على أعتاب أربعينية الإمام الحسين (ع)

عاشوراء في غزة

لقد أدمت عيوننا وعيون أحرار العالم أجمع، ما تعرضت وتتعرض له غزة العزة، من همجية قل نظيرها في تاريخ الإنسانية، وسفك دماء طاهرة، زكية، لم يشهد لها التاريخ من مثيل.

2024-08-14

 

د. سيد محمود خواسته

 

ونحن على عتبة الأربعين الحسيني، الذي أصبح نبراساً لكل حر أبي في العالم، بغض النظر عن سماته الدنيوية، كالقومية واللغة والدين وما شابه ذلك، أحزننا خبراً مؤلماً جداً صبيحة اليوم العاشر، من شهر آب الحالي لسنة ٢٠٢٤، مفاده أن المتوحشين الصهاينة أزهقوا أرواح ما لايقل عن ١٢٠ مصليات وممن معهم، في محل إيوائهم بمدرسة التابعين في محلة الدرج بغزة، غير المجروحين والمفقودين تحت الأنقاض، بأسلحة أهدتها للصهاينة الجناة الأمبريالية الأمريكية البغيضة، التي مازالت تعيش على امتصاص الدماء، وقتل الأبرياء، وما لذلك حد!

 

فاليوم الذي لا تسفك فيه الطغمة الحاكمة في أمريكا دماً، ولا تغتصب حقاً ولا تنتهك عرضاً، لا يعد من حياتها! فالحياة الاعتيادية عند زمرة النازيين الجدد، حكام أمريكا، سواء الحزب الجمهوري أو الديموقراطي، هي، اراقة مزيد من دماء الأبرياء، ليخلو لهم الجو، ولا ينازعهم احد في التربع على عرش العالم، الذي لم يبق له إلا اسمه ! فلا عالم موجود ولا شعوب موجودة! بما تعنيه الكلمة، وإنما سجن كبير، وسجان متوحش وسجناء ولا غير! وأصبح المجرمون، خاصة الأمريكان منهم، يسيطرون على كل شيء في العالم، حتى الكلمات التي يتحدث بها هنا وهناك ملك أو أمير أو رئيس جمهورية أو رئيس وزراء، وقس على ذلك، والحبل كما يقال، على الجرار!

 

اللهم الا بعض الدول والكيانات، التي تمسكت بجذورها وبأصالة شعوبها، وتحولت إلى شوكة، في أعين الأمبريالية الأمريكية والغربية، التي تضم الدول الإستعمارية العجوز، بريطانيا، فرنسا وألمانيا… ومن سار في فلكها، وعاد الإسلام غريباً، مظلوماً ومهجوراً، وتنكر له ما يسمون أنفسهم بالمسلمين! وهم أبعد الناس عن ذلك! ومن يتتبع الدول الإسلامية، لا يرى، في الحقيقة عند تتبعه ودراساته، غير عدد ضئيل منها، لا تزال متمسكة بالدين الإسلامي الحنيف، بالقول والعمل، ومناصرة المظلوم والتصدي للظالم، وتقديم التضحيات الواحدة تلو الأخرى، على مذبح الإسلام المحمدي الأصيل وسيرة آل البيت (ع)، ومنها، خاصة، إيران رائدة الحق والمدافعة عنه والداعمة له، في كل أنحاء العالم، بعد أن أنقذها الله تعالى من حكم وجبروت الطغيان، على يدي عبد من عباده الصالحين، وهو، الإمام الخميني (قدس).

 

ولم تزل إيران الثورة، حتى الآن، هدف التآمر والدسائس من كل حدب وصوب، حتى من الدول التي تدعي انها مسلمة! فالعلم الذي رفعته الثورة الإسلامية المظفرة، ضد الظلم والبغي والطغيان، لا يزال خفاقاً، مرفرفاً، والقافلة تسير بخطوات متزنة، راسخة، رغم نباح الكلاب المسعورة في أمريكا والكيان الغاصب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

لقد أدمت عيوننا وعيون أحرار العالم أجمع، ما تعرضت وتتعرض له غزة العزة، من همجية قل نظيرها في تاريخ الإنسانية، وسفك دماء طاهرة، زكية، لم يشهد لها التاريخ من مثيل، على أيدي حفنة من الفاشیین والنازيين الجدد، ومعاضديهم من أعراب الردة والمسلمين المزیفین! الذين يدعون التدين بالإسلام زوراً وبهتاناً، فمن يصدق أو يتصور أو حتى يخطر على باله، إن ملياري مسلم يتواجدون على سطح هذه الأرض، ولا يمكنهم الوقوف بوجه طغمة متوحشة، تغتصب الأرض والعرض، وتصول وتجول وتقتل وتبيد ما استطاعت من المسلمين، وتذبحهم على أرضهم، وهم عزل، لا حول لهم ولا قوة، ويقفون مكتوفي الأيدي، متفرجين على مشاهد إراقة الدماء الطاهرة، ولا ينبس أحد منهم ببنت شفة!

 

فهل يا ترى، مات المسلمون وماتت ضمائرهم؟ أم إن حياتهم انحصرت في الأكل والنوم والرفاه! واكتناز الذهب والفضة حتى “… يلاقوا يومهم الذي يوعدون” (الزخرف / ٨٣).

 

ما لنا في خطاب الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي، شيء، فلا فائدة من ذلك، أولاً، ولا تأثير يذكر، ثانياً، وإنما الخطاب للشعوب الإسلامية، ولا سيما العربية منها … فأين أنتم من العزة والكرامة والأصالة ونصرة المظلوم، التي تميزكم عن باقي الشعوب الأخرى؟ أ تصمتون وتتفرجون على ذبح إخوانكم وأخواتكم في غزة، ولا تحركون ساكناً؟ ولا تنصرون مظلوماً؟… بل والأدهى من ذلك، لا تخرجون صارخين، مجلجلين بأصواتكم إلى الشوارع والساحات، دفاعاً عن مظلومي غزة ودعماً لهم! ولا تطالبون حكوماتكم بذلك!

