الطالب المقاوم.. ودوره في تحقيق النصر في الميدان

خاص الوفاق: قصة الطالب المقاوم هي شهادة على قدرة الإنسان على التغلب على أصعب الظروف والتحديات. هؤلاء الطلاب يمثلون الأمل في المستقبل ويظهرون أن الصعاب يمكن تجاوزها بالإرادة القوية والعزيمة والإيمان بالهدف

د. رُلى كامل فرحات

 

في زمن تتقلب فيه الظروف وتكتنفه الأزمات، وفي عالم يكتنفه الصراع وتضطرم فيه ألسنة النزاعات، وتشتدد فيه الحروب تحت حجج واهية “القضاء على الإرهاب”، يبرز الطالب المقاوم كرمز للأمل والصمود. إن الطالب المقاوم ليس فقط من يواجه التحديات التعليمية، بل هو أيضاً من يلعب دوراً فعالاً في بناء وطنه وإعادة بنائه، والتقدم نحو النصر الحقيقي. من خلال التزامه بالتعليم ومشاركته في أنشطة نضالية، يصبح الطالب المقاوم جزءاً أساسياً في تحقيق النصر على كافة الأصعدة. فهو ذلك الطالب الذي يسعى بكل جهده لتحقيق أهدافه التعليمية رغم الظروف المحيطة به من نزاعات، قصف، وقتل وأزمات إنسانية ويَتم و…. فنجده يذهب إلى مدرسته أو معهده أو جامعته حاملاً أمله في يده اليمنى متمسكاً ثابتاً في تحقيق هدفه بنجاح وتفوق، مُدركاً أن العلم هو المفتاح لتحسين حياته وحياة مجتمعه، ودمه على كفه اليسرى حيث لا يعلم متى سيرتقي شهيداً إلى جنان الخلد.

 

الطالب المقاوم يواجه واقعاً يومياً مليئاً بالتحديات. حيث أنّ المدارس التي يرتادها غير مجهزة بشكل كافٍ، فلا توجد الملاجئ الحامية والآمنة، ناهيك عن أن الوصول إلى الموارد التعليمية أمراً صعباً أحياناً إذ تكون الصروح التعليميّة مدمرة أو قد تعاني من نقص حاد في الأثاث والمعدات، مما يؤثر على جودة التعليم المقدّم. هذا بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي تجعل التنقل والوصول إلى المدارس أمراً محفوفاً بالمخاطر ، وكم من طفل أو طالب أو أستاذ قد أصيب بجروح أو استشهد وهو في طريقه إلى المدرسة أو حتى في داخلها. لأننا بالطبع نواجه عدواً بحروب متكررة وإعتداءات وخروقات متكررة للإتفاقيات حيث لا ينثني عن قتل المدنيين العزّل والأطفال لأنّه بعيد كل البعد عن المواثيق الدوليّة التي تُحيّد المدنيين وتحمي الأطفال…

 

 

القانون الدولي الذي يحمي الأطفال والمدنيين أثناء الحرب يتضمن عدة معاهدات واتفاقيات دولية. النصوص الأساسية تشمل اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977.

 

إتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب:

 

المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع:

 

تحدد المادة 3 المعاملة الإنسانية الأساسية التي يجب أن تُمنح للأشخاص غير المشاركين بشكل مباشر في الأعمال العدائية، بما في ذلك المدنيين والأطفال.

 

المادة 27:

“يجب حماية الأشخاص المدنيين واحترامهم في جميع الأوقات، ويجب معاملتهم معاملة إنسانية، بدون أي تمييز ضار يستند إلى العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل.”

 

المادة 28:

“لا يجوز استخدام المدنيين كدروع بشرية.”

البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977:

المادة 48:

“يجب على الأطراف المتنازعة التمييز في جميع الأوقات بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية.”

المادة 51 (حماية السكان المدنيين):

  1. يتمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة ضد المخاطر الناجمة عن العمليات العسكرية.
  2. لا يجوز أن يكون السكان المدنيون هدفًا للهجوم.

