تنسيق المواقف
يرى المحلل السياسي محمد خالد القداح أن كلام الرئيس الروسي الموجه للرئيس بشار الأسد من أن “الزيارة توفر فرصة للحديث عن منظومة علاقاتنا بأكملها” فضلًا عن اهتمامه الشديد بمعرفة “رأيكم حول كيفية تطوّر الوضع في المنطقة ككل” وتحذيره من “تصعيد محتمل في المنطقة” وتأكيده أن “الأمور تميل نحو التفاقم وهذا ينطبق على سورية بشكل مباشر”، يعكس جدية مخاوف البلدين من تصعيد أميركي مرتقب يهدف إلى خلط الأوراق مجددًا في المنطقة.
و أشار قداح إلى أن القمة الروسية – السورية لم تكن بعيدة عن أجواء التصعيد التي تؤججها واشنطن في غزّة عبر إبقاء دعمها مفتوحًا للكيان وجرائمه وسعيها لبث العراقيل بوجه المساعي الصينية لجمع الصف الفلسطيني على كلمة سواء فضلًا عن تلويحها مجددًا بخطر “داعش” لتبرير بقائها في سورية والعراق والتفلت من تعهداتها السابقة بالانسحاب من هذا البلد.
وأضاف المحلل السياسي أن حديث الرئيس الأسد لمضيفه الروسي حول التطورات في العالم والمنطقة الأوراسية يعكس الإدراك العميق لكليهما باستحالة فصل مشاكل روسيا عن سورية سيما وأن الجغرافيا السورية وفق ما أوحى الرئيس بوتين نفسه قد تكون مكانًا لتصعيد أميركي ضدّ روسيا بعد إصرار واشنطن على جعل قمة الناتو الأخيرة منصة للتصويب على روسيا وإغراء أوكرانيا بالاستمرار في القتال رغم استحالة النصر الأوكراني وتيقن الروس بأنهم سيراكمون الإنجازات أكثر كلما استمرت كييف في السير بركب واشنطن.
ولفت قداح إلى مخاوف موسكو من جنوح واشنطن لإغراء إرهابييها في سورية باستهداف الجنود الروس ما يشكّل انقلابًا على التفاهمات مع روسيا سيما بعد الحديث الأميركي عن نشاط “داعش” الأخير وازدياد عملياته في سورية والعراق على نحو مضاعف عما كان عليه في النصف الأول من العام الماضي الأمر الذي استدعى مناقشة سورية روسية لكل الاحتمالات الواردة ورسم سيناريوهات التعامل الحازم معها.
وفي ما يخص عودة العلاقات السورية التركية ووجود حد أدنى من التنسيق بين دمشق وأنقرة برعاية روسية رأى المحلل السياسي أن هذا الأمر يقلق واشنطن كثيرًا لأنه يجعل أنقرة أقرب إلى موسكو منها ويجعلها أكثر ميلًا لمناقشة الخطط الموضوعة في هذا السياق والمشتملة على الحفاظ على التهدئة الموجودة لحين بلورة حل سياسي شامل سيكون دعامة استقرار تضاف إلى مساعي موسكو في تهدئة المنطقة.
وختم قداح حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن العلاقات الاقتصادية وإمكانية تطويرها قد أخذت حيّزًا كبيرًا في أحاديث الرئيسين السوري والروسي بما يؤكد الحرص على دفعها قدمًا ربطًا بالتطورات السياسية المتلاحقة.
لبناء منظومة أمن إقليمي
من جانبه أكد عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي طارق الأحمد أن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو جاءت عقب تطوّر مفصلي وهام يتمثل في أن روسيا وسورية ومعهما إيران قد نجحوا في أهم استحقاق واجههم وهو إنزال الأطراف الرئيسية في المنطقة عن “الشجرة الخبيثة” المتمثلة بانخراطهم في مشروع الإدارة الأميركية الديمقراطية (إدارة أوباما منذ ٢٠١٠) لتدمير المنطقة والذي سّمي زورًا بـ”الربيع العربي”.
كما لفت الأحمد إلى أن هذا الأمر تطلب الكثير من النضال والدماء والتضحيات والعمل السياسي والدبلوماسي مشيرًا إلى وجود فرق بين توقيت هذه الزيارة وكلّ الزيارات التي سبقتها لجهة وصول التحالف الروسي – السوري – الإيراني إلى منطقة تبلورت لديها القناعة التامة بخطأ المرحلة السابقة وبأن أصحاب الرؤوس التي كانت حامية في السابق هم الذين كانوا سيتضررون ضررًا فادحًا إذا ما تم إسقاط الدولة السورية مشيرًا إلى أن هذا هو السبب الرئيسي في تغير الموقف التركي من خلال رغبة الرئيس أردوغان في اللقاء مع الرئيس بشار الأسد وما سبق ذلك من تغيير في سلوك ونهج وتعاطي دول الخليج مع سورية. وأضاف أن كلّ ما يجري الآن هو محاولة إعادة ترميم ما تم تخريبه خلال السنوات السابقة من خلال جعل العلاقات طبيعية بين المتنازعين سابقًا في هذا الظرف الشائك والصعب الذي يتطلب الحوار بين الرئيس الأسد والرئيس بوتين.
وشدد عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي على أن التنسيق جار على هذا المستوى؛ فهناك تحديات تتعلق بإمكانية عودة داعش لبعض المناطق وانقلاب الإدارة الأميركية على بعض الاتفاقيات وإعادة تغذيتها الاضطرابات في المنطقة الأمر الذي استدعى تنسيقًا على مستوى الرئيسين الأسد وبوتين قبل التنسيق مع أردوغان الذي يلح على لقاء نظيره السوري، وهو اللقاء الذي لم ينف الرئيس الأسد إمكانية حصوله طالما أنه سيصب في مصلحة سورية والشعب السوري وسيؤدي بعد ذلك إلى الانسحاب من الأراضي السورية.
وختم الأحمد حديثه بالتأكيد على أن الجميع أمام مرحلة جديدة والتشاور مطلوب ومهمّ من أجل إنجازها بحيث تفضي في النهاية إلى بناء منظومة أمن إقليمي لكل المنطقة تمنع الإدارة الأميركية بعد ذلك من العبث فيها كما حصل في السابق.