 

وهذا القرآن الكريم يدعوكم صراحة، للتصدي للظالمين الصهاينة، ومعاضديهم من الأمريكان خاصة، أتريدون أن ينطبق عليكم قول الله تعالى: “ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها…” (الكهف/ ٥٧).

 

ومما ذكرتم به قوله عز وجل: “ألا لعنة الله على الظالمين” (هود /١٠٢). أليس الصهاينة ظالمين، وقد وقعت عليهم اللعنة؟ أليس هم الذين يفترون على الله تعالى، وعلى الناس أجمع، الكذب، ويلفقون وينسجون ادعاءاتهم لتبرير ما يرتکبون‌ من مجازر؟ … “فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ” (الانعام /١٤٤). و “إنه لا يفلح الظالمون” (الانعام /٢١).

 

لماذا تكون إيران الثورية المسلمة، وحدها في ساحة المواجهة مع الكيان الصهيوني الغاصب، وهي تقود محور المقاومة، المنصور بإذن الله تعالى؟ لماذا ينتفض مراجعها وعلماؤها ضد سفك الدماء الزكية في غزة، ويدعون المسلمين كافة للعمل بما أمرهم به الإسلام؟ وسائر مشايخ المسلمين، وما أكثرهم، في استنكاراتهم بالقول فقط، لا يتعرضون صراحة إلى من يمد الصهاينة المتوحشين بالمال والسلاح، ألم يطرق اسماعهم قول الله جل جلاله: “… اتخشونهم فالله أحق ان تخشوه إن كنتم مؤمنين” (التوبة /١٣).

 

ولا ننسى هنا، مواقف البعض من المشايخ، المشرفة تجاه قضية فلسطين، ولا سيما غزة، ومنهم سماحة الشيخ أحمد الخليلي، مفتي سلطنة عمان، وسماحة الشيخ ماهر حمود، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة، وسماحة الشيخ الدكتور خالد الملا، رئيس جماعة علماء العراق، وغيرهم من الفئة القليلة، التي تناصر فلسطين.

 

ومن الدول الإسلامية كذلك، ماليزيا، التي تقف جنبا إلى جنب إيران الثورة، والعراق مراجعاً، شعباً وحكومة، في التصدي للنازيين الصهاينة. روي عن الرسول (ص): يقول الله عز وجل :_ وعزتي وجلالي، لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً، فقدر أن ينصره، فلم ينصره. ” (كنز العمال / ٧٦٤١).

 

فالوقوف، إذن، بوجه الظلم الذي يتجلى حالياً بأوضح صوره وأشكاله في غزة العزة، وهو كما وصفه الإمام علي (ع) بأنه “… ألأم الرذائل” (غرر الحكم /٨٠٤)، واجب انساني وفريضة لا يمكن تركها، ونصرة المظلومين والمضطهدين كذلك “… فإن الله يسمع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد. ” (شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ٣٤٨٧)، و” من ظلم عباد الله، كان الله خصمه دون عباده ” (غرر الحكم / ٨٢٥٠).

 

لقد كان هاجس مفجر الثورة الإسلامية، سماحة الإمام الخميني (قدس) معاناة المسلمين كافة، وما يتعرضون له خاصة في لبنان وفلسطين المحتلة، بهجمات صهيونية، تطال الحرث والنسل، فمما قاله في هذا الشأن: إن إخوتنا المسلمين في لبنان وفلسطين، يعانون الآن من وطأة الإعتداءات الصهيونية، وإذا انتصر الكيان الصهيوني في هذه المعركة، لا سمح الله، فإن رقعة إعتداءاتها ستمتد لتشمل الدول الأخرى. (صحيفة الإمام العربية، ج ٩، ص ١٨٤).

 

هكذا تنبأ الإمام الخميني(قدس) حول تطاول الكيان الصهيوني الفاشي، على جميع الأراضي الإسلامية المجاورة لفلسطين المحتلة، مما يعني: ان تتصدى له كل الدول والشعوب الإسلامية، واجتثاث جذوره وإبادته بشكل تام. لأن ” المفروض في نهج الأنبياء(ع) والذي حذروا منه، إنما هو الحكومات الشيطانية الظالمة المستبدة، التي تقوم لأجل التسلط ولدوافع دنيوية منحرفة. ” (صحيفة الإمام العربية، ج ٢١، ص ٣٦٦ )، أي، ان الحكومات التي تدعي الإسلام، والدائرة في فلك الأمبريالية الأمريكية والصهيونية، يتوجب الحذر منها، لأنها وكما اتضح شريكة الصهاينة المجرمين، مصاصي الدماء، في محازرهم ضد أبناء غزة المجاهدين، الصابرين، الصامدين. ” ومما يؤسفني له، ان الحد الفاصل بين (الإسلام الأمريكي) و( الإسلام المحمدي الأصيل )، لم يتضح بعد للكثير من الشعوب الإسلامية. ” (صحيفة الإمام العربية، ج ٢١، ص ١١٣). .. وتحول الكثير من أصحاب المنابر في مساجد الدول الإسلامية، وخاصة الدول العربية، إلى وعاظ سلاطين، تقوم عروشهم على جماجم المسلمين، وإباحة أعراضهم وسفك دمائهم … ” وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون .” (الشعراء/ ٢٢٧) … وإن غداً لناظره لقريب.

 

 

المصدر: الوفاق