في الحركة الإسلامية، الأثر الأبرز في مواجهة النظام البهلوي البائد. وعلى مدى التاريخ ، فإن أهم المواجهات الثورية وأكثرها فعالية حدثت في شهر محرم الحرام 1978م، إذ تم تخطيط وتنفيذ كافة الاستراتيجيات والفعاليات والجهود السياسية والثقافية والدينية وحتى الاقتصادية في أيام عزاء الإمام الحسين (ع).

 

ولهذا السبب، في عام 1978م ، كان أصدقاء الحركة الاسلامية وحتى أعداءها ينتظرون حدثًا مهمًا في شهر محرم الحرام. فتم تشديد و تكثيف الإجراءات الأمنية للنظام البهلوي البائد. إضافةً إلى ذلك، كثفت السفارة الأمريكية نشاطها عشية هذا الشهر، مرسلةً تقاريرها إلى حكومتها بأن “إيران كلها مستعدة لمواجهة كبرى خلال هذا الشهر”.

 

ومن جهةٍ أخرى، بدأ الإمام الخميني (قدس) بصفته زعيماً للحركة الإسلامية، بتهيئة الأجواء لتوسيع المواجهات مع النظام في شهر محرم الحرام. وقال الإمام (قدس) في مقابلة مع مراسل إذاعة لوكسمبورغ عن شهر محرم: “محرم هو الشهر الذي نهض فيه العدل ضد الظلم والحق ضد الباطل وأثبت أنه على مر التاريخ انتصر الحق على الباطل، وهذا العام، في شهر محرم الحرام، ستتقوى حركة الحق ضد الباطل، آمل أن تمر نهضة ايران الاسلامية بمراحلها النهائية في هذا الشهر”.

 

إضافةً إلى ذلك، وبالتزامن مع شهر محرم الحرام، أصدر الإمام الخميني (قدس) في الحادي والعشرين من شهر ذي الحجة من عام 1978م  التعليمات اللازمة لإسقاط النظام البهلوي البائد في إعلان أصبح يُعرف بـ”انتصار الدم على السيف”.

 

 

صرخة الله أكبر في أيام محرم وصلت إلى قصر الشاه

 

 

يُعد نداء “الله أكبر” من على أسطح المنازل واحد من إبداعات القوى الدينية والتي حطمت عبرها معنويات العدو في ليالي شهر محرم. ووفق الملحق السياسي للسفارة الأميركية، استمپل، فإن “الأشخاص الذين دعوا عبر مكبرات الصوت لمواجهة الملك والمغتصبين الفاسدين للإسلام، تحركوا بحماسة مدفوعين بروحية استشهاد الإمام الحسين (ع) وبعد إعلان الأحكام العرفية وخروج الجماعات من المساجد للسير في الأماكن المخصصة لهم، كانوا يرتدون ملابس بيضاء من الرأس إلى أخمص القدمين علامةً على الاستعداد للاستشهاد، وأمرت المنظمات الثورية من بقي في المنازل بالصعود إلى أسطح المنازل والهتاف بكلمة “الله أكبر”.

 

كانت صرخة “الله أكبر” بمثابة مناورة قوة ضد النظام. ماذا هنالك أكثر من صيحة تكبير عالية صادرة من معظم أسطح المنازل في دلالة واضحة على أن الشاه المقبور ليس لديه مكان يقيم فيه في إيران. ويرى السفير الأمريكي سوليفان أن هذه التكبيرات كانت تكتيكًا فعالًا وجديدًا استخدمه المعارضون الدينيون للملك لإظهار قوتهم. وبالإضافة إلى إظهار قوة وكثرة القوى الدينية، كانت هذه المبادرة بمثابة حرب نفسية استخدمت ضد القوى التي كانت تُرعبها الشعارات الإسلامية.

