هآرتس: كيف يكشف جنود إسرائيليون في قواعد حساسة عن هويتهم وموقعهم؟

الحرب الأمنية والاستخباراتية بين الكيان المؤقت ومحور المقاومة، وإن لم تظهر معاركها ومواجهاتها بشكل علني، إلا أنها بأقصى درجات اشتعالها في ساحات مختلفة وخاصة في مجال "الاستخبارات المفتوحة المصدر".

2024-08-10

كشف تحقيق استقصائي أجرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن حجم اهتمام جيش الاحتلال الإسرائيلي بفرض أنظمة الأمن التشغيلي على جنوده ووحداته وقواته، خوفاً من تسرّب المعلومات الأمنية الخطيرة الى محور المقاومة. ويؤكّد تحقيق هآرتس بأنه على الرغم من تعليمات الجيش الواضحة لعناصره، فيما يتعلق بالهواتف الذكية والساعات الذكية، إلا أن المعلومات الحساسة تتسرب و”متاحة للعدو بسهولة”.

 

وهذا ما يشير إلى أن الحرب الأمنية والاستخباراتية بين الكيان المؤقت ومحور المقاومة، وإن لم تظهر معاركها ومواجهاتها بشكل علني، إلا أنها بأقصى درجات اشتعالها في ساحات مختلفة وخاصة في مجال “الاستخبارات المفتوحة المصدر”.

 

 

النص المترجم:

 

يواصل الجنود والمدنيون الذين يخدمون في المواقع الأمنية الحساسة الكشف عن معلومات حساسة حول قواعد الجيش والعاملين فيها، بسبب استخدام الهواتف الذكية والتقنيات القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية. ورغم أن وجود هذه القواعد لم يعد سرا، إلا أن المعلومات التي يتم تسريبها عن غير قصد من قبل الجنود والمسؤولين، تمكّن العدو من تحديد الجنود الذين يخدمون في القواعد، وتجميع معلومات أخرى عنهم ومن ثم استهدافهم عن طريق التتبع والتجسس عليهم، وحتى ابتزازهم أو إيذائهم.

 

وقد كشف فحص بسيط أجرته صحيفة “هآرتس” لتطبيق شائع يتفاعل مع التكنولوجيا القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية، عن عشرات الملفات الشخصية للجنود والمدنيين، الذين تم توثيقهم خلال فترات مختلفة عندما كانوا موجودين جسديًا في تلك المرافق الأمنية. وتشمل هذه القواعد قواعد جوية مختلفة، وقاعدة تحتفظ فيها “إسرائيل”، وفقًا لمصادر أجنبية، بالصواريخ النووية، والمفاعل النووي في ديمونة، وغيرها.

 

يتم بدء مشاركة مواقع الجنود في المواقع المختلفة من خلال هواتفهم الذكية والتطبيق الذي قاموا بتثبيته بأنفسهم. هذه معلومات محدثة للغاية، ويتيح التطبيق أيضًا إمكانية الرجوع إلى الوراء على مر السنين وتحديد هوية الجنود والمدنيين الآخرين الذين تم توثيقهم في الماضي في هذه القواعد.

 

يؤدي إدخال هذه الأسماء في بحث بسيط على Google إلى إظهار حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى لهؤلاء الجنود، الذين تم تسريح بعضهم بالفعل. هذه الحسابات عبارة عن كنز من المعلومات الاستخبارية مفتوحة المصدر التي يمكن للمرء من خلالها التعرف بسهولة على وظائفهم في الجيش، وفي الوحدات التي خدموا فيها، وماذا يفعلون حاليًا، وأين يسافرون في العالم في أي لحظة معينة، هوية أفراد أسرهم وأكثر من ذلك.

 

وحقيقة أنه تم توثيقهم في منشآت حساسة، ومن المحتمل أن يكونوا قد تعرضوا لمعلومات حساسة، تزيد من قدرة هؤلاء الجنود على الكشف عن المعلومات الاستخبارية. ونظرًا لسهولة الوصول إلى أسمائهم وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، يمكن لهيئة استخبارات العدو تركيز جهودها عليهم واستخدام هجمات الهندسة الاجتماعية والتصيد الاحتيالي لاستهدافهم لجمع معلومات استخباراتية أكثر دقة، من خلال الاحتيال أو حتى إرفاق برامج تجسس، والمزيد.