المادة 77 (حماية الأطفال):

  1. يجب أن يتمتع الأطفال بالحماية والرعاية الخاصة التي تتطلبها حالتهم كأطفال.
  2. يجب أن تُتخذ جميع الإجراءات الممكنة لضمان عدم مشاركة الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشرة بصورة مباشرة في الأعمال العدائية.

 

إتفاقية حقوق الطفل لعام 1989:

المادة 38:

  1. تتعهد الدول الأطراف باحترام قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في النزاعات المسلحة والتي توفر حماية للأطفال.
  2. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة لضمان عدم اشتراك الأشخاص الذين لم يبلغوا سن الخامسة عشرة في الأعمال الحربية.

 

النصوص أعلاه هي جزء من الإطار القانوني الذي يهدف إلى حماية الأطفال والمدنيين أثناء النزاعات المسلحة، ويجب على جميع الأطراف المتحاربة الالتزام بها لضمان احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني الذي لم يلتزم به العدو الصّهيوني يومًا ولم تردعه عن إجرامه وثيقة أو قانون.

 

 

يوميات الطالب خلال الحرب على خط النّار

 

في ظل الحروب والنزاعات المسلحة، تصبح حياة الطالب الذي يعيش على خط النار مليئة بالتحديات والمخاطر اليومية. وهي قصة صمود وإرادة قوية في مواجهة الظروف المستحيلة. رغم القصف والخطر المستمر، يظل متمسكاً بهدفه في التعليم والتفوق. يمثل هؤلاء الطلاب أملاً للمستقبل، وشهادة على قدرة الإنسان للتغلب على أصعب الظروف بروح الإصرار والعزيمة.

 

سنحاول وصف يوم من حياته، والذي يعكس صمود الطلاب المقاومين في مواجهة الظروف الصعبة:

 

في الصباح ومع بزوغ الفجر، يستيقظ الطالب على صوت القصف والانفجارات التي تملأ الأجواء. يبدأ يومه بمحاولة التأكد من سلامة أسرته وأحبائه. رغم المخاطر، يستعد للذهاب إلى المدرسة أو الجامعة. يرتدي ملابسه بسرعة، ويحمل حقيبته التي تحتوي على الكتب والدفاتر، ويخرج إلى الطريق الذي قد يكون محفوفاً بالمخاطر بعد أن يقوم بتوديع أمه ومن موجود من أفراد أسرته لأنه لا يعرف إذا كان سيجتمع بهم مجدداً.

 

يكون الطريق إلى المدرسة محفوفاً بالمخاطر، فيتنقل الطالب بين الأزقة والشوارع المحطمة، محاولاً تجنب المناطق التي تتعرض للقصف، (حيث يمكن أن يتعرض للقصف في أي لحظة)، ومع ذلك، يصر الطالب المقاوم على الوصول إلى وجهته، مؤمناً بأن التعليم هو السلاح الأقوى في يده، فنحن شعب نُحارب بالرصاص، رصاص البندقية والكلمة.

 

عند وصوله إلى المدرسة، أحياناً يجد الطالب أن هناك نقصاً في عدد زملائه، فقد تسببت الحرب في نزوح بعضهم أو فقدانهم، فيحل على مقاعدهم صورا وورداً وقليلا من بخور يُحدّث بدخانه أنّنا لا ولم نترك الأرض. يجلس في الصف ويحاول التركيز على الدروس، رغم أصوات القصف والرصاص التي تتردد في الخلفية. المعلمون يبذلون جهوداً كبيرة لتقديم الدروس في ظل الظروف الصعبة، ويحاولون تشجيع الطلاب على الإستمرار والتفوق متحديين بذلك ليس فقط الحرب الميدانية بل الحرب النفسيّة الذي لطالما اتبعها العدو الصهيوني في جنوب لبنان وفي غزة والتي لا تزيد الشعب الصامد إلا صبراً وعزيمة وإيماناً بأن الأرض لنا.

