بمناسبة رحيل الشاعر والأديب اللبناني الكبير

“جورج شكّور” مؤلف الملاحم الثلاث المحمدية والعلوية والحسينية

علی الضَّمیرِ دَمٌ کالنَّار مَوَّارُ.. إنْ یُذْبَحِ الحَقُّ، فالذُبَّاحُ کُفَّارُ.. دَمُ "الحُسینِ(ع)" سَخِیٌّ في شَهادتِه.. ما ضَاعَ هَدْراً، به للهَدی أنوارُ..

2024-09-07

الوفاق/ إنتقل إلى رحمة الله فجر يوم الثلاثاء 3 أيلول/سبتمبر “جورج حنا شكّور”، أحد أبرز أدباء وشعراء لبنان المعاصرين، محب لأهل البيت(ع)، رجل مسيحي يبلغ من العمر 90 عاماً، ومحب لسيد الشهداء(ع). وبسبب كبر سنه دخل في غيبوبة لفترة طويلة وتوفي وسط حزن عائلته وأقاربه.

 

نظّم “جورج شكّور” قصائده المحمدية والعلوية والحسينية ونشرها في إطار ثلاث ملاحم رائعة وفريدة من نوعها، وكان يتلوها وهو يزأر ويعبّر عن حبه وإخلاصه لمحبه من كل قلبه، وبعذوبة ديوانه “ملحمة الحسين(ع)” وأشعاره الرائعة وقراءته الملحمية كان يحدث ضجة.

 

هذا الشاعر المسيحي الشهير في ديوانه الأخير أي “ملحمة الرسول(ص)” وهي ملحمة تاريخية ذات منهج حديث، خالية من التخيلات السيئة وغير المجدية، تقدّم التاريخ دون تحيز، فالشاعر لشدة تعلقه وانبهاره للإمام علي(ع) وسيدالشهداء(ع) يصف بوضوح وحماس رحلته إلى النجف الأشرف وكربلاء المقدسة وزيارة مراقد هؤلاء النبلاء ويعتبر نجاحه في مدح أهل البيت(ع) بسبب فضل الله وعونه، ويخاطب النبي(ص) في بداية حديثه ويقول:

 

رسولُ اللهِ، ألْهَمَني کَلاماً کَمِثْلُك حینَ  ألْهَمَكَ العَليُّ

غَداً سَیُقالُ بَعْدي طابَ شِعْرٌ بهِ مَدْحُ النُبوَةِ عیسوي

 

كما روى جورج قصصاً عن الإمام علي(ع) الذي بالإضافة إلى كونه استثنائياً، فهو رجل في قمة البلاغة في الأدب العربي، واعتبره رجلاً عظيماً من عجائب التاريخ. شكّور منذ كان طالباً كان مفتوناً بنهج البلاغة.

 

وكان حبه الذي لا نهاية له للإمام الحسين(ع) مفاجأة أخرى؛ لدرجة أنه كان يقول دائماً منذ شبابه إلى شيخوخته: لو عشت في عهد الإمام الحسين(ع) لسارعت إلى نجدته واستشهدت معه في صحراء كربلاء، وأن الإستشهاد مع الإمام الحسين(ع) هو شرف عظيم أتمنى أن أحصل عليه.

 

ذكرتني الأبيات التالية بذلك اليوم الذي أنشد فيه هذا الكاتب القوي شعره بملحمة لا توصف وبصوت واضح كرادود وشاعر أهل البيت(ع)؛ كان يقرأ الأبيات كأن مئات الأشخاص موجودون في مجموعتنا ويستمعون إليه ويجلسون في مجلس إنشاد أشعاره الرائعة. وفي النهاية، قال لي جورج: “يجب أن يكون ديوان الحسين(ع) هذا في بيت كل إيراني”.

 

علی الضَّمیرِ دَمٌ کالنَّار مَوَّارُ

إنْ یُذْبَحِ الحَقُّ، فالذُبَّاحُ کُفَّارُ

دَمُ “الحُسینِ(ع)” سَخِیٌّ في شَهادتِه

ما ضَاعَ هَدْراً، به للهَدی أنوارُ

وللشَّهادة طَعمٌ لم یَذُقْهُ سِوَی

الشُّمِّ الأُلَی أقْسَمُوا،إنْ یُظلَمُوا ثارُوا…

 

ودَّع أحباء جورج شكّور إلى “مثوى عائلته الأبدي” يوم الأربعاء، والذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن “موطنه الدنيوي”؛ نفس المكان الذي يزينه حجر مرقد جورج بأبيات شعره الأصلية بأمر منه، حتى يتذكر المشيعون هذا الخطاب النبيل والمفيد والمليء بالعقل الذي:

 

کُن بِنا قَبْرَنا حَنوناً رؤوفاً

ما أشَدّ الظَلامَ تَحْتَ التُرابِ!

لَمْ تَسَعْنا الأقطارُ طولاً وعَرْضاً

کَیْفَ نحیا في ظُلْمَةٍ وأکُتِآبي؟!

إنني خالِدٌ بِذِکري وشِعْري

وفِعالي وفي قُلوب صِحابي

هذهِ سُنةُ الحیاةِ مَماتٌ

ثُمّ بَعْثٌ في جَنةِ الأطْیابِ!

 

تجدر الإشارة إلى أنه يمكنكم قراءة قصة لقائي والتي لا تنسى مع هذا الأديب اللبناني، في مقال تحت عنوان “جورج شكور؛ من ملحمة الحسين(ع) إلى ملحمة النبي(ص)”.

 

د. عباس خامه يار

نائب رئيس جامعة الأديان والمذاهب الإسلامية في الشؤون الثقافية