 

فمنذ بداية الحرب، حذر باحثون في مجال الأمن السيبراني من أن حماس، بدعم من قراصنة مدعومين من إيران، تستهدف الإسرائيليين بأنواع مختلفة من الهجمات، بما في ذلك تلك التي تهدف إلى الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف الذكية الخاصة بهم.

 

إن وجود هذه المعلومات على الإنترنت يشكل فشلاً للأمن العملياتي، حيث أن مؤسسة الدفاع كانت على علم بهذه المشكلة المحددة منذ عدة سنوات، بل إنها تناولت الموضوع في أعقاب استخدام العدو لهذه المعلومات مفتوحة المصدر وعدد من التقارير الإعلامية حول هذا الموضوع، والتي سلطت الضوء مرارا وتكرارا على المخاطر التي يشكلها.

 

وكما كشف سابقًا، مكنت حسابات الجنود على وسائل التواصل الاجتماعي حماس من جمع معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر ساعدتهم على التخطيط بعناية لهجوم 7 أكتوبر. قبل شهر، كشفت صحيفة هآرتس أن حماس قامت ببناء قاعدة بيانات ضخمة ومفصلة عن آلاف الجنود في مواقع حساسة في سلاح الجو، تعتمد فقط تقريبًا على معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر تم جمعها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المصادر عبر الإنترنت، وأن هذا يعرضهم لقدر كبير من المخاطر. أحد المخاطر المحتملة هو أن هؤلاء الجنود سيتم استهدافهم شخصيًا أثناء إجازتهم في الخارج.

 

الشخص “أ”، الذي وجدته صحيفة هآرتس على الإنترنت، خدم في قاعدة جوية مركزية. تم تحديد موقعه بسهولة من خلال التسرب الذي تم تسهيله عن غير قصد من خلال تطبيق ساعته الذكية، داخل القاعدة. وكشف البحث على غوغل عن حسابه على إنستغرام وشبكة اتصالاته، وبعضهم يخدمون معه أيضًا في الجيش. ومن خلال تطبيق الساعة الذكية اكتشفنا أنه موجود الآن في تايلاند. وردا على سؤال لصحيفة “هآرتس” أكد أنه موجود الآن في الخارج، وأنه خدم في سلاح الجو، وأن لديه ساعة ذكية، وأنه على الرغم من الأنظمة لم يكن على علم بالمخاطر التي تهدد أمن المعلومات. وبعد أن اتصلنا به قام بإغلاق حسابه، في خطوة إيجابية ستجعل من الصعب على العدو ربط ماضيه العسكري بموقعه الحالي ونشاطه الحالي.

 

الشخص “ب” خدم في القوات الجوية. وقد تم تحديد موقعه أيضًا عبر التطبيق في إحدى قواعد القوات الجوية. مكننا اسمه وصورة ملفه الشخصي العامة من تحديد مكانه بسهولة على Instagram، حيث أكد أنه مهندس طيران. غالبًا ما ينشر صورًا من رحلاته إلى الخارج. تم تحديد موقع الشخص “د” مؤخرًا على أحد التطبيقات أثناء نشاطه في غزة. وينشر موقعه بشكل يومي تقريبًا. وجدناه هذا الأسبوع في إحدى الدول الأوروبية، مما يسلط الضوء على أن الكشف عن مواقع الجنود لا يزال مستمراً.

 

خدم “س” في قاعدة جوية، وتم توثيقه على التطبيق في عدد من المناسبات في السنوات الأخيرة. أدى اسمه وصورته الشخصية إلى حساب شهير على وسائل التواصل الاجتماعي كشف فيه عن عدد كبير من الأدوار التي شغلها: كان قائد بطارية وبعد ذلك مدير مشروع في وحدة تكنولوجية معنية بالفضاء والأمن السيبراني والاستخبارات وحتى الإشراف على بنك الأهداف في جيش الدفاع الإسرائيلي. شارك ثلاثة جنود آخرين في نفس القاعدة موقعهم عبر ساعتهم الذكية: أدى الملف الشخصي لـ “أ” إلى حساب على شبكة تواصل اجتماعي أخرى، حيث تم الكشف عن أنه يعمل في الصناعات الدفاعية. “س” و “أ” ليسا سوى اثنين من عشرات الإسرائيليين الذين تم تحديد موقعهم بسهولة عبر أحد التطبيقات ويشكلون هدفًا استخباراتيًا عالي الجودة للعدو.