 

خلال استراحة الغداء، يجتمع الطالب مع أصدقائه في ساحة المدرسة أو داخل الصفوف إذا كان الوضع الأمني غير مستقر. يتبادلون الأحاديث عن حياتهم اليومية وعن أحلامهم المستقبلية. رغم الصعوبات، يحاولون إيجاد لحظات من الفرح والضحك لتعزيز روحهم المعنوية ولتجديد العهد على الاستمرار بالنضال والصمود وتحقيق الأهداف إكراماً لأرواح الشهداء ويوصون بعضهم البعض في الإستمرار وعدم التراجع.

 

بعد انتهاء اليوم الدراسي، يعود الطالب إلى منزله بحذر، متجنباً المناطق الخطرة. عند وصوله إلى المنزل، يساعد أسرته في الأعمال المنزلية وقد يشارك في توفير الاحتياجات الأساسية للعائلة في ظل الظروف القاسية. كما قد يساعد في أعمال الإغاثة المحلية، مثل توزيع المواد الغذائية أو توفير المساعدة للجرحى. بالطبع تتوزع المهام بحسب عمر هذا الطالب وقدراته.

 

في المساء، يحاول الطالب تخصيص بعض الوقت لمراجعة دروسه وإنجاز واجباته المدرسية، رغم انقطاع الكهرباء وانعدام الخدمات الأساسية. يستخدم الشموع أو المصابيح التي تعمل بالبطاريات للإضاءة، ويستعين بالكتب الورقية أو المواد الدراسية المخزنة على هاتفه المحمول، يضع نصب عينيه تحقيق الأهداف في الميدان (النجاح والنصر).

 

مع حلول الليل، يحاول الطالب النوم على أمل أن يكون اليوم التالي أكثر أماناً، مع وعيه الكامل بأن المستقبل يحمل المزيد من التحديات، بعد أن يكون قد تابع التطورات وآخر ما وصله من أخبار وناقشها مع أسرته وأصدقائه واطمأن على سلامة الأصدقاء والأقارب في أماكن أخرى.

 

الطالب الذي يعيش في مثل هذه الظروف يواجه ضغوطاً نفسية كبيرة. قد يعاني من القلق والتوتر المستمرين نتيجة للأحداث التي يشهدها يومياً. ومع ذلك، يجد القوة في طموحاته وأحلامه، وفي دعم أسرته وأصدقائه.

 

يشارك في حملات توعية في منطقته، ويكرس وقته لدعم حملات حقوق الإنسان والمساعدة في التوعية القانونية والنفسية والطبية خاصة في ظل إستخدام العدو الصهيوني لأسلحة محرّمة دولياً (فوسفور أبيض حارق ويسبب الأمراض والسرطانات المختلفة بالإضافة إلى القنابل العنقودية والإنشطارية والكيميائية أحياناً كثيرة). يساعد في تنظيم ورش عمل ومحاضرات لمجتمعه، مما يعزز من دوره كمحارب في مجال العلم والنضال ، مصراً على الحفاظ على الروح الإيجابية والتفاؤل بمستقبل أفضل ، مؤمناً بقضيته وبأنّه يستحق الحياة لذلك هو لا يهرب بل يواجه.

 

بعض الطلاب، بالإضافة إلى التزامهم بالدراسة، لهم جانب نضالي هام، فهم يشاركون في أعمال الدفاع المدني والفرق الطبية التطوعية لمساعدة المرضى وتقديم الرعاية الصحية للمحتاجين في مناطقهم ، وقد يساعدون في إخلاء المدنيين من المناطق الخطرة أو تقديم الإسعافات الأولية للجرحى. هذا النوع من الأنشطة يعزز من إحساسهم بالمسؤولية والتضامن مع مجتمعهم ويُظهر مقدار تعلّق الطالب بأرضه على اختلاف عمره ودرجة ثقافته ومستواه المعيشي. فيحرصون على إظهار التوازن بين مسؤولياتهم الدراسية والنضالية، مما يتطلب منهم جهداً كبيراً وصبراً.