 

شكلت التكبيرات الليلية كابوساً للملك، لدرجة أنه بعد فراره إلى المغرب، شعر بالرعب عندما سمع صوت الأذان من المسجد. ووفق  الصحفي الفرنسي”پيار بلانشه‌”، “في ليالي محرم الحرام ، وصلت هذه الصرخة إلى نوافذ قصر نياواران، قصر الشاه في شمال طهران”. خاصةً وأن هذا الشعار كان مصحوباً بعبارة “يحيا الخميني” و”الخميني وريث الحسين(ع)”.

 

 

العزاء رغم المنع والتضييق

 

لم يهتم الإمام الخميني (قدس) بالمنع الصادر عن النظام لإقامة مجالس العزاء، وذكر في رسالته الشهيرة أن “إقامة مجالس العزاء يجب أن تكون مستقلة وغير خاضعة لإذن الشرطة . أنتم أيها الأعزاء أقيموا مجالس العزاء دون الرجوع إلى السلطات، وإذا مُنعتم فاجتمعوا في الساحات والشوارع والأزقة واكشفوا معاناة الإسلام والمسلمين وخيانات نظام الشاه”.

 

وفي هذا الصدد، بدأت لجان العزاء والمجالس تعمل دون الالتفات إلى تحذيرات أجهزة النظام الأمنية. وكتب مراسل السافاك من مدينة مشهد المقدسة: “تم إبلاغ جميع الأشخاص الذين أرادوا تنظيم مجالس العزاء من قبل العلماء والدعاة بعدم الذهاب إلى القوى الأمنية. بل طُلب منهم التواصل مع رؤساء الهيئات الدينية وأنه يجب عليهم إقامة مجالس عزاء دون الرجوع إلى السلطات وتحريك مجموعاتهم في الشوارع”.

 

 

مواعظ وخطب المجالس العاشورائية

 

 

إن منابر مجلس عزاء الحسيني هي من أكثر الطرق والممارسات المهمة في الثقافة السياسية الشيعية، وقد قال الإمام الخميني (قدس) حول هذا الموضوع، في رسالته المهمة يوم 21 ذي الحجة: “أيها الدعاة والخطباء، عليكم، أكثر من أي وقت مضى، أن تقوموا بواجبكم الإلهي، وهو فضح جرائم النظام. إن طلاب وعلماء الحوزات العلمية الذين يذهبون هذه الأيام إلى القرى والمدن، من الضروري أن يقوموا بإعلام الفلاحين المحرومين بفظائع الشاه وقتل الشعب الأعزل، في مقابل دعايات الشاه وأقاربه المسمومة، فالدولة الإسلامية ليست من الرأسماليين وكبار الملاك؛ فهذه كلمات لا معنى لها ولا تفيد للإنحراف عن الطريق الصحيح”.

 

في عام 1978م انتقد خطباء المجالس الحسينية الشاه  المقبور بشكلٍ مباشر مُعرفين حكومته على أنها حكومة يزيد، وطلبوا من الشباب عدم الانخداع بوعودها والجهاد ضد الحكومة الظالمة من أجل التخلص من النظام.

 

وهكذا تحولت المواعظ  والخطب في مجالس العزاء في كل محافظات ومدن إيران إلى قاعدة انطلاق لمواجهة النظام البهلوي البائد، لدرجة أنها أصبحت تتحدث بوضوح عن إسقاط الشاه المقبور. حجة الإسلام رضوي اردکانی يقول في هذا الصدد: “لقد عُقد اجتماع مهم في مسجد “فاطمى” في مدينة بندر عباس. جاء جميع رجال الدين والوعاظ وزاد الحشد لدرجة أن الشارع والميدان أمام المسجد امتلأ بالناس وحاصرت القوى الأمنية الحضور. فوقفت على  المنبر وقدمت تعريفاً كاملاً للحكومة الإسلامية، وقلت: “الحكومة الملكية ليست شرعية؛ خاصةً إذا كانت فاسدة، لقد أدنت رسميًا فساد البلاط البهلوي وعائلته وأعلنت رسميًا أنه وفقًا لمرسوم الإمام الخميني(قدس) من باريس، اعتبارًا من هذا التاريخ سنقوم بإسقاط الشاه رسميًا من الحكم. ثم كبر المصلون وفجأة بدأ إطلاق النار من جميع الجهات وتم إلقاء الغاز المسيل للدموع وبدأت المواجهات، وتم ضرب المسجد  ارتقى عدد من الشهداء وأصيب آخرون وتم اعتقال البعض”.

