في السنوات الأولى من عمر الإنسان تتشكل ملامح شخصيته، وتنغرس بذور صفاتها الأساسية لذلك يسمي خبراء التربية هذه السنوات بالسنوات التأسيسية، وفي تلك السنوات لا أحد أقرب إلى الطفل وأشد التصاقاً به من الأم، وبذلك تكون هي الجهة الأكثر تأثيراً في تشكيل شخصيته و صناعتها.
ويتيح لها الارتباط العضوي والنفسي بينها وبين الطفل أكبر فرصة للتأثير، فهو في الأساس جزء منها، تكّون في أحشائها، وتغذّى من دمها، ثم ينشأ في حضنها، وينمو جسمه من لبنها، فمن الطبيعي أن تتعلق به، وأن ينشدّ إليها، هذه العلقة الخاصة،والانشداد الوثيق، هي التي تجعل بيد الأم أدوات الرسم والتشكيل لشخصية الولد. وعلى صعيد توفير البدائل والخيارات فإن من الواضح وجداناً وتجربة أن لا أحد يملأ مكان الأم، ولا يستطيع تقمّص دورها المتميّز.
فالأمومة هي الوظيفة الأرقى، والأم التي تحسن أداء هذه الوظيفة، لا يمكن تثمين دورها بأي ثمن، ولا تحديد أجرها بأي مقابل، وكل إنسان مطوّق بفضلها، ومهما عمل وقدم لأمه فلن يستطيع مكافأتها. قال رجل لرسول الله :إنّ والدتي بلغها الكبر وهي عندي الآن أحملها على ظهري، واطعمها من كسبي، واميط عنها الاذى بيدي، وأصرف عنها مع ذلك وجهي استحياءً منها وإعظاماً لها، فهل كافأتها؟ قال:” لا لأن بطنها كان لك وعاء وثديها كان لك سقاء، وقدمها لك حذاء، ويدها لك وقاء، وحجرها لك حواء، وكانت تصنع ذلك لك وهي تتمنّى حياتك، وأنت تصنع هذابها وتحبّ مماتها.
ومن المؤسف جداً ما تعيشه أغلب المجتمعات في هذا العصر، من إعلاء شأن الاهتمامات المادية والشهوانية، على حساب النوازع الإنسانية النبيلة، حيث ترّوج بعض الأفكار والتصورات التي تقلّل من قيمة دور الأمومة وتستخف به، في مقابل الإشادة بالأعمال الوظيفية الأخرى، التي تُدفع المرأة للقيام بها، وأصبحن بعض النساء يشعرن بالهامشية والتخلف والخجل، إذا كان دورهن متركزاً على القيام بمهمة الأمومة، بينما الوظيفة الأخرى مدعاة للفخر والإعتزاز.
إنه لا مانع من عمل المرأة في أي مجال من مجالات الحياة، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب دور الأمومة، ولا يصح أبدا أن يستهان بقيمة هذا الدور.
إنّ الضعف والتقصير في أداء مهام الأمومة، ينعكس سلباً على شخصيات ونفسيات الجيل القادم. فلا بد من تعبئة وتوعية واسعة، تعيد هذه الوظيفة إلى مركز الصدارة في اهتمام إمرأة اليوم.
التربية الصالحة
إلى جانب إغداق الحنان والعطف، وتقديم الرعاية اللازمة للطفل، يجب أن تهتم الأم بغرس بذور الاستقامة والصلاح في نفسية وليدها، وأن تسعى لإعداده للرقي في مدارج الكمال، إنها بسلوكها وسيرتها تستطيع أن تكون نموذجاً يحرص أبناؤها على الاحتذاء به، ومحاكاته، فاهتمامها بالمعرفة، والتزامها بالخلق القويم، وأداؤها للواجبات الدينية، يخلق في نفوس أبنائها نفس هذه التوجهات، ويدفعهم للأخذ بها.
كما أن محادثة الأم مع الأبناء، وتقديمها النصائح والإرشادات، وشرح حقائق الحياة ومعادلاتها لهم بلغة واضحة رقيقة، يسهم كثيراً في بناء شخصياتهم الواعية الناضجة.
الوفاق