لقاءات صحفية مع بعض الخبراء السياسيين:

إلى أين يتجه السلام البارد بين “أنصار الله” والرياض في اليمن؟

إذا أدت العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني إلى توترات جديدة في المنطقة، فإن أنصار الله لديها القدرة على ضرب مصالح السعودية في مكان آخر، بالإضافة إلى استمرارها في تقديم الدعم لحماس

2024-07-27

تناوبت شظايا الحرب التي استمرت تسعة أشهر على غزة وتركت آثارها على العديد من العلاقات الإقليمية والدولية، ومن بين هذه المجالات، يرتبط أحد أحدث مجالات الفعالية السياسية والجيوسياسية للتطورات في فلسطين هذه الأيام بالعلاقات غير المستقرة والصعبة بين المملكة العربية السعودية واليمن، ورغم مرور أشهر على توقف الحرب بين السعودية واليمن، ودخول الطرفين في مفاوضات سلام، إلا أنه في خضم عدة أشهر من الركود الذي يحكم أجواء التفاوض، هناك شواهد وإشارات على بدء المفاوضات ولقد تزايدت احتمالات إعادة تأجيج العلاقات وبدء جولة جديدة من الصراع في شبه الجزيرة العربية في الأسابيع الأخيرة وهذه الأزمة الوشيكة يمكن إرجاعها إلى حرب غزة.

 

 

وكان أهم حدث، جرى في الأيام القليلة الماضية في هذا المجال هو كلمة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي زعيم حركة أنصار الله اليمنية خلال مراسم عاشوراء والتي وصف فيها العاهل السعودي بـ ” “قارون العصر” و”قرن الشيطان” وحذر السعودية من استئناف الحرب، ودعا السيد عبد الملك السعوديين عملاء الأمريكان الذين صعدوا التوتر ضد بلادهم من أجل خدمة “إسرائيل” والانتقام من الشعب اليمني لمنعهم من السيطرة على حركة السفن الصهيونية في البحر الأحمر.

 

 

تجدر الإشارة إلى أنه في الأشهر الأخيرة، قامت الحكومة الخاضعة لسيطرة القوات التابعة للسعودية والإمارات في عدن، بإعطاء إنذار نهائي لجميع البنوك الكبرى في هذا البلد لنقل فروعها الرئيسية إلى الجنوب ومعاقبة البنوك التي تخالف هذا الأمر، ولقد بدأت حرب العملة ضد قيادة أنصار الله في صنعاء، لأن العملة المستوردة التي يتم الحصول عليها من بيع النفط تودع فقط في البنك المركزي في عدن، ويصف المسؤولون في صنعاء المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بأنهما المصممين والجهات الفاعلة الرئيسية وراء هذا القرار الذي اتخذه البنك المركزي في عدن.

 

ووجه زعيم أنصار الله اليمني، في جزء من كلمته، كلمة إلى القادة السعوديين وقال: “أنصح الكيان السعودي بالاستماع إلى تحذيرات وشعارات شعبنا والكف عن طريقته الخاطئة في دعم أمريكا و”إسرائيل” المعادية لله والمعادية للإسلام”. وبعد هذه التصريحات لزعيم أنصار الله، سمى الجيش اليمني واللجان الشعبية مجموعة من المواقع الاستراتيجية تشمل المطارات والموانئ والقواعد العسكرية ومجمعات العلوم والتكنولوجيا ومشروع “نيوم” في السعودية، كأهداف مشروعة لهم، ويقال أيضاً إن أنصار الله أحالوا الملف السعودي من المجموعة المفاوضة إلى الجيش، وهي رسالة واضحة حول إمكانية إعادة صنعاء النظر في نهجها بشأن استمرار عملية وقف إطلاق النار.

