الاستاذة التربوية فاطمة نصر الله للوفاق:

العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه

إن الآيات القرآنية تحثنا على التعاطي المرن مع الأبناء، حيث أن جوهر العبادة لا يكون بالإكراه والعنف

2023-01-15

الوفاق/ خاص

سهامه مجلسي

تؤثر العبادة بكل انواعها وهي مجتمعة على بناء شخصية الانسان المسلم حيث تؤثر ايجابياً فترتقي هذه الشخصية التي جعلت العبادات سمة بارزة في حياتها الى الصعود للمستوى المتكامل ونعني به التكامل النسبي للانسان والا فمطلق الكمال لا يليق الا بالذي خلق هذه النفس اي الله سبحانه وتعالى، فبالعبادات تتخلص من كل المعوقات التي تمنع سموها وتكاملها ا لاجتماعي واخلاص النفس، في هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الاستاذة التربوية فاطمة نصر الله وفيما يلي نص الحوار:

 

-كيف يمكن ان تنعكس عبادة الوالدين وما هو أثرها على تربية الأبناء؟

العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وإن جميع فرائض الإسلام إذا حرص المرء عليها ورغب فيها بالاندفاع إليها، فإنه بذلك سيجد الفضيلة التي تتوق إليها النفوس، ويأنس للعمل الذي يتفق مع الفطرة التي فطر الله الناس والحياة السعيدة.

لا يختلف اثنان على أهمية العناية البدنية بالأبناء من قبل الوالدين بكافة أبعادها، إذ إن السلامة الجسدية مقدمة لكافة النشاطات الناجحة والانجازات المهمة في حياة الفرد مهما تنوعت واختلفت.

حتى تحقق العناية البدنية أهدافها في حياة الأطفال، فإنه لا يمكن لنا أن نهمل الجانب المعنوي وبالتحديد الروحي، حيث أن هناك العديد من التعليمات التي حثنا عليها الاسلام بالتعاطي مع الاطفال منذ ما قبل الولادة، فقد خص الجنين بنصيب من الاهتمام حيث يستحب للأم الحامل أن تذكر الله تعالى أثناء حملها، فتتلو ما تيسر لها من آيات الله لتهدأ نفسها وتستريح، وهذا من شأنه أن ينعكس هدوءاً وسكينةً على نفس الجنين وحسن نموه وسكون نفسه.

ثم إن اللحظات الأولى من حياة الطفل التي يفتح فيها عينيه على الدنيا، يأمرنا الباري عز وجل على نحو الاستحباب أن نؤذن له في أذنه اليمنى ونقيم له في اليسرى، فيكون ذكر الله تعالى أولى الكلمات التي تخترق مسامعه لتستقر في روحه وقلبه، وليعلم أن الله هو الأكبر من كل ما هو مقبل عليه في أيام حياته القادمة.

هذا الخطاب الإلهي الموجه للطفل الذي ولد للتو، إنما يوجه للإنسان المفطور على وحدانية الله تعالى، وقد وضع الله تعالى فيه كل القابليات التي من شأنها أن تعينه على الاستمرار في السير على كلمة التوحيد التي كانت أول ما تلقفه في حياته.

-مسؤولية الوالد تجاه ولده في رسم خطوط حياته انطلاقاً من كلمة الله

والجميل في هذه السُنّة المباركة أنه يستحب لوالد الطفل أن يقوم بهذا الفعل، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مسؤولية الوالد تجاه ولده من رسم خطوط حياته انطلاقاً من كلمة الله. هذا فضلاً عن العديد من الأسرار التي لا يعلمها إلا الله تعالى.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم من سورة لقمان: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ سورة لقمان /17

إن الآية المباركة أشارت إلى مناداة الوالد لولده بأسلوب رقيق هادئ قبل أن يأمره بالصلاة وهي أصل العبادات، وحتى يأمر الوالد ولده بالصلاة، فلا بد أن يكون مقيماً لها وكذلك الأم، فقوانين التربية لا تسمح للوالدين أن يأمرا أولادهما بفعل ما ويتخلّفا عنه سواءً بالإقدام عليه أو بتركه. والتربية على العبادة تتطلب من الوالدين أيضاً الالتزام بما يطلبان من أولادهما الالتزام به، إذ إن العبادات لا تهمل، والبيوت التي لا يذكر فيها اسم الله هي بيوت خالية من البركة، تفتقر إلى الروح التي هي مصدر كل توفيق وسداد.

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:” ﴿وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها نحن نرزقك والعاقبة للمتقين.﴾ سورة طه/ 132

إن الآيات القرآنية تحثنا على التعاطي المرن مع الأبناء، حيث أن جوهر العبادة لا يكون بالإكراه والعنف، مع العلم أن الوالدين قادران على تقديم العبادة لأبنائهما بأسلوب إيجابي من خلال تأديتهم للعبادة والحفاظ عليها وذلك من خلال:

– الالتزام بالمواقيت المخصصة لكل نوع من أنواع العبادة، والمبادرة إليها إن من حيث الشكل أو المضمون.، فللصلاة مواقيتها والآية القرآنية تقول: «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً»، سورة النساء/ 103، كما أن للصيام أيضاً توقيته الخاص: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً او على سفر فعدة من ايام اخر» سورة البقرة/ 185

– العمل على تحديد مواعيد كافة النشاطات الأسرية وفقاً لمواقيت العبادات وبالتحديد الصلاة، فإما أن تكون بعدها أو قبلها.

