أثار ملصق دعائي حنق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ودفعه إلى تقديم شكوى ضد أحد سكان إقليم (فار) جنوبي البلاد إذ يحتوي الملصق على صورة تشبه ماكرون بالزعيم النازي أدولف هتلر.
ويأتي إمتعاض ماكرون من الملصق الساخر من سياساته فيما أبدى في عدّة مناسبات دعمه لحرية التعبير في مجال الرسومات المسيئة بكافة أشكالها، حتى وإن لامست مشاعر الأديان الأخرى ومعتقدات البشر وأهانتها، فمؤخراً وليس بالبعيد إنبرت ريشة زبانية صحيفة “شارلي إيبدو” الأسبوعية الفرنسية الساخرة على رسم كاريكاتيرات ساخرة من المقدسات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أثارت مشاعر المسلمين، خصوصاً أنها جاءت بذكرى تعرّضها لهجوم داعش الارهابي والذي جاء منذ عدّة سنوات ردّا على نشرها رسومات ساخرة من الرسول محمد (ص).
*إزدواجية ماكرون الفاضحة
وكانت قد انتشرت لوحات إعلانية تحمل هذا الملصق في إقليم فار، بسبب فرض ماكرون شهادات صحية لدخول الأماكن العامة ضمن إجراءات مكافحة فيروس كورونا.
وتعجّب صاحب لوحات الإعلانات ميشيل فلوري من قرار مقاضاته ورأى أن إيمانويل ماكرون يناقض نفسه، ففي الوقت الذي يسمح فيه بنشر صور مسيئة إلى قدسية النبي محمد (ص) وشخصية إسلامية ودينية مقدّسة يتّبعها الملايين من البشر حول الأرض، بزعم حرية التعبير في حين يرفض تشبيهه بالدكتاتور.
وفي وقت سابق، تصدرت مجلة شارلي إيبدو الفرنسية عناوين الأخبار مرة أخرى هذا الأسبوع للاساءة التي وجهتها لقائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، ما أثار غضب قطاعات واسعة من المسلمين والمفكرين في ايران والعالم. أدت الاساءة الى استدعاء السفير الفرنسي وتقديم احتجاج رسمي والى إغلاق معهد أبحاث فرنسي في طهران.
*ماذا عن الدور الصهيوني؟
يأتي الجدل الأخير في الوقت الذي أحيت فيه فرنسا يوم السبت المنصرم الذكرى الثامنة للهجوم على مكاتب شارلي إيبدو الذي أسفر عن مقتل 12 شخصا. اليوم، تنشر المجلة من مكان سري مع مراقبة بوليسية على مدار الساعة لحماية موظفيها، بعد ثماني سنوات من هجوم مسلحين عليها لم تغب عنه الأصابع الصهيونية .
في تحدٍ لقيم لا يملكها القائمون عليها، نشرت المجلة مرارًا وتكرارًا رسومًا كاريكاتورية للنبي محمد صلى الله عليه واله، وهي أعمال اعتبرها المسلمون ومفكرون من شرائع أخرى تجديفًا و تحريضاً على الكراهية الدينية والعنصرية.
*إستفزازية بلا داع
لكن ما تنشره المجلة أيضًا يجعل الكثير من الناس يشعرون بالغثيان، بما في ذلك في فرنسا. و يرى النقاد أنها استفزازية بلا داع وحتى معادية للإسلام، على الرغم من أنها أساءت كثيرًا إلى الجماعات الدينية الأخرى بما في ذلك الكاثوليك، بتصويرها الفظ للبابا والراهبات وعيسى والله .
نُشر الإصدارُ الأخير الذي أثار حفيظة المسلمين والأحرار في العالم ، والذي ظهر في أكشاك بيع الصحف الفرنسية، يوم الأربعاء. تمت دعوة رسامي الكاريكاتير لتصوير الإمام خامنئي في سياق الاضطرابات المفتعلة ضد الحجاب، بحجة الاحتجاج على وفاة مهسا أميني.
*الردّ الحاسم والفعّال
سعى الغلاف إلى تسليط الضوء على تلك الاضطرابات المعدة سلفاً بحجة التضامن من أجل حقوق المرأة، في حين تعيش المرأة في ايران في أفضل أوضاعها وتتمتع بكامل حقوقها وحريّتها، في حين تشهد فرنسا حاليًا احتجاجات كبيرة على تردّي الوضع المعيشة والأزمات المتكاثرة.
وكان قد تعهد وزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبد اللهيان، الأربعاء، بـ الرد الحاسم والفعال على نشر الرسوم الكاريكاتورية، التي سوّلت لها نفسها بإكالة الإهانة لسماحة الإمام الخامنئي. وفي اليوم نفسه، استدعت إيران السفير الفرنسي للشكوى من الرسوم الكرتونية المسيئة.
*دور مشبوه للحكومة الفرنسية
وتسببت صحيفة شارلي إيبدو مرارا وتكرارا في حدوث مشكلات دبلوماسية للحكومة الفرنسية التي تقوم برعايتها دوماً لإثارة غضب وحنق الشعوب الأخرى وأرسال رسائل عدّة للمجتمعات الأخرى، التي تحاول أن تظهر نفسها وكأنها لا علاقة لها بالمطبوعة التي تثير الكراهية وتحرض على العنف، ولكن الكثير في فرنسا يلومونها على دعمها انتهاكات المعتقدات والمقدسات بذريعة حمايتها لحرية التعبير.
فرنسا لديها قوانين صارمة لخطاب الكراهية التي تجرم التعليقات التمييزية أو تلك التي تحرض على العنف ضد الجماعات العرقية أو الدينية ، لكنها تتعمد تشجيع “التجديف” ولا تضع قيودًا على ما يمكن قوله – أو رسمه – بشأن الأديان أو الشخصيات الدينية. وهذه الكراهية الدينية متجذرة منذ قرون ضد المسلمين وضد سلطة الكنيسة الكاثوليكية المهيمنة سابقًا. وقد دافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عما أسماه حق رسامي الكاريكاتير في التجديف الأمر الذي يجعله مسؤولاَ عن هذه الإساءات .
*جذور أقدم بكثير من حرّية التعبير
إن تشويه الأوروبيين لصورة الرسول محمد (ص) وللمقدّسات الإسلامية له جذور أقدم بكثير من حرية التعبير وليس له علاقة بالفكاهة والتسلية. على وجه الدقة، لديهم جذورهم في أوروبا في العصور الوسطى والمفاهيم الذاتية المتغيرة للمسيحيين على مدى ألف عام.
وكانت قد شهدت فرنسا في العام 2015 نشر صور مسيئة للنبي محمد (ص) على واجهات مبان حكومية اعتبرها ماكرون في ذلك الوقت تندرج تحت حرية التعبير التي تعهد بحمايتها. وأثارت تصريحات ماكرون آنذاك موجة غضب واسعة بين المسلمين في أنحاء العالم وأُطلقت حملات لمقاطعة المنتجات الفرنسية مستمرة إلى الآن في عدة دول.
وانتقد روّاد مواقع التواصل الاجتماعي شكوى ماكرون ضد صاحب اللوحات الإعلانية، إذ رأوا موقفه الآن متناقضًا مع موقفه السابق من “حرية التعبير” واستذكروا دفاعه عن الرسوم المسيئة للنبي محمد(ص).