شاعر الدين والمقاومة "مرتضى حيدري آل كثير" يتحدث للوفاق

أحزان تمطر الشعر.. في رثاء النبي الأعظم(ص) وسبطيه الحسن المجتبى والرضا(ع)

خاص الوفاق: آل كثير: إذِ انبَجَسَ القصيدُ بدمعةِ استسقاءِ / إن صُغتُ غیمةَ فکرَةٍ أمطَرتَها/ حُبّاً وجوديّاً... یَزیدُ ظَمائي / ليَ أن أَصُبَّ قصیدةً/ من حبرِ روحِيَ/ کي أُرَتّلَها بلحنِ بُکائي..

2024-08-31

موناسادات خواسته

 

شهرا محرم وصفر، شهرا الحزن والرثاء، حيث فقدنا في شهر محرم الحرام الإمام الحسين(ع)، وفي شهر صفر فقدنا النبي(ص) وسبطيه الحسن والرضا عليهما السلام، ونحن على أعتاب ذكرى أليمة وهي وفاة سيد المرسلين محمد بن عبد الله(ص) وشهادة سبطه الإمام الحسن المجتبى(ع) التي تصادف يوم الإثنين القادم الموافق 28 من شهر صفر المظفر وكذلك استشهاد الإمام الرضا(ع) في يوم الأربعاء القادم 30 صفر، وبهذه المناسبة نتطرق إلى الشعر الديني والرثاء في أهل البيت(ع)، وبعد ذلك نقدّم لكم الحوار الذي أجريناه مع الشاعر الديني السيد “مرتضى حيدري آل كثير” الذي حصل على عدة جوائز دولية ومحلية في مجال الشعر.

 

الشعر الديني والرثاء

 

الشعر الديني هو الشعر الذي يتحدث عن الأمور الدينية والروحية والقيم الإيمانية والإلهية. والرثاء لغةً هو البكاء على الميت وذكر محاسنه، وخصاله الحميدة، وذكر ما يتركه فقد الميت في القلوب من حسرة وحزن وفزع.

 

عرف الشعراء العرب الرثاء في عصور ما قبل الإسلام وما زال حتى وقتنا الحالي، حيث كان الرثاء من أغراض الشعر الأساسية عند العرب، إذ نظم فيه معظم الشعراء لما له من وصف صادق لعمق العلاقات الإجتماعية.

 

يعتبر شعر الرثاء من أصفى وأعمق أنواع الشعر العاطفي، إذ إنّه يتناسب مع النفس الإنسانية، وذلك لأنّه يعبّر عن المشاعر التي يكنها الأديب في قلبه، فهي نابعة من القلب، كما أنّه كلما كانت صلة الشاعر بالميت كبيرة زادت قوة وصدق القصائد الرثائية.

 

حقيقة ينطبق القول المشهور الذي رواه الجاحظ عندما سأل أحد الشعراء: “ما بال المراثي أجود أشعاركم؟”، فقال: “لأننا نقول وأكبادنا تحترق”.

 

فهذه المراثي هي مصداق للمراثي التي أفرزها الألم والمصاب الجلل، وقد تميّزت هذه الأشعار التي تقطر حزناً على فاجعة وفاة النبي(ص) واستشهاد سبطيه الإمام الحسن المجتبى والإمام الرضا عليهما السلام، فالتفجّع فيها صدر عن قلوب ولهى وعبرات حرى، واستذكار المآثر العظيمة والصفات النبيلة التي تحلى بهم عليهم السلام كانت تزيد من حرقة الألم وحرارة اللوعة فقد وجد الشعراء فيه ما يفوق الصفات البشرية من المعاني السامية فكان ذلك مصدراً ومنبعاً لهم ليستقوا منه.

 

رثاء النبي الأعظم(ص)

 

لقد كان النبي محمّد(ص) نوراً كلّه، وخيراً كلّه، ورحمةً كلّه، ورسالةً وخلقاً ليس فوقه خلق. وعندما نقف على ذكرى وفاته، فإنّنا نتذكر الهمّ الكبير الذي كان يشغل باله، ولذلك إنطلق ليوصي، لا بمالٍ يورّثه، ولا بدنيا يمنحها أقرباءه، بل بالإسلام.