– العمل على إشراك الأطفال بهذه العبادات، واعتبارها من المهام الأساسية للأب والأم، فيبادر الأب لاصطحاب أبنائه الذكور معه إلى المسجد، وتعليمهم آداب الدخول إليه والتعاطي معه، من حيث أساليب النظافة والطهارة والوضوء والصوت الخافت واستغلال وقت التواجد بالمسجد بالذكر وتلاوة القرآن والدعاء، كما أن من المفيد جداً ان يعلم الأب أبناءه كيف يتوجهون إلى الله تعالى بالدعاء بمفردهم، ويخبروه بكل أمورهم وحاجاتهم وبالطريقة التي يريدونها، وأنه هو السميع المجيب للدعاء.

– حث الابناء على تعلم أحكام صلاة الجماعة والالتزام بها وتشجيعهم عليها والثناء عليهم بكلمات الرضى والسرور، وإخبارهم أن هذا الفعل هو مرضاة لله تعالى وسبيل لنيل حبه.

– مبادرة الأم للاعتناء بالفتيات وفق برنامج عبادي سواءً في المنزل، أو من خلال اصطحابهن إلى المسجد وفق البرامج المخصصة للنساء.

– حثهن على التقيد بآداب الصلاة كما تم ذكره آنفاً مع الأبناء الذكور.

– إشراك الأبناء بأجواء الصيام سواءً في شهر رمضان أو غيرها من أيام السنة، حيث يستحب الصيام في المناسبات، والاشراك هنا ليس المقصود منه أن يلزم الأبناء بالصيام، بل إنه مجرد اخبارهم أن هذا اليوم يتميز عند الله بأمر ما ويستحب فيه الصيام والدعاء وغيرها من الأعمال، فإن هذا الأمر يعتبر مشاركةً بين أفراد الأسرة جميعاً.

– إضفاء أجواء ذكر الله تعالى في البيت، وذلك في كثير من المحطات اليومية، مع الحرص على تنوع ذكر صفات الله تعالى في هذه المحطات. على سبيل المثال: حين يحضر الأب إلى المنزل فاكهة أو حلوى تستخدم عبارة الحمد لله الرزاق، وحين يمرض أحد أفراد الأسرة  يذكر الله تعالى بـ يا شافي يا معافي، وهكذا… يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الرعد الآية 28: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾.

عن الامام الحسن(ع): ” قال رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا اماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار.

هذه الحادثة التربوية المقدسة، ما هي إلا درس حياتي عبادي متكامل، حين سأل الإمام (ع) أمه فاطمة الزهراء (ع)، فهذا معناه أنه هو أيضاً مستيقظ في ظلام الليل ويشارك الأم العابدة ويرقب حركتها ويستمع إلى كلامها، مع استعداده التام للاستماع لجوابها، وفي هذه الأمور العديد من الدروس، أهمها الاهتمام بالمجتمع الخارجي والمتمثل بالجار ومن باب العبادة.

اقتران العبادة بالعمل الصالح

إن هذا الوقت النوعي الذي يقضيه الطفل مع والديه، والذي تشوبه الأجواء الروحانية الخاصة، لها الأثر البالغ على تنشئة الأطفال تنشئة عبادية متينة وعميقة. هذا بالإضافة إلى اقتران العبادة بالعمل الصالح، إذ إنه لا يصح من المصلي أن يكون هناك أي تناقض ما بين صلاته وعمله لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهنا يمكن للوالدين تبسيط معنى هاتين العبارتين وتمثيلها بالخطأ المحتمل أن يصدر عن الانسان. حيث أن الفحشاء والمنكر ليست من سلوكيات الأطفال، إنما تربية الأهل وحرصهم هي التي تبعد الأبناء عن هاتين الصفتين في مستقبل حياتهم.

إن للإيمان الأثر الأكبر في سلوك الفرد وأخلاقه، وبالتحديد تذكره مراقبة الله تعالى له، وهو السبيل لتزكية النفس وصلاحها، وما العبادة إلا الطريق الأقصر والأسهل للوصول إلى هذه التزكية، وقد فرضها الله تعالى علينا حتى نقبل عليه بالرضى والسرور، وعلى أسلوبنا وطريقتنا في تقديم العبادة للأبناء يتوقف حسن تقبلها منهم.

وهكذا بالصيام الذي تتمثل ثماره بالتقوى، فضلاً عن التدريب النفسي العظيم الذي يتعرض له الأبناء فيعودهم على الصبر والتحمل والاحساس بالفقراء، وغيرها الكثير من القيم والخصال السلوكية الحميدة.

