الاغتيال الاستباقي… لا يزال قادة حماس في خطر

لا يخفى على أحد أن طبيعة الحروب في العصر الحديث ليست عسكريةً بحتةً، بل تتضمن جوانب خفية أخرى، من أبرزها حرب جمع البيانات والمعلومات.

2024-08-07

 

تعتمد هذه الحرب بشكل كبير على الأدوات الإلكترونية والتقنيات المتقدمة، التي تسهم في بناء قاعدة بيانات شاملة حول المراكز الحساسة، والقدرات اللوجستية، وتحركات قوات العدو، وغيرها من المعلومات الحيوية، وهذه البيانات والمعلومات تُعتبر بمثابة عيون وآذان للقيادة العسكرية والسياسية، ما يساعدها في اتخاذ قرارات استراتيجية وتكتيكية حاسمة، وخاصةً في المجال العسكري.

لقد استغل الكيان الصهيوني هذه القضية بشكل مكثف خلال حرب غزة الأخيرة مع حرکة حماس، حيث يُعتبر التجسس أحد المبادئ الثابتة في الفكر اليهودي، وبشكل عام في العقل الصهيوني، الذي يستخدم هذه الوسائل لتحقيق مطالبه وأهداف احتلاله.

علاوةً على ذلك، يعتمد الكيان الصهيوني على أسلوب الاغتيال كوسيلة لمواجهة الفلسطينيين، بالتزامن مع الهجمات على قطاع غزة والضفة الغربية وتطوير المستوطنات، ومن الضروري أن تترافق عمليات الاغتيال مع أنشطة التجسس والاستخبارات السرية لضمان نجاحها.

في الاغتيال الأخير لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس في طهران، كان تسريب المعلومات الاستخباراتية من بين أكثر القضايا المطروحة حول كيفية تنفيذ هذه العملية، ما يبرز أهمية المعلومات في تنفيذ مثل هذه العمليات.

 

اختراق الموساد لقلب فريق الحماية لخالد مشعل

مع العلم أنه كثرت التكهنات في الأيام الأخيرة حول انتخاب “خالد مشعل” رئيسًا للمكتب السياسي الجديد لحركة حماس، تزايدت المخاوف من تسلل جواسيس المخابرات الصهيونية إلى الدائرة المقربة من قادة المقاومة، وهذا الموضوع يثيره الإعلام والمحللون بعد لقاء وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع خالد مشعل خلال تشييع هنية في الدوحة.

وفي هذا الصدد، يرى محللون سياسيون أتراك أنه نظراً لقرب الحدود بين إيران وتركيا وتشابه مواقفهما الداعمة للمقاتلين الفلسطينيين، فمن الضروري اتخاذ إجراءات ذكية ضد الهجمات الصهيونية المحتملة.

وضرب خبراء أمنيون في أنقرة واسطنبول أحداث الأشهر القليلة الماضية كمثال، وقالوا إن ضباط مخابرات الكيان الصهيوني اخترقوا قلب الفريق الأمني ​​لخالد مشعل في اسطنبول، من خلال توزيع الأموال والقيام بعمليات تسلل.

كما تم استخدام بعض الموظفين الأتراك المرتبطين بالجرحى في غزة كمرتزقة استخباراتيين، ولهذا السبب، من الضروري الاستعداد بمزيد من اليقظة للتعامل مع التهديدات المحتملة.

نشرت الصحف المقربة من الحكومة التركية معلومات مفصلة حول أساليب عملاء الموساد، مشيرةً إلى أن وكالة التجسس تستخدم مرتزقةً من الجنسية الفلسطينية واللبنانية والسورية، لجمع المعلومات واستهداف المقاتلين الفلسطينيين، وقد سافر قادة حماس إلى تركيا نظرًا لعلاقاتهم الودية، ما أدى إلى زيادة نشاط جواسيس الموساد في هذا البلد، حيث اعتقلت قوات الأمن التركية العشرات منهم حتى الآن.

کما تُستخدم خطوط الهاتف المحمول كوسيلة للتواصل بين الموساد وعملائه، حيث يتم اتخاذ الترتيبات اللازمة عبر تطبيقات مثل تيليجرام وواتساب، وفي سياق تفاصيل اغتيال إسماعيل هنية، تشير بعض الادعاءات إلى أن حارسه الشخصي استخدم واتساب للتواصل ليلة الاغتيال، ما ساعد الصهاينة على تحديد موقع هنية من خلال نظام تحديد المواقع.

حاليًا، تخضع العديد من التطبيقات والشبكات الاجتماعية لسيطرة وكالات التجسس الغربية والصهيونية، التي تجمع المعلومات الشخصية من المستخدمين، وتستخدمها ضدهم عند الحاجة.

لذا، ينبغي على قادة المقاومة المدرجين في قائمة الموساد للإرهاب، أن يكونوا أكثر حرصًا في كيفية استخدام هذه التطبيقات، حتى لا يتركوا أي أثر يمكن أن يُستغل ضدهم.

في زمن الحرب، يمكن للعدو استغلال أي معلومات، مهما كانت صغيرةً، بشكل كبير، ما يساعد في تدمير القواعد البشرية والعسكرية للخصم وموارده، وهذا ما تسعى إليه الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، وخاصةً مجموعات التكنولوجيا، التي تعمل باستمرار على جمع المعلومات في الفضاء الإلكتروني والاتصالات، مع التركيز بشكل خاص على قادة المقاومة الذين يتواجدون في دائرة الضوء.

ويُذكر أن خالد مشعل كان من أوائل قادة حماس الذين تعرضوا لمحاولة اغتيال من قبل الکيان الصهيوني في الأردن عام 1997، لكنه نجا من تلك الجريمة، وإذا تم انتخابه مرةً أخرى رئيسًا لحماس، فمن المحتمل أن يتعرض لمراقبة أكبر من قبل أجهزة استخبارات الکيان الصهيوني.

