في أعمال عصام بدر...

متعة الإنغماس في تشكيلات الخطوط العربية

كان عصام بدر من المؤسسين الأوائل لرابطة الفنانين التشكيليين في الضفة والقطاع.

2023-01-13

كان الغياب السريع لجيلٍ من التشكيليين المؤسسين للفن الفلسطيني الحديث ملحوظاً. أولئك الذين لم تَجرِ دراسة أعمالهم أو الإحاطة بها والرجوع إليها، خصوصاً مَن عاشوا في مخيمات اللجوء، مثل إبراهيم غنام وتوفيق عبدالعال، أو من عاشوا الاحتلال في الوطن وكان الفن لهم أداة مقاومة للحفاظ على الذاكرة والشخصية الوطنية المستقلة، وهو ما عرضهم لخوض سلسلةٍ من التحديات المتواصلة في زمنٍ قاسٍ، وأخصّ بالذكر من بينهم الفنان عصام بدر.

كان عصام بدر من المؤسسين الأوائل لرابطة الفنانين التشكيليين في الضفة والقطاع، التي قامت بدورٍ مؤثرٍ في تجميع الفنانين وتنسيق جهودهم في أثناء الانتفاضة الأولى، كما عملت على تنظيم معارض مشتركة بينهم في أماكن متعددة من الوطن، وقامت كذلك بتدريب جيلٍ من الأطفال والشبان على الأعمال الفنية، وهو ما يشير إلى وعي الفنان بأهمية العمل الجماعي وإحساسه بضرورة بلورة ثقافةٍ فنيةٍ تطول الجميع.

الفن والاحتلال

استخدم الفنان بدر الرموز الشعبية بمحتوى حداثي. فقد عمل في زمن الاحتلال حين غابت عن المجتمع ثقافة الاستمتاع بالفن، بل صار من الصعب العيش فيه وسط الملاحقات والتفتيشات العنيفة. كانت المشاكل المركبة تكاد تُغرق المجتمع بطوفانٍ من الأزمات المعيشية والحياتية، التي قضت على الإحساس بالنبض الجمالي، ودفعت به إلى خلفية الأشياء. وكان البقاء وإيجاد العمل في ظل احتلالٍ لا يرحم هاجسَينِ لأُسر كثيرة لا تعرف كيف تُعيل أطفالها. هكذا اضطرت أعداد كبيرة من الفلسطينيين للشغل كعمالٍ في ظل الاحتلال، وصار الطموح الفني يختفي من الحياة العامة شيئاً فشيئاً بسبب ضرورات الحياة، وصعوبة تحصيل لقمة العيش.

وبينما ظهر في البداية متجهاً إلى الرسم الزيتي في مرحلة الانتفاضة الأولى التي عاصرها، اتجه بعدها إلى دمج الخزف داخل اللوحة التشكيلية ذاتها، وصار يرسم بالخزف تشكيلاته المفضلة التي تصنع من كل لوحةٍ لحناً شرقيّاً مخطوطاً بالانحناءات المشرقية والحروف العربية والقباب والخرائط التي تؤشر إلى الأرض دائماً. كان مهتمّاً بإبراز الأرض في لوحاته وجدارياته التالية، فصوّرها طبقاتٍ طبقات، بحيث يفصل اللون ما يحدث تحت كلٍّ منها. وكان المثير أنه يستطيع استخدام البني والبيج بتذريتهما إلى عناصر صغيرة تُكوِّن ما هو أقرب إلى تراب بهيج اللون، حتى إنه كان يرصد حمائم وثمار فاكهة وتمائم وحروزاً في زوايا أعماله. كانت أعماله تشير إلى أنه يؤكد خاصيةَ جمال الأرض والطبيعة في المحيط الذي نعيشه، ولكن بأسلوبه المتقشف الخاص. وظهرت رموز الأرض هذه جليةً في جدارياته الملونة التي أقامها بعد عام 1997م في مدينة رام الله.

جدارية الانتفاضة

كانت الأرض موضوعه المفضل، إلا أنه تناولها بشكلٍ مختلفٍ في الانتفاضة الأولى، ذلك أنه كان من أوائل الفنانين الذين عملوا على رصد الاحتلال وتبيان وجوده البشع في حياة الفلسطينيين، وكانت قد اشتهرت له لوحة في وقت ما، وعلى نطاقٍ شعبيٍّ ترسم حصاناً متمرداً يعصي الكائن الذي يحاول أن يلجمه ويسوقه حسب هواه. ولهذا، لم يجد عصام خيراً من التعبير عن الانتفاضة الأولى عبر الأشكال الخزفية التي جعلها تتواصل بطريقتها الخاصة في جداريته الأولى التي أُقيمت على جدار بلدية رام الله.

لم يتوقف الفنان حتى ساعة رحيله المبكر عن الحلم بأن تنتشر الجداريات في كل الأمكنة العامة في فلسطين، حتى إن غرفته في قسم الإنعاش في مستشفى رام الله كانت تنفتح على جداريةٍ له صنعها هناك، قبل أن يخطر له أنه سيكون أحد ضيوف ذلك المكان يوماً. جداريةٌ أراد أن يرسم فيها خلاصة الجمال والحياة الكريمة التي كان يتمناها له ولشعبه.

 

المصدر: الوفاق/ وكالات