 

لكن الهجوم الذي شنه مقاتلو الكيان الصهيوني الليلة الماضية على الحديدة زاد من احتمال تأجيج هذه الأزمة، ونفذت مقاتلات الكيان الصهيوني، يوم السبت 31 تموز/يوليو، 25 هجوماً على أهداف مدنية عديدة في ميناء الحديدة، كان أبرزها صهاريج ومنشآت نفطية في اليمن، وقالت بعض المصادر الاخبارية: إن الهجوم الذي شنته مقاتلات جيش الكيان الصهيوني على ميناء الحديدة اليمني، والذي خلف ثلاثة قتلى و87 جريحاً، تم بالتنسيق بين الولايات المتحدة والسعودية.

 

كما توصلت الجزيرة، من خلال دراستها لسير العمليات الجوية التي يشنها الكيان الصهيوني ضد ميناء الحديدة، إلى أنه من المرجح أن مقاتلات هذا الكيان استخدمت الأجواء السعودية لتنفيذ هذه العمليات، وبناء على ذلك، وبالنظر إلى التهديدات التي أطلقها كبار مسؤولي حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء خلال الأسابيع الأخيرة ضد دور المملكة العربية السعودية في مؤامرات اقتصادية وعسكرية مختلفة لمهاجمة هذا البلد، فقد حان الوقت لدراسة احتمالات نشوب التوترات بين اليمن والمملكة العربية السعودية مجددا في الوضع الراهن، ولهذا فقد قمنا بعدد من اللقاءات الصحفية مع “عبد السلام تقي” الخبير في قضايا شبه الجزيرة واليمن، و”داود أحمد زاده” الخبير في قضايا المنطقة.

 

وفي بداية هذا الحديث ربط “عبد السلام تقي” التصريحات التهديدية لزعيم أنصار الله بتطورات الحرب في غزة وأشار إلى دور اليمن الفاعل في حرب غزة، وقال: “أنصار الله بعد التحذيرات الأولية للكيان الصهيوني لوقف قتل الشعب الفلسطيني في غزة، دخلت الحرب على 4 مراحل، ولقد جرت المرحلة الأولى في اليوم الخامس والعشرين من الحرب، واستهدف اليمن إيلات بهجوم صاروخي وطائرات دون طيار، وفي المرحلة الثانية، حول الجيش الوطني اليمني البحر الأحمر إلى ساحة المعركة الثانية، واستولى أنصار الله على سفينة تابعة للكيان الصهيوني في عملية خاصة.

 

ولقد أظهرت تصرفات اليمن في البحر الأحمر وباب المندب الميزة الإستراتيجية للمقاومة، وأدى استهداف جميع السفن المتجهة إلى “إسرائيل” إلى تعطيل 12% من التجارة الدولية، ولم يفعل التحالف العسكري الأمريكي ضد اليمن في البحر الأحمر شيئا، ولم توقفهم الهجمات العنيفة التي شنتها الولايات المتحدة وإنجلترا على أراضي اليمن، ورد اليمنيون بإغراق سفينتين بريطانيتين، بل إن تطوراً آخر لأنصار الله استهدف سفينة أيزنهاور التي جاءت إلى البحر الأحمر لتهديد اليمن، وقد تلقت هذه السفينة العملاقة أمراً من البنتاغون بالعودة، ورداً على هجمات الكيان الصهيوني المتزايدة على غزة، تمت مهاجمة جميع السفن التابعة للكيان، ما أدى إلى تدمير وجه “إسرائيل” وأمريكا وداعميهما والتشكيك في أنهم لا يستطيعون الدفاع عن مصالحهم ضد اليمن، وفي المرحلة الرابعة، كان هجوم الطائرات دون طيار اليمنية في عمق الكيان الصهيوني وتوغلها في المناطق الحساسة والأمنية في إسرائيل”.

