توازياً مع الإبادة الجماعية

أنس الشريف يحمل روحه على كفّه… ويواصل المسيرة

ندعو المجتمع الدولي إلى التضامن مع جميع الصحافيين الذين يخاطرون بحياتهم لنقل واقع القطاع إلى العالم.

2024-08-13

توازياً مع الإبادة الجماعية التي تنفذها في غزة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، تعمل إسرائيل على تصفية الصحافيين منعاً من نقل السردية الفلسطينية والمجازر التي ترتكبها. بعدما قضت على 166 صحافياً على مرأى من «العالم الحرّ»، ها هي تُرسل تهديدات إلى مراسل قناة «الجزيرة» القطرية أنس الشريف الصامد في القطاع.

 

منذ بداية العدوان على غزة، قتلت قوات الاحتلال 166صحافياً كانوا يعملون في الميدان أو مارست الترهيب على آخرين منعاً لنقل صورة المجازر الفظيعة التي ترتكبها. وقبل ساعات، رفعت سقف تهديداتها ضد مراسل قناة «الجزيرة» الصحافي أنس الشريف (1996). تزامن ذلك مع كشف الشريف المجزرة التي ارتكبها العدو السبت الماضي داخل مدرسة «التابعين» التي تؤوي نازحين، وراح ضحيتها أكثر من مئة شهيد وجريح.

 

«ما زلنا مستمرّين رغم الظروف القاسية والمعاناة. ما زلنا ننقل رسالتنا إلى العالم ليشاهد ماذا يحصل بنا». هكذا كان ردّ الشريف على التهديدات الصهيونية، معلناً عن مواصلته عمله أمام الكاميرا، ورافضاً الاستسلام. وقد جاءت التهديدات الصهيونية بعدما خرج الشريف برسالة لـ«الجزيرة» داخل مدرسة «التابعين» بعد المجزرة، واصفاً الوضع بأنه عصيّ على الوصف، ونشر صور الأشلاء والدماء التي غطت الأرض والجدران.

 

لم يتوقف الصحافي الشجاع عند ذلك التقرير، بل نشر على منصة X صورة له في موقع المجزرة قائلاً «توقفت كلماتي، وفقدت قوتي وقدرتي على التعبير والحديث عندما وصلت إلى مكان المجزرة. الأشلاء والدماء كانت من حولنا. الجثث مقطعة فوق بعضها. أخبروني، أي كلمات وعبارات يمكن أن تعين أي صحافي في وصف هذه الصورة المروّعة. عندما قلت لكم عبر الهواء بأنه مشهد لا يوصف، فأنا حقاً عجزت أمام هذا المشهد، كيف ننقل لكم إبادتنا؟».

 

فور كشف الشريف عن مجزرة «التابعين»، خرج المتحدث باسم قوات العدو أفيخاي أدرعي، ليتّهم المراسل بالكذب، وبأنّه «يغطي على جرائم «حماس» والجهاد في الاحتماء داخل المدارس»،
ونشر أدرعي صوراً من أرشيف الشريف تجمعه ببعض قيادات المقاومة الفلسطينية وتغريداته الداعمة لهم. ورداً على ذلك، خرج الشريف في تسجيل على صفحاته على السوشال ميديا معلناً بقاءه في عمله، قائلاً «رسالتنا إلى العالم أن ينظروا إلينا كصحافيين تحت الخطر الشديد وأن يقوموا بتوفير الحماية الدولية والمحلية».

من جانبها، أخذت «الجزيرة» تهديدات أدرعي على محمل الجدّ، وأصدرت بياناً أدانت فيه التحريض الصهيوني ضد مراسلها وطاقمها في غزة، قائلة إنّ «الحكومة الإسرائيلية تتحمّل المسؤولية الكاملة عن سلامتهم. ندعو المجتمع الدولي إلى التضامن مع جميع الصحافيين الذين يخاطرون بحياتهم لنقل واقع القطاع إلى العالم».