هل الصدقة لها علاقة بالعبادة وما هي اهميتها؟

إن للصدقة والانفاق المساحة الواسعة في وجدان الأهل الحريصين على التربية على العبادة أو العبادة من خلال التربية، فلا شروط في الصدقة للعوام، ولا فرق بين الغني والفقير في النية والاستعداد، الفرق الوحيد فقط في المظهر، وهو حجم المبلغ المالي أو الشيء الذي تم التصدق به، أما في الجوهر فالأمر الوحيد المطلوب من كل الناس هو النية الخالصة لله والابتعاد عن الرياء والسمعة.

لذا فإن تعويد الأهل أبناءهم على الصدقة اليومية حتى ولو كانوا فقراء، من شأنه أن يضفي البركة على أموالهم وحياتهم ويحثهم على الإحساس بالفقير، وليس أجمل من أن يشعر الفقير بالفقير. يقول الله تعالى في كتابه الكريم من سورة البقرة الآية 197: من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له اضعافاً كثيرةً والله يقبض ويبسط واليه ترجعون.

كل الذي تحدثنا يبقى ناقصاً إذا لم يكلله الوالدين بذكر محمد وآل محمد، لا بل الاكثار من الحديث عنهم صلوات الله وسلامه عليهم، وإلا فلن يكون للبيت عنوان ولا هوية.

وذكرهم عليهم افضل الصلاة والسلام غير محدد ببعد أو طريقة، فالسيرة العطرة لهم ومواقفهم وأساليبهم الشريفة والمقدسة في التعاطي مع الناس، إن من الناحية العائلية والاجتماعية أو في المواقف العامة، كل هذه من مسؤولية الوالدين يوظفانها في المواقف التي تتناسب مع كل قصة من قصص حياتهم الشريفة، فتصبح أسماؤهم وسيرة حياتهم  صلوات الله وسلامه عليهم، أنساماً يتنشقها الأبناء في أرجاء البيت.

لا يمكن لنا أن نحصر العلاقة مع الله تعالى وتعويد الأبناء عليها فقط في الفرائض الواجبة، كالصلاة والصيام والحج والزكاة، بل إن العلاقة مع الله تعالى هي أسلوب حياة الفرد المسلم المؤمن السائر على نهج محمد وآل محمد، وبمقدار ما يحرص الوالدان على نقائها وصفائها والالتزام بها كنموذج تربوي، وتقديمها للأبناء على أنها السعادة الحقيقة، بمقدار ما تؤتي ثمارها في حياتهم المستقبلية مهما تنوعت واختلفت.

هنا لا بد من الإشارة إلى أمر ضروري جداً وهو أنه قد يلتبس الأمر على الكثير من الأهل، وهو اعتبارهم أن انخراط أبنائهم بالحياة العامة والعصرية، بما تتضمن من استخدام للتقنيات الحديثة ووسائل التواصل والاهتمام بالحداثة من ألبسة وأطعمة ومستلزمات وأسلوب حياة، قد يكون دليلاً على عدم التزامهم الديني أو ابتعادهم عن كل المعاني التي سبق ذكرها. فالحقيقة غير ذلك على الاطلاق، ففي حديث للإمام علي بن ابي طالب عليه السلام في الحكم المنسوبة اليه انه قال:” لا تقسروا اولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم.

هل الاختلاف في المظهر عند الأجيال الجديدة يعتبر موقفا سلبيا في التدين؟

إن الاختلاف في المظهر عند الأجيال الجديدة أمر طبيعي لا يفسد للود قضية، ولا يحدد مدى التزام أو عدم التزام الأولاد، اللهم إلا إذا تخطت الأمور الحدود الشرعية التي حددها الله، فيما يتعلق بالملبس مثلاً أو قصة الشعر أو استخدام بعض الأدوات الخاصة.

إن كثيراً من الأهل يقدمون العبادة أو الالتزام الديني لأبنائهم بقالب العبوس والتجهم والقسوة، وهذا خلاف سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال فيه الله تعالى في سورة القلم الآية 4 ﴿ وإنك لعلى خلق عظيم﴾. والخلق العظيم يعني الحكمة والمرونة والتفهم والصبر على التعاطي مع الآخر، لا بل السعي لتقديم النموذج الأصلح له.

حين يلتفت ويعلم كل من الوالدين أنه على أسلوب التواصل الكلامي وغير الكلامي يتوقف نجاح النتائج التي يرغبون أن تتحقق بشخصيات أبنائهم، وإلا فلن يكون مستغرباً أن يبني الأبناء موقفاً سلبياً من التدين أو الالتزام الديني جراء القسوة أو السلبية التي تعاطى بها الوالدين معهم، فيبحثون عندئذ على أشخاص آخرين يقدمون لهم الابتسامة والمرونة التي لا يعرف الا الله تعالى ماذا تخفي وراءها.

إن العيش في رحابة الله من أسباب سعادة المرء، وسعيد من يتقن الدخول إلى رحابة الله تعالى وأن يدخل أبناءه معه فيتحول البيت إلى روضة من رياض الله.