الغزيون يتحدّون الحرب البيئية: زراعة منزلية… بما توافر

تُعدّ الزراعة في قطاع غزة شريان حياة بالنسبة إلى مئات آلاف السكان، الذين يعتمدون عليها كمصدر رئيسي للغذاء والدخل، إذ بلغت نسبة مساهمة القطاع الزراعي من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع، نحو 11% في عام 2022، وفقاً لتقرير صادر عن «الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني».

2024-07-27

بدأ الشاب بشار عوض (34 عاماً)، من مخيم جباليا، بزراعة بعض المحاصيل، من مثل البندورة والخيار والباذنجان، على سطح منزله، في محاولة لتحدّي سياسة التجويع التي يفرضها الاحتلال شمالي غزة، بعد تدمير معظم الأراضي الزراعية في القطاع. ولهذا الغرض، جلب عوض أحواضاً زراعية وضعها على سطح منزله، وزرعها ببذور بعض الخضر، والتي كانت لديه منذ آذار الماضي. يقول الشاب إنه «بعد أشهر عدة من رعاية الأشتال، استطعت جني أولى حبات البندورة والباذنجان والخيار من محصولي»، محقّقاً اكتفاءً ذاتياً. ويشير إلى أن تجربة الزراعة الذاتية انتشرت بين المواطنين كالنار في الهشيم، إذ بدأ هؤلاء يحتفظون ببذور بعض الخضر من أجل زراعتها على أسطح بيوتهم، أو في المساحات الخالية بين منازلهم المدمّرة.

 

ويفرض الاحتلال سياسة تجويع متعمّدة ضدّ سكان شمالي قطاع غزة، حيث يصعب العثور على الخضر، بما يجعل عائلة بأكملها تتقاسم حبة بندورة واحدة. أما بالنسبة إلى الجنوب، فتسمح “إسرائيل” بإدخال المحاصيل الزراعية بكميات ضئيلة، وهو ما يجعلها تُباع بأسعار باهظة جداً لنازحين لا يعملون. وأجبر هذا الواقع، مفيد المقيد، الذي يقيم في خيمة غربي مدينة دير البلح، على استغلال الأرض الفارغة التي لا تتجاوز مساحتها عدة أمتار بين خيمته والخيمة المجاورة له، في الزراعة. ويقول المقيد: «الأسواق في الجنوب تحتوي على أصناف غذائية عدة ولكنها باهظة الثمن، لذلك اتبعت الزراعة الذاتية»، ويضيف: «أزرع البقدونس والجرجير والكزبرة التي أحتاجها بشكل مستمرّ في إعداد الطعام، وأحياناً أبادلها بأصناف أخرى من الخضر يزرعها جيراني أمام خيمتهم».

 

وتُعدّ الزراعة في قطاع غزة شريان حياة بالنسبة إلى مئات آلاف السكان، الذين يعتمدون عليها كمصدر رئيسي للغذاء والدخل، إذ بلغت نسبة مساهمة القطاع الزراعي من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع، نحو 11% في عام 2022، وفقاً لتقرير صادر عن «الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني». كما تشكّل الأراضي الزراعية حوالى 151 كيلومتراً مربعاً من غزة، أي ما يعادل نحو 41% من مساحتها. ولكن الاحتلال اتّخذ، في حربه المتواصلة على القطاع، من تدمير البنية التحتية الزراعية، سلاحاً لضرب مصادر الحياة فيه. وبحسب تقرير صادر عن «المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، فإنّ القوات الإسرائيلية دمّرت أكثر من 75% من مساحة الأراضي الزراعية، فيما ما تبقّى من مساحات مخصّصة للزراعة محدود جداً، إذ إن غالبيتها في منطقة المواصي غربي خانيونس جنوبي القطاع، والتي باتت هذه الأيام تؤوي مئات آلاف النازحين.

 

وكانت «منظمة الصحة العالمية» حذّرت من أن كثيرين من سكان القطاع يتعرّضون «لمستوى كارثي من الجوع وظروف شبيهة بالمجاعة».
وشكّل صمود الغزّيين وتحدّيهم سياسة التجويع، عبر الزراعة المنزلية، مفاجأة صادمة ل”إسرائيل”، التي كانت تتوقّع أن تدفع سياستها إلى نزوح المزيد من سكان الشمال إلى الجنوب. ولهذا، قرّر جيش الاحتلال مواجهة ظاهرة الزراعة المنزلية، عبر منع إدخال غاز الطهي بشكل كامل إلى الشمال، وتقنين وصوله إلى النازحين في الجنوب، وهو إجراء أجبر الفلسطينيين على اللجوء إلى خيارات صعبة من أجل طهي محاصيلهم الزراعية، منها اقتلاع الأشجار المعمرة وقطعها. واضطرّ محمد عبد الكريم (32 عاماً)، من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، إلى قطع شجرة كينا زرعها جدّه قبل 60 عاماً أمام منزلهم. ويقول الشاب، لـ«الأخبار»: «كانت هذه الشجرة توفّر لنا الظلّ، فكنت وعائلتي نجلس أسفلها ونتسامر لساعات طويلة. ولكن، للأسف أجبرنا على قطعها لتوفير الحطب لطهي طعامنا»، موضحاً أن ثمن كيلو الحطب أصبح خمسة شواكل (دولار ونصف دولار)، بعدما كان شيكلاً واحداً فقط (0.36 دولار) قبل الحرب.

 

كذلك، ابتكر الفلسطينيون بدائل من أفران ومواقد الغاز لطهي طعامهم، من مثل فرن الطابون الذي يُصنع باستخدام الطين ويعتمد على الحطب في إشعال النار. وتصنع المسنّة، سعدية البحيصي، من دير البلح، نحو عشرة أفران طابون يوميّاً، تبيعها للنازحين. وتقول البحيصي إن «عدم توافر غاز الطهي، أعاد أفران الطابون التراثية إلى الحياة مجدّداً»، مبينةً أن هذه الأفران ساعدت بشكل كبير في التخفيف من مشكلة انقطاع غاز الطهي، لكنها زادت أيضاً من توجه الناس إلى قطع الأشجار المعمّرة للحصول على الحطب.

 

المصدر: الاخبار