 

 

التزام الطالب المقاوم بالتعليم

 

الإلتزام بالتعليم هو سمة بارزة للطالب المقاوم. فيواجه التحديات والصعوبات، ويبقى الهدف الرئيسي هو تحقيق النجاح الأكاديمي وإنهاء تخصصه وتحصيل أعلى ما يستطيع في مجال العلوم والتكنولوجيا. فيحرص على حضور المحاضرات، وإتمام الواجبات الدراسية، واستثمار كل فرصة للتعلم. قد يتعين عليه أحياناً الدراسة في ظل ظروف صعبة، مثل عدم وجود إضاءة كافية أو اضطراره للنزوح إلى قرى أخرى أو مناطق أخرى حاملاً معه ما تيسّر من كتب ومستلزمات دراسة وأحياناً تكون الغارة الحربية أسرع فيترك كل ما يخصه مختلطاً بغبار الدمار… وهذا لا يزيده إلّا إخلاصاً لهدفه وإصراراً على تحقيقه.

 

 

تأثير الحرب على التعليم

 

إلى جانب التحديات التي يواجهها الطالب المقاوم في ظروف النزاع، هناك عقبات أخرى مثل نقص الموارد التعليمية و صعوبة الوصول إلى المدارس. فالحرب تؤثر بشكل كبير على النظام التعليمي. والمدارس التي قد تتعرض للقصف أو التحطيم، والموارد التعليمية قد تكون شحيحة ، فيجد الطلاب أنفسهم مضطرين للبحث عن حلول بديلة لإكمال دراستهم، لذلك يسعون وعبر تقنيات التعلم عبر الإنترنت والكتب الإلكترونية لإيجاد الحلول لتكملة تعليمهم. إذ أنّ التكنولوجيا تلعب دوراً كبيراً في دعم التعليم تحت الظروف الصعبة ، و استخدام الإنترنت وتطبيقات التعلم عبر الهواتف المحمولة يوفر للطلاب المقاومين فرصة للوصول إلى المعلومات والدروس حتى في ظل انقطاع الكهرباء أو تدمير المدارس، من خلال منصات التعليم الإلكتروني، الدروس عبر الفيديو، والمكتبات الرقمية التي تقدم بديلاً مهماً للموارد التقليدية. فيجد الطالب المقاوم حلولاً مبتكرة للتغلب على الصعوبات التي يواجهها فتُعزّز التكنولوجيا عندهم ملكة الإبتكار لإيجاد حلٍّ ما أو لإختراع أداة تساعدهم في تحقيق هذا الهدف وغيره. وكم شهيد ارتقى وعلمنا حينها تخصصه في الالكترونيات والجزيئات والكيمياء والفيزياء والهندسة الرياضية والإتصالات بل هو مبتكر كذا وكذا .. وهنا تكمن عظمة شهدائنا الذين رغم الحصار والحروب هم أبطال حقيقيون.

 

من جانب آخر، الطلاب الذين ينجون من الصراع قد يعانون من صدمات نفسية أو بعض من اضطرابات القلق والخوف التي قد تؤثر على قدراتهم على التركيز والدراسة. هذا الأثر النفسي لا يقتصر فقط على الأطفال، بل يمتد ليشمل أسرهم أيضاً، مما يزيد من تعقيد الوضع التعليمي. ولكن كل هذا لا يُعيق مسيرة الطالب أو يُثنيه عن هدفه. نعم يتعب ويبكي ويصرخ، لكنه يستمر متمسكاً بعقيدته وبحقه بأرضه وعلمه..

