العدو زائل مهما قتل من القادة

من رحم الأرض خرجوا. التحفوا السماء وبشوق يحدوه الأمل على طريق القدس ساروا. منذ الطلقات الأولى يمموا وجوههم نحو فلسطين فكانت القدس غاية آمالهم يوم كانوا قلة تقارع الجبابرة وتكسر بعيونها "المخرز" لتقهر المستحيل وتستنهض أمة كاملة مثقلة بهزائم أنظمتها واستسلامها. 

2024-08-03

 

العماد والبدر والفؤاد والعزيز والنصر والجواد، قادة النصر والتحرير، بجهادهم سيجوا حدود الوطن، وأذاقوا العدوّ طعم الهزيمة. منذ أول منازلة في خلدة ولأكثر من أربعين عامًا برزوا في شتّى الميادين وكانوا أسيادها. قضوا ريحانة أعمارهم وشبابهم يمتشقون السلاح، يتنقلون من ساح إلى ساح، حتّى غزاهم الشيب الذي خضّبته دماؤهم وشعارهم دومًا “هيهات منا الذلة”.

 

في زمانهم لبوا نداء الامام الحسين (ع) “ألا من ناصر ينصرنا”، لم يبخلوا بأرواحهم ودمائهم وبأغلى ما عندهم لبعث المقاومة في أمة ميتة. فما هانوا ولا وهنوا. حتمًا كانوا يعلمون أن النصر حليفهم وأن خاتمتهم مسك الشهادة، فما برحوا وما تركوا السلاح برهة. مذ سلكوا درب المقاومة ونهجها حتّى اعتلوا قافلة الشهادة فرحلوا لكن طيفهم ما رحل، فقد تركوا خلفهم آلافًا مؤلفة لتكمل المسير. رحلوا مطمئنين متيقنين أن ما أعدوه وخططوا وجاهدوا في سبيله بات قاب قوسين أو أدنى، وأن الطوفان الجارف الهادر منذ تشرين 2023 إلى يومنا هذا مصداق فعلهم وشهادتهم التي تهز عرش الكيان الغاصب الذي سيبقى على صفيح ساخن يترقب بخشية ما حضروه له وما بنوه من قدرات لمواجهته.

 

قادة الشهادة ذخيرة المقاومة. لقد أرّقوا جيش الاحتلال في حياتهم، وفي شهادتهم أرعبوه، فما نال غاياته بغدره ولا نال من عزيمتهم، فأبناؤهم وأجيال النصر وأجيال القادة التي خرجوها على أيديهم أهلوها لتخلفهم وتكمل المسير كما رسموه، فما استطاع العدوّ بهذا الاغتيال إزاحتهم أو تعطيل مسارهم، ففي كلّ  مرة لجأ فيها إلى اغتيال قائد  لتعطيل مسار المقاومة وإرباكها كانت تخرج أقوى وأشد عودًا ولا تمهل العدوّ ليلتقط أنفاسه. ذاك ما حصل أمس حين بادر خريجو الشهيد القائد الحاج محسن شكر بالرد على مجزرة شمع. فهل فهم العدوّ أن كلّ ما يقوم به من اغتيالات لقادة المقاومة لا يغير المعادلات ولا يفت من عضد المقاومين بل يقويهم ويبقي أيديهم على الزناد؟

 

أمة قادتها شهداء على طريق القدس في جبهة الإسناد نصرة لإخوانهم في غزّة كيف يقدر عليها أعداء البشرية وهي التي ترسم بدمائها آفاق الحاضر والآتي وهي تخرّج الأجيال وتخرِج العرب والمسلمين من قعر الهزيمة إلى قمم النصر الشامخة وتقهر جيشًا قيل إنه لا يقهر فإذا به أمامهم يتقهقر ويندحر حتّى يتقوقع خلف جدران إسمنتية ومنظومات تكنولوجية دون أن يؤمّن جنوده ومستوطنيه الذين يصرخون يوميًّا.

 

أمة قادتها شهداء وأبناء قادتها شهداء لن تعرف طعم الهزيمة. فمهما حاول الأعداء وهربوا من مبارزة الميدان إلى الغدر والاغتيال سيخيبون كما خابوا على الدوام، فعود المقاومة صلب تغذيه دماء الشهداء الزكية وآهات الجرحى التي بنت بيئة مقاومة وثقافة مقاومة لا يمحو ذكرها قتل قادتها وهي الثائرة السائرة على خط الإمام الحسين عليه السلام. فهل يستوعب العدوّ أن ما يدعيه من إنجازات ليس سوى هزائم وأنه يواجه أمة دماء شهدائها القادة تثمر انتصارات وتحريرًا وستزيله من الوجود حتمًا.

 

المصدر: علي عوبانى/ العهد