 

يشير تتبع صحيفة هآرتس للإخفاقات الأمنية التشغيلية في جيش الدفاع الإسرائيلي إلى أن الشعبية المتزايدة للساعات الذكية تجعل من الصعب على مؤسسة الدفاع فرض لوائح أمنية تشغيلية صارمة. وكما هو الحال مع وسائل التواصل الاجتماعي، فإن التقنيات القابلة للارتداء تكشف الجنود بطرق لم يفهمها الجيش أو يعالجها بشكل كامل بعد. وهذا الاختراق الأمني ​​معروف جيدا. قبل بضعة أشهر، وجدت صحيفة هآرتس مرة أخرى أن التسرب المستمر للمعلومات من جانب الجيش الإسرائيلي والجنود الذين يقاتلون في غزة يكشف عن مواقع القوات داخل القطاع على وسائل التواصل الاجتماعي. ردا على التقرير، قال الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت إنه يرسل للقادة والجنود تعليمات للحفاظ على أمن العمليات، ويراقب الأمر عن كثب.

 

منذ نشر تقرير صحيفة هآرتس، يبدو أن الجيش الإسرائيلي نجح في وقف تسرب المعلومات من التطبيق، على الأقل داخل غزة.

 

ومع ذلك، أظهر تحقيق آخر لصحيفة “هآرتس” أن الجنود يواصلون الكشف عن تمركزات القوات في القطاع بطرق أخرى، على سبيل المثال، من خلال مقاطع الفيديو والصور التي ينشرونها على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

ويظهر التحقيق الحالي أن تسريب المعلومات عبر الساعات الذكية مستمر في مواقع حساسة أخرى داخل الأراضي الإسرائيلية، مما يكشف هويات الجنود وأكثر من مجرد موقعهم، سواء كان سريًا أو غير ذلك.

 

هذه ليست مشكلة تكنولوجية معقدة يجب حلها، ولكنها تنبع من غياب الانضباط الذي يستطيع قادة الجيش الإسرائيلي فرضه. إن المعلومات الاستخبارية مفتوحة المصدر التي يمكن العثور عليها على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى المعلومات الاستخبارية التي ينشرها الجنود على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك التسريب المستمر للمعلومات من “إسرائيل”، كلها تغذي وتثري قواعد البيانات الاستخباراتية لإيران وحماس، وتؤدي مهمة فالتجسس على “إسرائيل” ومؤسستها الدفاعية أمر سهل بالنسبة لهم.

 

وأشار مصدر دفاعي إلى أن الجيش الإسرائيلي على علم بالمشكلة وأن القادة مسؤولون عن تطبيق البروتوكولات المعمول بها لوقف تسرب المعلومات. وقال موظف سابق في مؤسسة الدفاع متخصص في الاستخبارات مفتوحة المصدر لصحيفة “هآرتس” إنه “ليس من المنطقي أن تعتقد مؤسسة الدفاع أن هآرتس لديها قدرات استخباراتية لا تمتلكها حماس، أو أن حماس لا تعرف كيفية مقارنة المعلومات. لقد تم بالفعل الكشف عن أنهم يعرفون كيف، وأنهم يستطيعون القيام بذلك، كما فعلتم هنا”.

 

وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي ردا على ذلك إن “الجيش الإسرائيلي ككل، بما في ذلك جميع وحداته المختلفة، على علم بتهديدات وسائل التواصل الاجتماعي. ومن أجل الحفاظ على أمن القوات والمعلومات، يتم إرسال تعليمات واضحة إلى جميع أولئك الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي”. “جيش الدفاع الإسرائيلي، سواء أولئك الذين يؤدون الخدمة الإلزامية أو جنود الاحتياط، فيما يتعلق بقواعد استخدام أجهزة الوسائط القابلة للارتداء، بما في ذلك الهواتف المحمولة والهواتف الذكية”.

 

المصدر: هآرتس/ الخنادق