 

 

دور المجتمع في دعم الطالب المقاوم

 

يلعب المجتمع المحيط بالطالب المقاوم دوراً أساسياً في دعمه. العائلات، المعلمون، والمنظمات غير الحكومية والمحلية وبعض التحركات الشعبية التي تنشأ من رحم المعاناة والنوادي الشبابية المختلفة، يتعاونون لتوفير الموارد الضرورية والبيئة التعليمية المناسبة. فيقومون بحملات لجمع التبرعات وتوفير المعدات الدراسية وإعادة إعمار أو ترميم أجزاء من المدارس والمعاهد.. كما ونجد الكثير من المبادرات المميزة والمشاريع سواء كانت من منظمات غير حكومية أو محلية تهدف إلى توفير أحياناً فصولاً دراسية تعويضيّة ومخيمات ترفيهية للأطفال أثناء الحرب في أماكن النّزوح. هذه المبادرات تساعد الطلاب المقاومين على التغلب على العقبات التي يواجهونها وتوفر لهم بيئة تعليمية أفضل.

 

كما ونركّز دائماً على الجهود المبذولة من قبل المؤسسات والجمعيات أو الأفراد في توفير الدعم النفسي والمساندة من خلال توفير أخصائيين يُواكبون الناس بشكل عام والأطفال / الطلاب بشكل خاص على التقليل من نوبات الهلع وتعزيز ثقتهم بنفسهم رغم الألم لتجنبهم الوقوع بين أنياب الإضطرابات النفسية أو براثن الأمراض النفسية…. وهذا كله يُسهم في مساعدة الطلاب على مواصلة تعليمهم.

 

 

تأثير الطالب المقاوم على المجتمع

 

الطلاب المقاومون لا يؤثرون فقط على أنفسهم، بل يتركون بصمة إيجابية على المجتمع بأسره. والمدارس والجامعات التي تضم طلاباً مقاومين تصبح مراكز إشعاع للعلم والنضال، حيث تقدم نموذجاً يحتذى به في الإصرار والتفاني.

 

بالإضافة إلى جهودهم التعليمية والنضالية، يساهم الطلاب المقاومون في بناء مجتمعاتهم من خلال المشاركة في المشاريع الإجتماعية والإغاثية والترفيهية والتعليمية والتثقيفية والفنية. ينظمون حملات لجمع التبرعات، ويساهمون في الأعمال التطوعية مثل تنظيف المدارس والمستشفيات والشواطئ. من خلال هذه الأنشطة، يثبتون قدرتهم على التأثير الإيجابي في مجتمعاتهم ويعززّون من قيم التعاون والتضامن ويكونون دائما مثالا يُحتذى به في الأخلاق والتربيّة العقائديّة التي وإن كانت في كثير من الأحيان تنبثق من عقيدة دينيّة إلّأ أنّه يحكمها “الله” في مبدأ “الأرض حق لجميع أبنائها بغض النّظر عن معتقدهم الديني أو سجلهم المذهبي”.

 

هؤلاء الطلاب خاصة الشباب الزملاء الذين نسمع خبر استشهادهم ونحن لا نعرفهم إلّا طالبي علم على مقاعد الدراسة، فنُدرك حجم التضحية حيث يُقدمون أرواحهم قرابين على مذبح الوطن لنعيش نحن بأمن وأمان بكرامة يدفعون ثمنها دم، تجد قصصهم طريقها إلى الأدب والفن، حيث يعبر الكتّاب والفنانون بالمقالات والروايات والقصائد والمسرحيات والأفلام الوثائقيّة ويسلّطون الضوء على نضالهم وتكرّم تضحيات هؤلاء الطلاب وشجاعتهم وتضحياتهم وتُظهر أنّ العزيمة لا بد لها أن تُحقق المعجزات وأنّ في النضال المستمر لا بد من النصر. كما وتتشرف مؤلفاتنا المتواضعة بذكر أعمالهم والتزاماتهم وقصص بطولاتهم وحتى ضحكاتهم التي مازالت ترسم الأمل.

