من أهم الأبعاد لخصائص الحكم في إیران لمواجهة التهديدات الأمنية والعسكرية المحيطة، هو قياس مدى “تعاون الشعب” مع هموم وقرارات المسؤولين الكبار في البلاد.
يجب أن يتضح مقدار رأس المال الاجتماعي المتراكم خلف القرارات التي تعزز القوة وتؤمن الأمن، وذلك لتوفير رد مناسب وملائم على التهديدات، وإذا لم تتوافق هذه الحسابات مع الحقائق الاجتماعية، فإنها ستؤدي إلى اتساع الفجوة بين توقعات الشعب والدولة، ما سيؤثر سلبًا على رأس المال الاجتماعي.
هذه الفجوة لن تكون ناتجةً فقط عن عوامل سلبية مثل “عدم استعداد” المجتمع للردود العسكرية، بل أيضًا في الأبعاد الإيجابية، إذا كان مستوى الرد على التهديدات “أقل من الاستعداد” وتوقعات المجتمع، فإن ذلك سيؤدي إلى الخمول، والضعف، و”إحباط الروح الوطنية”.
ولذلك، فإن التقييم الدقيق لمستوى “رأس المال الاجتماعي الداعم”، ضروري لاتخاذ إجراءات مناسبة من قبل الحكومة الإيرانية في الرد على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران.
تشير مجموعة الدراسات الاستقصائية التي أُجريت خلال العام الماضي حول آراء الرأي العام، تجاه عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حماس في أکتوبر 2023 إلی العمليات الصاروخية الإيرانية في أبريل 2024، والتي أجرتها مجموعات استطلاعات الرأي من جامعة طهران، والإذاعة والتلفزيون، ومركز أبحاث وزارة الإرشاد الإيرانية، إلى حقيقة أن المجتمع، بعد اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران، في حالة استعداد ومطالبة برد قوي يعزز من قوة البلاد.
إن أي نوع من التساهل في هذا المجال، سيؤدي إلى خسائر اجتماعية وإلحاق الضرر بهوية وشخصية الإيرانيين، فقد أسهم رأس المال الاجتماعي الناتج عن عمليات محور المقاومة ضد الكيان الصهيوني خلال العام الماضي، في تحسين بعض جوانب رأس المال الاجتماعي، وتمكن من لعب دور في تعزيز “الوجه السياسي للأمل في المستقبل”، و”الإحساس بالأمن الوطني”، و”الهوية الوطنية”. وهذا الرأس المال الاجتماعي المتراكم الآن في خدمة قرارات المسؤولين الكبار في البلاد، لدراسة كيفية الرد على الكيان الصهيوني.
“الشعور بالفخر” من العملية ضد الكيان الصهيوني
تشمل مؤشرات الأمل على “قوة واقتدار البلاد”، و”النفوذ السياسي الإقليمي والدولي”، و”التعاون بين المسؤولين”، و”الاهتمام بمطالب الشعب”.
تُظهر الاستطلاعات الوطنية الإيرانية أن حالة الأمل السياسي في أواخر مارس 2022، كانت تحت تأثير الاضطرابات التي أدت إلى ظهور انعدام الأمن في البلاد، ما جعلها تميل نحو “نوع من اليأس”.
إن قياس المؤشرين “قوة واقتدار البلاد” و”النفوذ السياسي الدولي والإقليمي” في مايو 2024، يُظهر أن تعزيز هذين المؤشرين قد أثّر على قياس مستوى “البعد السياسي للأمل في المستقبل”، حيث حوّله من حالة الميل نحو “نوع من اليأس” إلى حالة الميل نحو “نوع من الأمل”.
في هذا التغيير، شهدت غالبية المؤشرات التي تم قياسها تحسنًا طفيفًا، لكن مؤشر “الأمل في القوة الدفاعية واقتدار البلاد في المستقبل” ارتفع بنسبة 8% ليصل إلى 76%؛ ما يعني أن 76% من الناس يشعرون بالأمل في قوة واقتدار البلاد.
كان هذا المؤشر سابقًا عند نسبة موافقة 68%، ويعني هذا الارتفاع أن مجموعة من الأحداث خلال العام الماضي، قد ساهمت في زيادة تقييم الناس لاقتدار البلاد، والأمل في زيادته في المستقبل، حيث لا شك أن الهجوم في 15 أبريل كان له دور رئيسي في هذا التقييم.
كما أن المؤشر الذي يقيم الأمل في “النفوذ السياسي الإقليمي والدولي”، والذي كان عند نسبة 56%، قد اقترب الآن من 68%، وفي تفسير ذلك يجب الإشارة مرةً أخرى إلى النجاحات الميدانية لجبهة المقاومة، وكذلك إلى قوة الدفاع الإيرانية، بالإضافة إلى عقلانية النظام السياسي الإيراني في إدارة التحولات الإقليمية.