ليست المرة الأولى التي يهدّد فيها العدو الصحافيين. منذ بداية العدوان، قتل مراسلي محطة «الجزيرة» واحداً تلو الآخر، آخرهم مراسلها إسماعيل الغول (1997-2024) الذي التحق بقافلة الشهداء مع زميله المصوّر رامي الريفي، بعدما قتله العدو قبيل الانتهاء من البث المباشر من أمام منزل القيادي الشهيد في حركة «حماس» إسماعيل هنية.

 

وفي 11 كانون الأول (ديسمبر)، قصف العدو منزل أنس الشريف في مخيم جباليا، فاستشهد والده، كما قتل عدداً من أفراد عائلة المراسل السابق في «الجزيرة» الصحافي وائل الدحدوح، وقتل زوجته وابنته وابنه. كما قتل المصور في القناة القطرية سامر أبو دقة (1978-2023) أثناء عمله مع زميله الدحدوح في منطقة خان يونس. وفي نهاية العام الماضي، استشهد حمزة وائل الدحدوح (1996-2024) وزميله المصور مصطفى ثريا أثناء قيامهما بواجبهما في مناطق في غرب غزة.

 

وأعلن «أبو حمزة» في بداية العام الحالي عن خروجه من غزة والاستقرار في الدوحة لتلقي العلاج هناك جرّاء الإصابة التي تعرض لها في يده. هكذا، حمل صحافيو غزة نعش أولادهم وعائلاتهم على أكتافهم، وكانوا مثالاً للصبر وتحمّل الأوجاع. ويُعدّ الشريف ابن الـ 27 ربيعاً، شاهداً على جرائم العدو والصوت الثابت أمام هول آلة القتل. يقف بكل ثقة أمام الكاميرا غير آبه بتهديدات العدو. كما يحرص الصحافي الفلسطيني على الخروج في وداع زملائه الشهداء، آخرهم صديقه الشهيد إسماعيل الغول الذي نعاه بكلمات مؤثرة، واعداً إياه بمواصلة العمل على كشف جرائم الاحتلال.

 

 

… ولـ«الميادين» حصة أيضاً

أول من أمس الأحد، وافقت حكومة العدو على مقترح وزير الاتصالات شلومو كرعي، بحظر قناة «الميادين» ومصادرة معداتها وحجب مواقع الإنترنت التابعة لها. ليست المرة الأولى التي تقر فيها حكومة العدو بحظر «الميادين»، ففي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قررت تجميد عمل القناة بعد سلسلة تهديدات تعرّض لها فريقها الصحافي في فلسطين المحتلة (الأخبار 14/11/2023).

 

من جانبها، أصدرت «الميادين» بياناً صحافياً تُندد فيه بـ «قرار الحكومة الصهيونية ورئيسها، وتراه دليلاً إضافياً، على خيار الاحتلال البنيوي في مواجهة الصحافة والتعتيم على حقائق الواقع كما هو، نسبياً وكلياً، جزئياً وبصورة كاملة».

 

وأضافت: «يرى الاحتلال في «الميادين» قوة حضور وتأثير بصدقية وثبات. يتعاطى معها بهستيريا، وباهتزاز محيّر في درجة ارتباكه. تؤكد «الميادين» التمسك برفض أي تطبيع مع الاحتلال على نحو مباشر وغير مباشر».

 

ولفتت إلى أنّ قرار الحظر «يثبت مدى قلق الاحتلال من صدقية القناة في نقلها الحقائق كما هي في تعرية الإبادة الصهيونية الجماعية ومجازره الإرهابية المُستمرة، أمام العالم، بكل مهنية احترافية، والتزام أخلاقي إنساني راسخ». وأخيراً أكّدت بأنّها «ماضية في عملها بكل مهنية والتزام، بكل تواضع وشجاعة. بكل تمسّك بقيمة الحق والعدل».

 

 

المصدر: الوفاق/ وكالات