 

لقد رسم الرسول(ص) للناس جميعاً طريق السعادة الحقيقية وضمن لهم الوصول إليها من خلال التمسّك بأصلين أساسيّين لا غنى لهما بأحدهما دون الآخر وهما الثقلان، ورثاه الشعراء رثاءاً حزيناً، فمن أشهرها قصيدة “حسان بن ثابت”، حيث قال في رثاء الرسول الأعظم(ص):

 

بطيبة رسم للرسول ومعهد

منير وقد تعفو الرسوم وتهمد

ولا تمتحي الآيات من دار حرمة

بها منبر الهادي الذي كان يصعد

وواضح آيات وباقي معالم

وربع له فيه مصلى ومسجد

بها حجرات كان ينزل وسطها

من الله نور يستضاء ويوقد

معارف لم تطمس على العهد آيها

أتاها البلى فالآي منها تجدد

عرفت بها رسم الرسول وعهده

وقبرا بها واراه في الترب ملحد

ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت

عيون ومثلاها من الجفن تسعد

يذكّرن آلاء الرسول ولا أرى

لها محصيا نفسي فنفسي تبلد

مفجعة قد شفها فقد أحمد

فظلت لآلاء الرسول تعدد

وما بلغت من كل أمر عشيره

ولكن لنفسي بعد ما قد توجد

أطالت وقوفاً تذرف العين جهدها

على طلل القبر الذي فيه أحمد..

 

رثاء الإمام الحسن المجتبى(ع)

 

استشهد الإمام الحسن بن علي عليهما السلام في 28 صفر وهو ابن سبع وأربعين سنة، حيث أقام مع جده رسول الله(ص) سبع سنين، ومع أبيه بعد وفاة جده بثلاثين سنة، وبعد وفاة اميرالمؤمنين(ع) عشر سنين، واستشهد مسموماً على يد زوجته جعدة بنت الأشعث الكندي بأمر من معاوية بن أبي سفيان.

 

وقال السيد رضا الموسوي مفتتحاً قصيدته في رثاء الإمام الحسن المجتبى (ع):

 

يا دمع سحّ بوبلك الهتن

لتحول بين الجفن والوسن

كيف العزاء وليس وجدي من

فقد الأنيس ووحشة الدمن

بل هذه قوس الزمان غدا

منها الفؤاد رميّة المحن

واستوطنت قلبي نوائبه

حتى طفقت أهيم في وطني

وأذللت دمعاً كنت أحبسه

وأصون لؤلؤه عن الثمن

ما الصبر سهلاً لي فأركبه

فدع الفؤاد يذوب بالحزن..

سمّاً يقطّع قلب فاطمة

وجداً على قلب ابنها الحسن

وهوى شهيداً صابراً فهوت

حزناً عليه كواكب الدجن

الله من صبر الحسين به

حاطت ذوو الأحقاد والضغن

واراه والأرزاء مورية

بحشاه زند الهمّ والحزن

ودعا وأدمعه قد انحدرت

من أعين نابت عن المزن

أيطيب بعدك مجلس لي أم

عيشي الهنيّ وقد فقدت هني

أفديك من ثاو بحفرته

مستودع في الأرض مرتهن.

 

رثاء الإمام الرضا(ع)

 

يصادف يوم الأربعاء القادم الموافق 30 صفر ذكرى استشهاد الإمام الرضا(ع)، الإمام الرؤوف ومعين الضعفاء الذي استشهد في نهاية هذا الشهر بمدينة مشهد المقدسة، وهو ثامن أئمة أهل البيت(ع)؛ ومن مكارم أخلاقه عليه السلام أنه ما جفا أحداً بكلامه ولا قطع على أحد كلامه وما رد أحداً في حاجة يقدر عليها ولا مد رجله بين يدي جليسه ولا شتم أحداً من مواليه ومماليكه وخدمه، وكان إذا نصب مائدته أجلس عليها مواليه وخدمه حتى البواب والسائس، وكان يدعو إلى التمسك بمكارم الأخلاق من خلال نشر أحاديث الرسول الأكرم(ص) التي ترسم للمسلمين المنهج السلوكي السليم.

 

استشهد الإمام الرضا(ع) في قرية يقال لها “سنا آباد” مسموماً بسم دسّه له المأمون في العنب قدّمه إليه. ودفن في دار حميد بن قحطبة في المكان الذي فيه الرشيد إلى جانبه مما يلي القبلة كما جاء في عيون أخبار الرضا للصدوق رحمه الله.