تعزيز “الشعور بالأمن الوطني”
من أهم المؤشرات التي تُستخدم في قياس مؤشر الإحساس بالأمن الوطني، هي مستوى الإحساس بالأمن من “احتمال اندلاع صراع وهجوم عسكري على البلاد”، و”احتمال حدوث تمرد وتفكك البلاد”.
بينما، استنادًا إلى التجربة السابقة من الاضطرابات في إيران في عام 2022 ودرجة التغطية الإعلامية التي تدعمها الأعداء، كان لدى الناس 62% من الثقة بعدم حدوث هجوم عسكري على البلاد، و69% من الثقة بعدم اندلاع صراع أو تفكك إيران.
إن العقلانية المتبعة في القرارات السياسية الإيرانية، إلى جانب التحركات التي تعزز القوة خلال العام الماضي، والتي أدت في النهاية إلى رد قوي على الكيان الصهيوني، قد ساهمت في زيادة الإحساس بالأمن الوطني لدی الإيرانيين.
وتُظهر نتائج استطلاع مايو 2024، أن الثقة والإحساس بالأمن من عدم حدوث أي هجوم عسكري على البلاد، قد ارتفعت إلى 75%، بينما ارتفعت الثقة بعدم حدوث صراع داخلي وتفكك البلاد إلى 78%.
تقييم “القدرة العسكرية” للبلاد في التعامل مع التهديدات الإسرائيلية
بينما كانت التقييمات لقدرة إيران على مواجهة التهديدات المحتملة من الكيان الصهيوني ضد إيران بعد عملية “طوفان الأقصى”(نوفمبر 2023) عند مستوى 69%، فقد شهد هذا التقييم بعد إظهار القوة الصاروخية الإيرانية في الهجوم على الکيان الإسرائيلي خلال عملية “الوعد الصادق”(مايو 2024)، ارتفاعًا ملحوظًا ليصل إلى 78%.
تعزيز “الهوية الوطنية”
إن الأبعاد “الإقليمية” و”السياسية” للهوية الوطنية، هي من بين المؤشرات التي تعززت تحت تأثير استعراض قوة إيران في الهجوم الذي وقع في أبريل/نيسان علی الکيان الإسرائيلي.
فعلى الرغم من أن الانتماءات إلى الجغرافيا وتاريخ الأرض، كانت دائمًا في ذروة توجهات استطلاعات الرأي في المجتمع الإيراني، إلا أن نتائج الاستطلاعات تشير إلى أن الظروف والمتطلبات المرتبطة بالعوامل المعززة الوطنية، مثل القدرة الدفاعية وإدارة البيئة الإقليمية، قد أثرت أيضًا على تعزيز هذه المؤشرات.
في البعد الإقليمي، تم قياس ثلاثة مؤشرات هي “الاعتزار بالهوية الإيرانية”، و”أهمية الحفاظ على وحدة أراضي البلاد”، و”الاستعداد للدفاع عن البلاد في حالة الحرب”.
يُظهر مؤشر “الاعتزار بالهوية الإيرانية” عمقًا مرتفعًا، حيث ظل عند حوالي 87% في يناير/كانون الثاني 2023، واستمر في تعزيز نفسه ليصل إلى 88% في مايو 2024.
أما مؤشر “أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي”، فقد أصبح أكثر نشاطًا في الوعي الجمعي للشعب الإيراني، تحت تأثير عاملين هما “التهديدات والنزاعات الإقليمية” و”الرد التاريخي على التهديدات من خلال العمليات التي جرت في أبريل”.
وقد اعتبر الرأي العام هذا الموضوع ذا أهمية كبيرة، بحيث ارتفعت نسبة “أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي” لدى الرأي العام من 84% في يوليو 2023، إلى 92% في مايو 2024.
في النهاية، يُعتبر قياس مستوى “الاستعداد للدفاع عن البلاد في حالة الحرب”، من أهم المؤشرات لتقييم الهوية الوطنية؛ حيث أعلن 72% من الشعب الإيراني أنهم مستعدون للمساعدة في الدفاع عن البلاد في “المجالات غير العسكرية” (مثل المساعدات المالية والخدمات وغيرها)، في حال تعرضت أراضي البلاد للاعتداء.
أما بالنسبة لـ “الحضور التطوعي العسكري” في جبهة الحرب ضد العدو، والذي يشمل الجانب “الصلب” من الدفاع، فقد عبّر 58% من الشعب الإيراني عن رغبتهم في المشاركة في الجبهة ضد الکيان الإسرائيلي.