 

وتابع عبد السلام: “هذه الطائرة دون طيار استهدفت عمق تل أبيب ولم تتمكن أنظمة الدفاع الجوي لهذا الكيان من التعرف عليها وتدميرها، وبالنظر إلى موقف زعيم المعارضة الإسرائيلية من الرد على الهجوم على اليمن، فإن هذا الحدث قد حدث بالفعل، ولقد شدد يائير لابيد على أن انفجار تل أبيب يظهر أن الحكومة غير قادرة على توفير الأمن، وكتب رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، الجمعة 29 يوليو/تموز، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”: “إسقاط الطائرة دون طيار في تل أبيب دليل آخر على أن الحكومة لا تعرف ولا تستطيع توفير الأمن لمواطني إسرائيل”، وهذا يعني انتصار اليمن الجديد ومحور المقاومة ضد السعودية وأمريكا والكيان الصهيوني وداعميهما، ومن ناحية أخرى فإن هجوم كيان الاحتلال على ميناء الحديدة يظهر عجز الكيان الصهيوني، والهجمات التي أدت إلى تدمير البنية التحتية المدنية لميناء الحديدة واستشهاد وإصابة عدد من الافراد في صفوف الشعب اليمني تظهر الطبيعة العدوانية للكيان الإسرائيلي الذي يقتل الأطفال وأنه لا يملك القدرة على الدفاع عن نفسه”.

 

وفي الجزء الآخر من الحديث، وصف داود أحمد زاده السلوك السعودي المزدوج بأنه سبب تهديد صنعاء، وأضاف: “قبل بدء الحرب بين حماس وإسرائيل، تم التوصل إلى سلام مستقر نسبياً بين السعودية واليمن، ولقد قدم أنصار الله الكثير من الدعم لحماس ولكن السعودية كانت تتظاهر بأنها لم تتدخل كثيرا في حصار باب المندب، لكن خلف الكواليس كان هناك تبادل للمعلومات الأمنية وتنسيق على المستوى الكلي بين السعودية وأمريكا و”إسرائيل”، ولذلك فإن المعلومات السعودية عن الهجوم الجوي للكيان الصهيوني على ميناء الحديدة والمعلومات الأمنية التي قدمت للسعودية وأمريكا قبل العملية كانت سبباً في تلقي السعودية تهديدات من قبل زعيم أنصار الله في اليمن بالدفاع عن مصالحهم الوطنية، لأنه قبل ذلك، كان لدى أنصار الله القدرة على إلحاق أضرار جسيمة بالمناطق الاستراتيجية والمنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية عدة مرات”.

 

وشرح هذا المحلل لقضايا المنطقة العوامل المؤثرة في العلاقات بين صنعاء والرياض وقال: “أولا، إن تزايد قوة وقدرة أنصار الله هو متغير جديد ومؤثر في العلاقات بين صنعاء والرياض، والمتغير الآخر الذي قد يكون فعّالاً في خلق التوترات المتجددة هو الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبسبب انسحاب المرشح الديمقراطي جو بايدن وارتباك الجبهة الديمقراطية، زادت احتمالات وصول ترامب إلى السلطة بشكل كبير، و إن قرب السعودية من الأمريكيين يمكن أن يمنحهم الطمأنينة، وقد يتجنب ابن سلمان الوعود التي قطعها بإحلال السلام وتخفيف التوترات في المنطقة، ربما بعلاقات وثيقة وتلقي المساعدات والأسلحة من الولايات المتحدة، إلى جانب المزيد من السياسات الإقليمية للولايات المتحدة والعلاقات الوثيقة مع الكيان الصهيوني في ظل خطة إبراهيم للسلام، ولهذا فمن المحتمل أن تعود التوترات في العلاقات بين اليمن والمملكة العربية السعودية”.

 

وفي النهاية أشار أحمد زاده: “إذا أدت العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني إلى توترات جديدة في المنطقة، فإن أنصار الله لديها القدرة على ضرب مصالح السعودية في مكان آخر، بالإضافة إلى استمرارها في تقديم الدعم لحماس”.

المصدر: الوقت