 

ورثاه شاعر أهل البيت(ع) دعبل الخزاعي بكلمات محرقة في قصيدة تحت عنوان “تأسَّفَتْ جَارتي لمـّا رَأْتْ زَوَري”، جاء فيها:

 

أرْبِعْ بطُوسٍ عَلَى قَبرِ الزكيِّ بِها

إنْ كنتَ تربعُ منْ دينٍ على وطرِ

قبرانِ في طُوسَ: خيرُ الناسِ كلِّهُم

وقَبْرُ شرِّهُم، هذا مِن الْعِبَرِ!

ما ينفعُ الرجسَ منْ قربِ الزكيَّ، وما

على الزكيَّ بقربِ الرجسِ منْ ضررِ

هيهاتَ كلُّ امرىء ٍ رهنٌ بما كسبتْ

له يَدَاهُ، فَخُذْ مَا شِئْتَ أَو فَذَرِ.

 

آل كثير: الشعر الديني يعطي عمقاً للثقافة الدينية

 

 

وفي ذكرى هذه الحادثة الأليمة إغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع شاعر الدين والمقاومة السيد “مرتضى حيدري آل كثير” الذي ولد في أهواز وحصل على ماجستير الأدب الفارسي، وهو عضو مجمع شعراء العرب في ايران، وينشد الشعر باللغتين العربية والفارسية، نشر ۹مجموعات شعرية منها: فوهة بندقية في الريح، الشمس ملتفة بعبائك، جئت متأخراً أيها الربيع، ظمأُ الغيم، باقةُ وردٍ للحرية، وغيرها، كما أنه شارك في عدة مهرجانات شعرية وحصل على عدة جوائز، منها: جائزة النبي(ص) العالمية في ايران، جائزة مهرجان فجر الدولي للشعر في طهران، جائزة شاعر الحسين العالمية في 2024، الرتبة الثانية في مسابقة ام البركات العالمية للعتبة العباسية، وضمن الفائزين بمسابقة الجود العالمية في ٢٠٢٣.

 

فعندما سألناه عن رأيه حول أهمية الشعر الديني ورثاء أهل البيت(ع)، هكذا رد علينا بالجواب: في رأيي يجب أن ننظر إلى ذلك بما يتماشى مع أهمية الشعر، لأن أهمية الشعر يمكن النظر إليها من وجهة نظر أن الشعر في الحقيقة خلاصة حكمة وثقافة وعادات أمة وشعب، وبطبيعة الحال، نحن العرب والمسلمين، من أهم اهتماماتنا وعاداتنا هي حب أهل البيت(ع) وخاصة النبي(ص)، وهذا الإيمان وهذا الحب يمكن رؤيته حتى في تفاصيل حياتنا وأسلوب حياتنا، وعندما تتحدث القصيدة عن حب أهل البيت(ع) ورثائهم، يمكن القول إنها تشير في الحقيقة إلى نقطة مهمة وبارزة تتعلق بالأمة، وهي التي تعطيها العمق.

 

فمثلاً عندما أتحدث عن شجاعة الإمام علي(ع) فإنني في الواقع أتدرب على أن أكون شجاعاً، وعندما أتحدث عن مظلومية الإمام الحسين(ع) فإنني أحذّر نفسي من الإعتياد على الظلم وأن أقف دائماً في وجه الظالم وأكون عوناً للمظلوم.

 

وهذه تؤثر بشكل غير مباشر على القارئ، لذلك الشعر الشعائري والديني مؤثر ومهم جداً بمعنى أنه يمكن أن يعطي عمقاً للثقافة الدينية ويذكّر الجمهور بكل الصفات الحميدة، والتأسي بأهل البيت(ع)، ويمكن أن يكون مؤثراً ومهماً جداً بمساعدة أهل البيت (ع).

 

الإبداع في الشعر الديني المعاصر

 

وفيما يتعلق بتغيير الأشعار الدينية على مرّ العصور، قال آل كثير: مع مرور الزمن، نشهد أن الشعر يصبح أفضل مما قبله يوم بعد يوم، وتزامناً مع الشعر نفسه نشهد التطور فيه، وبهذا المعنى، يمكننا أن نرى أن شعراء الشعر الديني قاموا بإنشاد المزيد من الشعر من حيث الكمية، على أي حال، كتابة المزيد من الشعر تخلق سلسلة من المساحات الجديدة والحديثة التي تتزامن مع الإبتكارات والإبداعات التي يصنعها الشعراء، والشعر الديني يقترب من لغة الجمهور العامية ويتناول تفاصيل أكثر، كذلك بروزه في مجال الفكر، واكتساب اللغة وغيرها هي من الأمور التي يمكن العثور عليها في الشعر والأدب الديني المعاصر.