 

كما وأن هذه الأعمال الفنية تعزز من الوعي بقضايا الطلاب المقاومين وتُظهر للطلاب الآخرين بأنّهم قادون على السعي والإجتهاد في تحصيل علومهم، فيخجلون من تسربهم المدرسي واستهتارهم أحياناً، وتحثهم على الدرس لأنّه الأساس بالإنتصار. كما وأنّ قصص الطلاب المقاومين تُظهر للعالم أنّ من يُقاوم ويحمي الأرض هو إبنها الذي نشأ وترعرع فيها، وآلة الحرب هذه تقتل أخاه أو أباه أو جاره أو قريبه، تحرق زيتونه وتُدمّر بيته وتمحو ذكرياته. هذا الطالب المقاوم هو صاحب الأرض وليس مرتزقة، وُلد من ترابها وشرب من مائها ولعب في حقولها وعلى بيادرها وسيعود إليها يوماً مخضباً بدمه أو رافعاً راية النصر.

 

إنّ تجارب الطلاب المقاومين ليست خاصّة فقط في طلّاب لبنان ومنطقة جبل عامل أو غزّة وفلسطين المحتلة، بل هي تجارب ينقلها الآخرون فتلهمهم لإيجاد حلولً لمعاناتهم وللتغلب على التحديات التي يواجهونها بمعزل عن موقعهم الجغرافي.

 

وهكذا تكون المقاومة في العلم والأرض، ليست مجرد تصدّي للظروف الصّعبة، بل هي تجسيد لقيم حضاريّة تتوارثها الأجيال وتحرص على تناقل قصص الأبطال المقاومين في تلك الثورة أو هذه الحرب. فالحديث عن النضال من أجل التّعليم يتداخل مع النضال من أجل تحرير الأوطان والمحافظة على إستقلالها، حيث أنّ العلم والمقاومة خطّان متحدان من أجل هدف واحد ولا يتعارضان لأن الوطن هو فكر حر.

 

قصة الطالب المقاوم هي شهادة على قدرة الإنسان على التغلب على أصعب الظروف والتحديات. هؤلاء الطلاب يمثلون الأمل في المستقبل ويظهرون أن الصعاب يمكن تجاوزها بالإرادة القوية والعزيمة والإيمان بالهدف. يجمعون بين حب العلم وحب الوطن، وبين الإجتهاد والتضحية، ويشكلون رمزاً للصمود والتحدي في سبيل مستقبل أفضل.

 

تحيّة إجلال وتقدير وإحترام إلى كل طالب يُجاهد في ميدان العلم وفي ميدان الحرب ليصون شرف الوطن. طلابنا تحت القصف وشرذمة العدو يُقدمون إمتحاناتهم الأكاديميّة والرسميّة ويُناقشون رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه بين ركام منازلم لتكون شاهداً على عزيمة قلّ نظيرها في التّاريخ. طلابنا في الميدان يرتقون شهداء يدرجة إمتياز مع مرتبة الشرف،  وإن مرتبة ورتبة الجهاد في العلم والجهاد في الحرب وجهان لخط واحد “النصر والعزة والإزدهار”.

 

من خلال جهودهم، يسهم الطلاب المقاومون في بناء وطنهم وتحقيق التغيير الإيجابي. هم الأمل في تحقيق السلام والتقدم والتّفوق وحفظ الأمن والأمان. هم يستحقون الدعم والإعتراف بما يقدمونه من تضحيات وإنجازات. إن قصة الطالب المقاوم لا تقتصر على كونها مجرد شهادة على الصمود الفردي، بل هي تجسيد للإرادة الجماعية حيث تستحق أن تُدرّس في المدارس لتبقى رمزاً علمياً حاضراً في ذاكرة الأجيال اللاحقة «الطلاب الصغار في كل مدارس الوطن». بل وأكثر من ذلك، يجب أن يكون هناك يوماً عالمياً تُقرّه الأمم المتحدة أو على الأقل الأمّة العربيّة: “اليوم العالمي للطالب المقاوم”، وإذا كان عيد الأم يبدأ مع فصل الربيع وعيد الأب مع بداية فصل الصيف، فليكن يوم الطالب المقاوم مع بداية فصل الشتاء (21 ديسيمبر / كانون الأول) فصل الخير الذي يُحيي الأرض بعد موتها.

 

 

 

 

المصدر: الوفاق /خاص