إن خطط محمد بن سلمان الطموحة لتحويل المملكة العربية السعودية من مجتمع تقليدي وعالم ثالث، يحكمه تصدير المواد الخام، وخاصة النفط، إلى دولة حديثة وصناعية ومتطورة بالكامل، حلم يتلخص في تجلياته المثالية والمخططة في وثيقة الرؤية السعودية 2030. وفقًا لوثيقة المنبع هذه، في عام 2030، أي في أقل من 8 سنوات، ستنهي المملكة العربية السعودية تمامًا اعتمادها الاقتصادي على النفط وستصبح أول قوة اقتصادية في المنطقة وأحد المراكز الصناعية المتقدمة في العالم.
مؤخرًا، في اجتماع تعاون إقليمي مع بعض رؤساء الدول الآخرين، قال ابن سلمان إن مثل هذه الرؤية الطموحة يمكن تصورها لدول عربية أخرى في المنطقة أيضًا. هذا النوع من المثالية، الذي صاحبه تطبيق بعض الحريات الاجتماعية وإضعاف الفكر الديني الجاف الذي ساد في هذا البلد خلال السنوات الأولى لولاية عهد بن سلمان، تسبب في دفع جيل الشباب السعودي للترحيب بهذه التغييرات، واعتمد ابن سلمان على دعم هذه الفئة من المجتمع، ثم التحول إلى ترسيخ قواعد سلطته وقمع المعارضة. إلا أن الوضع الاقتصادي والتنموي الذي تم عرضه على المجتمع والرأي العام بالعديد من الإعلانات الفاتنة مثل إقامة مهرجانات الرقص والغناء الفني لأول مرة في المملكة العربية السعودية بمشاركة أبرز المطربين الأمريكيين والأوروبيين، أصبحت سراباً وغير واقعية بمرور الوقت. بعد 5 سنوات من خطة رؤية المملكة العربية السعودية 2030، حيث مر ثلث الوقت المتبقي، لم يتم تقليص السياسة المعتادة لمبيعات النفط والاعتماد الكامل على عائدات النفط فحسب، بل أصبحت بسبب الإنفاق المتهور والدعاية أكثر بكثير من ذي قبل.
حتى عام 2021 كانت عائدات النفط تشكل 73٪ من إجمالي إيرادات الحكومة لكنها الآن أكثر من 82٪ من إجمالي الصادرات، وأهم عامل يحدد النمو الاقتصادي في هذا البلد هو سعر وكمية الصادرات النفطية، لذلك إنه مع ارتفاع سعر النفط في الأسواق، بلغ النمو الاقتصادي العالمي في الربع الثالث من عام 2022 8.6 في المئة، وهو أعلى معدل نمو اقتصادي في العقد الأخير لهذا البلد.
وحسب قناة الجزيرة، بلغ نمو القطاع النفطي في الربع الأول من عام 2022 20.4 بالمئة، حسب الهيئة السعودية للإحصاء، فيما بلغ نمو القطاع غير النفطي 3.7 بالمئة فقط مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
إن أفضل مثال على حلم محمد بن سلمان للمجتمع السعودي هو مشروع “نيوم” الضخم بميزانية تبلغ 500 مليار دولار، يرى محمد بن سلمان أن نيوم تمثل واجهة لخطط الإصلاح الخاصة به وإدخال ازدهار الاقتصاد السعودي، الأمر الذي سيحول الاقتصاد السعودي ويشكل منصة لتطبيق أحدث التقنيات في المملكة العربية السعودية في الحياة اليومية. وهو مشروع يعتبر بوابة السعودية للانضمام إلى دول العالم المتقدمة.
تتضمن المدينة، بناءً على الخطط الأولية والنهائية، مصاعد تطير بطريقة ما في السماء، ومطارًا فضائيًا حضريًا، ومباني على شكل سكة حديدية مزدوجة على طول بعضها البعض، والتي من المفترض أن تستوعب ملايين الأشخاص.
يقع الموقع المختار لهذه المدينة في شمال غرب المملكة العربية السعودية، والذي يبدأ من الصحراء الحارقة لساحل البحر الأحمر ويمتد إلى المناطق الجبلية. تصل درجات الحرارة في تلك المنطقة الصحراوية في الصيف إلى أكثر من 100 درجة فهرنهايت ولا توجد مياه عذبة تقريبًا.
ومع ذلك، وفقًا لمحمد بن سلمان ومستشاريه، فإن هذا المكان سيصبح قريبًا موطنًا لملايين الأشخاص الذين يعيشون في وئام مع البيئة، ويعتمدون على محطات تحلية المياه وشبكة كهرباء الطاقة المتجددة بالكامل.
لكن في غضون ذلك، وفي تقرير خاص عن تقدم وسير المشروع، نشرت بلومبرج بعض النتائج الصادمة حول مستوى انفاق رأس المال السعودي في بئر خيالي.
وفقًا للتقرير، على الرغم من مرور خمس سنوات على بدء المشروع، فإن إخراج نيوم من عالم الخيال العلمي يمثل تحديًا كبيرًا، حتى بالنسبة للحاكم المطلق الذي يتمتع بإمكانية الوصول إلى صندوق ثروة يبلغ 620 مليار دولار.
