ماذا يقول الإسلام عن عمل الأطفال؟

لا يجوز لوليّ الطفل أن يتصرّف في نفسه أو في ماله أو في شؤونه المتصلة به بما لا يكون مصلحة له، أو بما يكون مفسدة

2023-01-13

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

ليست هناك في الفقه الإسلامي نصوص تفصيلية محددة تعالج عمل الأطفال، ولكن يمكن أن نستوحي ذلك أو ما هو أوسع من ذلك، من خلال معنى الولاية للأطفال، لأنّ الطفل لا بدّ أن يكون له وليّ، إمّا الأب، أو الجدّ للأب، أو الوصيّ من قِبَل الأب والجدّ، أو الحاكم الشّرعيّ إذا فقد هؤلاء.

والولاية في تصرّف الوليّ في شؤون مشروطة بما يعبّر عنه في الفقه بـ(الغبطة)، أي بالمصلحة، فلا يجوز لوليّ الطفل أن يتصرّف في نفسه أو في ماله أو في شؤونه المتصلة به بما لا يكون مصلحة له، أو بما يكون مفسدة.

ومن خلال هذا الجانب، لا نستطيع أن نعطي حكماً كليّاً بأنّه لا يجوز عمل الأطفال، كما أننا لا نستطيع أن نأخذ حرّيتنا في عمل الأطفال فنجيزه على الإطلاق، بل لا بدّ أن ندرس المسألة من خلال مصلحة الطفل، فمثلاً، قد تكون العائلة في بعض الحالات في وضع اقتصاديّ صعب، وليس هناك ضمان تربويّ أو اجتماعيّ أو صحيّ، وليست هناك ظروف يمكن للحاكم الشّرعي من خلالها الإشراف على تعليم الطفل وتنشئته العلميّة وغيرها، كما في الكثير من بلدان العالم الثّالث التي لا تتمتّع بالضمان الاجتماعي، ففي هذه الحال، يدور أمر العائلة بين أن تموت هي أو يموت الطفل أو يشتغل بما يتناسب مع طاقته، فلا يجوز لنا أن نحمّله ـ تحت أيّ اعتبار ـ ما يضرّ عقله أو بدنه أو ما يرهقه إرهاقاً كبيراً.

أما في التفاصيل، فلا بدّ أن يكون العمل غير مرهق للطفل عقلياً وبدنياً، فلا نستطيع القول إنّ العمل يحرم على الطّفل، لكن يمكن للمجتمع أن يقوم من خلال هيئات شعبية، أو يمكن للحكم الذي يسيطر على المجتمع، أن ينظّم ضماناً للأطفال، بحيث يمكن أن يتعلموا حتى يبلغوا المستوى الجيّد، سواء كان العلم نظرياً أو عملياً، فإذا وصلنا إلى مستوى من الضّمان الاجتماعي من حيث مجانية التعليم وإمكانيته لكل الأطفال، كما يتكفّل هذا الضمان بالفقراء أيضاً، عند ذلك نحرّم ـ بالعنوان الثانوي ـ عمل الأطفال، لدوران الأمر بين أن يكون الأطفال أميّين جاهلين بدون عمل، وبين أن نعلّمهم في ظروف تجعلهم أشخاصاً نافعين في المجتمع.

فلا بدّ من دراسة هذه الأمور ميدانياً، أي لا يمكن أن نعطي بحسب الفقه الإسلامي، خطاً تفصيلياً في ذلك، وإنما نرسم خطوطاً عامّة فقط، لأنه لا بدّ من دراسة الظروف المحيطة بالطفل وبأهله وواقعه.