 

ويمكن القول أنه مع الإعتماد على التراث الأدبي وعلى كِبارنا في الشعر الديني؛ يواجه هذا النوع من الشعر، اليوم، إبداعات تستحق التأمل.

 

قصيدة “عُشّ یلوذُ بسدرةِ الأسماء”

 

وأخيراً حول إنشاد شعر عن النبي الأعظم(ص) قال آل كثير: نعم، كتبت عدة قصائد عن النبي الأعظم(ص)، كل منها لها قصتها الخاصة، وقد كتبت قصيدة “عُشّ یلوذُ بسدرةِ الأسماء” منذ عام تقريباً، وهي مدح النبي(ص)، وفي النهاية التوسل به، وهي:

 

متجذّرٌ بعقوبَةِ الغبراءِ
أبني علی لُغةِ المدیحِ سمائي
الشوقُ أذّنَ في دمي میقاتَهُ
و أقَامَ في عيني صلاةَ الماءِ
لأصوغَ من وجهِ الصباحِ قصیدةً
تطغی علی وثنيّةِ الشعراءِ
شمسٌ ستولَدُ
من جبینِ شقائيَ الضوئيِّ
أَغسِلُها بماءِ حیائي
حاولتُ فهمَکَ… خِلتُ قلبيَ هُدهُداً
قد تاهَ في سبأٍ من الأنباءِ
لمحمّدٍ فالبوحُ أودَعَ قلبَهُ
عُشّاً یلوذُ بسدرةِ الأسماءِ
هل کانَ یشربُ صوتَهُ
المعنی
إذِ انبَجَسَ القصيدُ بدمعةِ استسقاءِ
إن صُغتُ غیمةَ فکرَةٍ أمطَرتَها
حُبّاً وجوديّاً… یَزیدُ ظَمائي
ليَ أن أَصُبَّ قصیدةً
من حبرِ روحِيَ
کي أُرَتّلَها بلحنِ بُکائي
ما کنتُ في هذا الوجودِ و حُبُّهُ
قد صُبَّ في قلبي و فاضَ إنائي
کلماتيَ الغرقیَ
تُنادي بحرَهُ المُتَدَفّقَ
المُتَبَعّدَ المُتنائي
من أینَ أُخلَقُ شاعراً
يدهُ السماءُ
و حبرهُ نهرٌ من الإیحاءِ
هو ذلک الحُلُم الذي ببریدِهِ
نفضَ السلاسِلَ عن یَدِ الضُّعَفاءِ

ما رامَ أن ینوي لمقعدِ صدقِهِ
الّا وقد فرشَ الضیا بحراءِ
نظرَ ابتهالاً للسماءِ لکي یری
ما لایُری من بهجةٍ و لقاءِ
ألقی الظلامُ علی الغیابِ عَرائَهُ
هَرَباً من النّبويّةِ البیضاءِ
في عينهِ قمرٌ يسبّحُ…وجههُ
سبحان من سواهُ نبعُ بهاءِ
تتلفتُ الأكوانُ تحصدُ قُبلَةً
من وجهِ تلك الطلعةِ الغراءِ
و هوت جباهُ الفرقدينِ لتستقي
من راحتیهِ …سجینَةَ الأضواءِ
قد جاء من أقصى الحنانِ محمَّلاً
بالغيثِ يوقدُ قُبلةَ الصحراءِ
والغیمُ موغلةً بکفِّ عطائهِ
خفضَت جناحَ الذُلِّ للسقّاءِ

یا تارکاً وَشمَ السماءِ علی الثری
توّجتَها بخُطیً من الإسراء
و کم ادّخَرتَ دموعَ حِلمِکَ في الکری
و نثرتَها نجماً علی الفقراءِ
آتي الیکَ کمن تعَثَّرَ عقلُهُ
و هواکَ ظلَّ یقودُهُ لضیاءِ
و مشیتُ باسمکَ في المسافَةِ نجمةً
تمشي لمصرعها علی استحیاءِ
حسبي علی قلمي یُبَلِّلُ ریقَهُ
بالمیمِ حینَ یذوقُ شهدَ الحاءِ

حتی اذا سکَبَ المجازُ بریقَهُ
سأُفیق في غارٍ من الإصغاءِ
هبني الخلاصَ من “الأنا”
حتى أراكَ
وانتَ مافوقَ احتمالِ الرّائي
وكنجمةٍ هزّت بجذعِ خيالها
هبني اندلاعَ الضوءِ في الظلماءِ.

 

المصدر: الوفاق/ خاص