 

 

مرثيات الثورة

 

برز في الفترة الممتدة بين سنة 1963 م و1978م دورٌ بارز للمداحين في ايصال رسالة عاشوراء ومفاهيمها للناس. في عام 1978م، رفعت هيئات مذهبية عديدة شعارات ثورية وكتبت رثاء عن الفظائع التي ارتكبها النظام  البهلوي البائد، في تحفيز ودعم واضح للناس من أجل مواجهة هذا النظام. وكان الشعار الذي رددته  هيئة بني الزهراء(ع): أقسم بسلام الحسن، الله ناصرنا أقسم بدم الحسين، الخميني قائدنا/
فلنقيم قيامةً جديدًا ونقتدي بحسين الزهراء(ع)/
نحن جنود ومستعدون للاستشهاد، طريق الحسين هو الطريق الوحيد للسعادة/
نُقاتل كرجل شجاع، الله أكبر، الله أكبر

 

 

 توسع الاحتجاجات والاضرابات

 

وعلى الرغم من أن الإحتجاجات الثورية بدأت منذ  شهر أيلول /سبتمبر من العام 1978م، إلا أن شهر محرم كان بمثابة فرصة مضاعفة لتوسيع استراتيجية الحملة هذه ونشرها على مستوى النقابات ومؤسسات أخرى. ولهذا السبب ذكر الإمام الخميني (قدس) هذه النقطة في رسالته بمناسبة شهر المحرم الحرام:” يجب أن أشكر كل من وقف في هذه الحركة الإسلامية ودعم الأمة في الإضراب. وعلى الرغم من أن هذه الإضرابات شاقة، إلا أنها تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الأهداف الإنسانية للشعب. واصلوا ضرباتكم الكبيرة قدر المستطاع، شلوا جهاز هؤلاء الخونة. إن مساعدة هؤلاء الخونة حرام وضد إرادة الله وطاعتهم بأي شكل من الأشكال هي ضد الإسلام وضد الله ويُعتبر ضرب شركة النفط ومنع هدر ثروات الوطن طاعة لله”.

 

وكان من الأساليب الموفّقة التي اتّبعها الإمام الخمينيّ(قدس) في الجهاد ضدّ نظام الشاه، دعوته الجماهير إلى الإضرابات العامّة، وتوسيع مدارها. فقد شملت الإضرابات، في الأشهر الأخيرة من الثورة، مختلفَ أركان النظام، من وزاراتٍ ودوائر ومراكز عسكريّةٍ، حتّى امتدّ الأمر إلى عمّال شركة النفط الوطنيّة والبنوك ومراكز الدولة الحسّاسة وموظّفيها، الأمر الذي وجّه الضربة القاضية إلى جسد النظام.

 

وأوردت السفارة الأمريكية نبأ طلب الإمام الخميني(قدس) بالإضراب مرةً أخرى: “يُهدد عمال الكهرباء في أصفهان بقطع التيار الكهربائي لمدة 24 ساعة، وهكذا بدأت سلسلة من الاضرابات لتطال معظم مؤسسات الدولة تنفيذاً لأوامر الإمام الخميني (قدس) والتي بلغت ذروتها في أيام عاشوراء. ووفق الملحق السياسي للسفارة الأمريكية في إيران ستيمبل فإن “دعوات آية الله الخميني الفعالة للإضرابات المفتوحة سحقت تدريجياً حكومة “أزهاري” العسكرية ودفعتها نحو الانهيار الكامل”.