وهناك روايات كثيرة في هذه القضية مفادها بأن الکيان الصهيوني اكتشف واستولى على معلومات مفصلة عن مخابئ هؤلاء القادة، حتى عن طريق اختراق الهواتف المحمولة لأشخاص مقربين من أصدقاء وعائلات قادة المقاومة.

ولذلك، فإن قادة المقاومة وأقاربهم لن يكونوا في مأمن من مراقبة المخابرات الصهيونية بعد الآن، ومن الضروري مراعاة كل البروتوكولات الأمنية على أعلى مستوى.

وبالتالي، من أجل السلامة من غدر الکيان الإسرائيلي، على القادة الفلسطينيين رفع مستوى الحذر الأمني ​​في اختيار دائرتهم القريبة، وعدم استخدام أنظمة يسهل تتبعها والتنصت عليها.

 

الاستفادة من تجربة المقاومة الناجحة في غزة

على الرغم من تسلل أجهزة المخابرات الإسرائيلية إلى العديد من أنظمة تكنولوجيا الاتصالات، حققت قوات المقاومة في غزة نجاحًا ملحوظًا في عمليات مكافحة التجسس، وتجسد ذلك في صدمة الکيان خلال عملية طوفان الأقصى.

فقد تمكن الجناح العسكري للمقاومة من هزيمة الصهاينة في الحرب الاستخباراتية، رغم المراقبة المستمرة التي تتعرض لها ليلاً ونهارًا، ما ساهم في منع الأسرى الصهاينة من الانکشاف، وتنفيذ عمليات عسكرية ناجحة.

وتكشف المعلومات التي أفصح عنها قادة المقاومة في غزة، عن الأساليب التي يعتمدها الکيان الصهيوني للتجسس، حيث استخدمت تل أبيب تقنيات حديثة لاستهداف قوات المقاومة، ما يسهل التواصل بينها وبين مرتزقتها.

ومن بين هذه التقنيات، تم تطوير جهاز جديد يغطي المرتزق عند استخدامه، بحيث إذا وقع الجهاز في يد المقاومة، فإنه لا يسجل أي علامات أو أدلة على اتصالات سابقة مع الضابط.

كما أفادت مصادر تابعة لحماس، بأن التقنية الصهيونية الجديدة تتضمن شريحةً شبيهةً بشريحة الهاتف المحمول، تُستخدم مرةً واحدة في جهاز محمول، وتختفي بعد برمجتها.

يتم تنشيط النظام ليكون جاهزًا لاستقبال اتصالات الضباط، دون الحاجة لوجود الشريحة داخل الجهاز، وتتميز هذه التقنية بقدرتها على عدم ترك أي أثر، حتى إذا وقع الهاتف الخلوي في يد شخص آخر غير الجاسوس.

وعلى الرغم من استخدام هذا المستوى المتقدم من التكنولوجيا، فإن اكتشاف أساليب التجسس الإسرائيلية في غزة يُعتبر انتصارًا كبيرًا للمقاومة، ويظهر أن حماس تسير بخطى ثابتة مع التقنيات المتقدمة للمحتلين، ولديها القدرة على تحييدها بفعالية.

 

إجراءات وقائية من تل أبيب

أحد الأسباب التي قد تجعل اغتيال كبار قادة المقاومة ممكنًا في الأيام المقبلة، هو خوف وقلق القادة الصهاينة من رد الفعل الإيراني.

بعد اغتيال هنية، بات قادة تل أبيب على يقين بأن إيران وحزب الله سيقومان بتنفيذ عملية ضخمة في الفترة المقبلة. ولذلك، من المرجح أن يتخذ نتنياهو زمام المبادرة، ويقوم بمغامرة جديدة، مدعومًا من الأغلبية داخل الأراضي المحتلة.

ففي استطلاع للرأي أجرته قناة الکيان الصهيوني، أظهر 64% من المشاركين أن عليهم اتخاذ إجراءات وقائية ضد إيران وجماعات المقاومة، لتقليل التهديدات المحتملة على أمن المواطنين، لذا، ليس من المستبعد أن يقدم نتنياهو على اغتيال بعض قادة المقاومة في لبنان أو القادة الفلسطينيين في الخارج، وقد يكون خالد مشعل أحد الخيارات المطروحة.

ومن هنا، يجب على خالد مشعل وفريقه الأمني توخي الحذر من تحركات الکيان الإسرائيلي، لتجنب المفاجآت، وخاصةً في ظل تركيز حكومة نتنياهو المتشددة، التي تعرضت للهزيمة في غزة وواجهت هجمات المقاومة من جميع الجبهات، على اغتيال قادة المقاومة كوسيلة لإظهار إنجازات للحكومة، ولإرضاء المنتقدين المحليين.

يعتقد المتطرفون الإسرائيليون أنه من خلال إزالة قادة حماس، ستضعف الحركة، ما يسهل عليهم احتلال غزة، ومع ذلك، أظهرت التجارب السابقة أنه كلما تم اغتيال أحد القادة، يظهر شخص آخر ليحل محله، ويواصل النضال ضد المحتلين بقوة أكبر.

إن اغتيال القادة من قبل الاحتلال الإسرائيلي لا يضعف المقاومة بل يعززها، نظرًا للتأييد الشعبي الذي تحظى به، ومع ذلك، تظل هذه المقاومة بحاجة إلى عقول كبيرة، وإطار عمل أكثر تنظيمًا ودقةً، لضمان استمرارها وتوجيهها بشكل يضمن حياة الفلسطينيين، ويعزز قدرتهم على مواجهة العدو المشترك.

 

المصدر: موقع الوقت