وفقًا لأكثر من 25 موظفًا حاليًّا وسابقًا في المشروع تمت مقابلتهم من أجل التقرير، إضافة إلى 2700 صفحة من المستندات الداخلية، واجه المشروع مشاكل كبيرة، ينبع الكثير منها من صعوبة تنفيذ أفكار بن سلمان الخيالية، حيث إن العشرات من موظفي المشروع الرئيسيين استقالوا.
في إحدى المناطق، كانت الجهود المبذولة لنقل السكان الأصليين لموقع نيوم، الذين عاشوا هناك لأجيال، مزعجة للغاية، وتحولت في بعض الأحيان إلى نزاعات مسلحة دموية.
وفقًا لتقرير بلومبرج، على الرغم من عدم وجود تقدم في نيوم ولم ينتج عنه نفقات ضخمة للشعب السعودي، فقد أصبح هذا المشروع فرصة عمل خاصة لتوظيف المهندسين المعماريين والمستقبليين الدوليين وحتى استوديوهات الإنتاج في هوليوود، إلا أن البعض يعتقد بشدة أنه لن يتم استخدامها أبدًا، فهم يحصلون على نصيب من الثروة النفطية السعودية.
يتقاضى بعض المديرين التنفيذيين من المستوى المتوسط والكبار في الخطة رواتب معفاة من الضرائب تتراوح بين 700 ألف دولار إلى 900 ألف دولار مع مجموعة واسعة من المزايا الأخرى، أي أكثر من 20 ضعف متوسط الراتب في المملكة العربية السعودية.
تسبب الوضع غير المعروف للمشروع في قيام الحكومة بممارسة ضغوط ورقابة شديدة على المعلومات الواردة من المشروع، ونتيجة لذلك، وبسبب الخوف من العقاب، قلة من الناس على استعداد للحديث عن حقائق هذا المشروع. تم سجن موظف سابق واحد على الأقل انتقد المشروع في المملكة العربية السعودية.
يقول آندي ويرث، المخرج الأمريكي الذي عمل في نيوم عام 2020، عن المشروع: “لم أكن الوحيد الذي أدرك أنه مشروع زائف في أحسن الأحوال. “ما هناك هو الانفصال التام عن الواقع.”
من ناحية أخرى، تخصص المملكة العربية السعودية، التي تعد من أهم العملاء في أسواق الأسلحة العالمية، جزءًا كبيرًا من ميزانيتها لشراء الأسلحة كل عام.
دفع ذلك ابن سلمان إلى وضع خطة طموحة أخرى لتحقيق الاستقلال الدفاعي والاكتفاء الذاتي في إنتاج المعدات العسكرية. شعار لم يقترن بأي نجاح كبير حتى الآن، باستثناء إقامة عدد قليل من معارض الأسلحة التي تُظهر تجميع المنتجات النمطية لمصانع الأسلحة الأفريقية في السعودية.
إن ما ذكرته الإدارة العامة للصناعات العسكرية في المملكة العربية السعودية على أنه إنجاز لخمس سنوات كان مجرد مشاريع إنتاج عسكري، معظمها لم يدخل خط الإنتاج ولا يخدم في القوات المسلحة السعودية، ومن أبرزها:
1 – إنشاء مصانع تصنيع الطائرات دون طيار
2- توطين صناعة القوارب عالية السرعة
3- إطلاق صناعة الذخائر الموجهة سطح-جو
4- إنتاج نظام المراقبة الكهروضوئية “زرقاء اليمامة”
5- إنتاج مركبات الكشف والمساندة الخاصة “الدهناء”
6- الموافقة على خطة توطين منظومة الدفاع الجوي.
7- إنتاج برامج إذاعية.
8- إنتاج الملابس الخاصة والقبعات والمعدات للغواصين.
وبالطبع نفس المعدات المعلنة في بعض الأحيان لم تؤت ثمارها، على سبيل المثال، تم عرض سيارة “الدهناء” لأول مرة في الجناح السعودي في معرض الدفاع الدولي في أبو ظبي “آي دي إكس 2019”.
قال مسؤول في صناعة تصنيع المعدات المدرعة والثقيلة السعودية، إن السلسلة الأولى من هذه السيارة سيتم تسليمها لوحدات الأمن السعودية خلال النصف الأول من عام 2021، لكن لم يتم الإعلان عن أي أنباء عن إنتاج السيارة بعد ذلك. في الواقع، مثل معظم وعود بن سلمان الطموحة، أصبحت الإنجازات والخطط العسكرية في الغالب دعاية.
في خضم هذه الإخفاقات، أدرك بن سلمان جيدًا أن سياسة بيع الوعود الكبيرة والخيالية للآخرين قد فقدت فعاليتها في الماضي، وبالتالي عليه أن يتخذ طرقًا أخرى لتحويل ذهن الجمهور عن الانتباه من خلال الإجراءات البارزة على الساحة الدولية، التي سوف تلفت انتباه العالم إليه، حيث كان انتقال كريستيانو رونالدو المثير للجدل إلى النصر بعقد فلكي حطم الرقم القياسي الدولي في الانتقالات خطوة كبيرة.