 

 

مظاهرات حاشدة في تاسوعاء وعاشوراء

 

 

وبالتزامن مع بداية شهر محرم الحرام، اندلعت مظاهرات واسعة النطاق في طهران، قوبلت بمواجهات دامية من قبل النظام. ومع اقتراب أيام تاسوعاء وعاشوراء، دعا الإمام الخميني (قدس) في رسالة شعب إيران إلى مواصلة نضاله حتى الإطاحة الكاملة بالنظام وقال: “إن هذه الأمة الشيعية هي أعظم أمة في التاريخ، التي بأعداد قليلة أسست حركة عاشوراء الكبرى ودفنت الدولة الأموية إلى الأبد في مقبرة التاريخ، وبمشيئة الله عز وجل ستدفن الأمة الحبيبة وأتباع الإمام الحقيقيون -عليه السلام- سلالة بهلوي في مقبرة التاريخ بدماء أبنائها ورفع راية الإسلام في البلاد.”

 

وفي يومَي تاسوعاء وعاشوراء، انطلقت المظاهرات المليونيّة في طهران وسائر المدن الأخرى، والتي اشتُهِرَت، فيما بعد، باسم “الاستفتاء غير الرسميّ مِن قِبَل الجماهير، ضدّ سلطة الملِك”.وفي هذه التظاهرات الضخمة، شارك الرجال والنساء، صغاراً وكباراً، وحتى أطفال المدارس الابتدائية، حاملين الشعارات والصور واللافتات في أيديهم، من كل أركان المدينة من غربها وشرقها وشمالها وجنوبها باتجاه ميدان الحرية. شاركت النساء بقوّة في مسيرات التاسوعاء والعاشوراء التي تحوّلت إلى تظاهرات ضدّ النظام الشاهنشاهيّ، وكنّ يسرنَ في الصفوف الأماميّة حاملاتٍ أطفالهنّ الرُّضّع، في مواجهة الجنود المدجّجين بالأسلحة، وطائرات الهليكوبتر تُحلّقُ فوق الرؤوس تهديداً.

 

ورفعت شعارات “الاستقلال، الحرية، الجمهورية الإسلامية” في هذه المظاهرات. كما فاجأ موكب تاسوعا وعاشوراء السفراء الأجانب. ويعبر السفير البريطاني في إيران “أنتوني بارسونز” عن ملاحظاته من ذلك اليوم على النحو التالي: “كانت مسيرة تاسوعاء وعاشوراء مثالية وغير مسبوقة من حيث العظمة والانضباط والوحدة. كنت أشاهد المتظاهرين الذين يمرون بشارع الفردوسي في كلا اليومين [تاسوعاء وعاشوراء]. وفي غضون ثلاث إلى أربع ساعات، امتلأ هذا الشارع والأرصفة بالمتظاهرين وكان هذا الشارع مجرد أحد مسارات المسيرة ولا أعتبر الأرقام التي نشرت من مليون إلى مليون وخمسمائة ألف شخص عن عدد المشاركين في هذه المسيرة مبالغة”.

 

لم يقتصر الحضور الثوري  على العاصمة طهران فقط، بل كانت المظاهرات الثورية تجري في كل أنحاء البلاد. وبهذه الطريقة، كانت الاستراتيجيات والتكتيكات التي أعلنها الإمام الخميني(قدس) في شهر محرم  عام 1978م، قد نضجت وأدت الى القضاء على  النظام البهلوي البائد. ووفق الكاتب مايكل لادن، فإن “عهد الشاه انتهى فعلياً في بداية ديسمبر/كانون الأول عام 1978م في أيام العزاء في شهر محرم، على الرغم من أن رحيل الشاه عن إيران والجهود الرسمية التي بذلتها الحكومة استغرقت وقتاً أطول”.

 

المصدر: الوفاق

الاخبار ذات الصلة