في ظل التهديدات التي تتعرض لها المنطقة

هل ستتمكن دول آسيا الوسطى من تشكيل تحالف دفاعي؟

اجتماعات التشاور لرؤساء دول آسيا الوسطى والأحداث الإقليمية المستقلة الأخرى بين هذه الدول غالبًا ما تكون ذات طابع اقتصادي وسياسي. ومع ذلك، يبدو أن الظروف الجديدة للمنطقة قد فرضت ضرورة التركيز على المسائل الأمنية والدفاعية خارج الاجتماعات وخلف الأبواب المغلقة. ولكن في سياق الاجتماع التشاوري السادس لقادة دول آسيا الوسطى، تم طرح أفكار طموحة مثل تشكيل اتحاد دفاعي مشترك بجدية. وعلى الرغم من أن رد فعل الدول الأخرى في المنطقة على هذه الفكرة لا يزال غير واضح، إلا أنه يمكن اعتبار طرح هذا الموضوع نتاجًا للواقع الجديد في المنطقة. يحاول هذا التقرير استكشاف التهديدات الناشئة في آسيا الوسطى والنظر في مستقبل تشكيل هذا الاتحاد الدفاعي المشترك.

2024-09-07

 

ضرورة إنشاء اتحاد دفاعي

طرح الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف الحاجة الرسمية إلى إنشاء اتحاد دفاعي لآسيا الوسطى. وأشار إلى “الوضع السياسي-العسكري المعقّد” في البيئة المحيطة بآسيا الوسطى كعامل يتطلب اعتماد سياسة دفاعية وأمنية مشتركة لتشكيل معمارية أمنية إقليمية. كما أشار رئيس كازاخستان إلى ظهور تهديدات جديدة لآسيا الوسطى، وشدد على ضرورة التركيز على الإجراءات الوقائية. وأكد توكاييف في هذا الصدد أنه “في الظروف الراهنة التي تشهد بيئة عسكرية-سياسية معقدة حول آسيا الوسطى، برزت الحاجة إلى عمل مشترك في السياسات الدفاعية والأمنية”.

يعتبر البعض أن فكرة توكاييف مجرد ترقية للتكامل الإقليمي في المجال الدفاعي والأمني في اتجاه “السلام الأكثر قيمة من أي شيء آخر”. والتصورات الأمنية لهذه الفكرة مبنية على تعاريف واسعة مثل مدرسة كوبنهاجن، وتتناول المجالات الوظيفية مثل البيئة والاقتصاد أيضًا. ومع ذلك، لا يزال التركيز على الاستراتيجيات الدفاعية المشتركة في منطقة لا تواجه تهديدًا عسكريًا مباشرًا بشكل حاد، قد ينطوي على بعض الادعاءات الجديدة.

التهديدات الأمنية والدفاعية الناشئة

ركزت دول آسيا الوسطى بشكل مكثف على تحديث جيوشها خلال السنوات الأخيرة. وكان حجم الإنفاق العسكري في هذا الصدد ملفتًا للنظر بشكل كبير. فقد أعلن كامشيبيك تاشيف، رئيس لجنة الأمن القومي الحكومية في قرغيزستان، رسميًا أن بلاده أنفقت أكثر من 1.3 مليار دولار على تحديث الجيش والقوات العسكرية منذ عام 2021. وفي كازاخستان أيضًا، وفقًا للتقارير الرسمية، شهدنا نموًا بنسبة 8.8٪ في الميزانيات العسكرية هذا العام. وفي أوزبكستان، لا يتم الإعلان عن الميزانيات العسكرية رسميًا، ولكن في التقارير تم الإشارة إلى زيادة قدرها 260 مليون دولار في الميزانية العسكرية. ووفقًا لمعهد السلام في استوكهولم، بلغ إجمالي الإنفاق العسكري للدول الثلاث كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان في العام الماضي 1.8 مليار دولار. وتظهر هذه النفقات، في ظل أن النمو الاقتصادي هو الأولوية الاستراتيجية للحكومات في المنطقة، وجود تهديدات دفاعية جديدة في المنطقة، أو على الأقل تصورات جديدة للتهديدات الناشئة في أذهان قادة المنطقة.

في الوقت الحالي، تعتبر المنافسة بين القوى العظمى واحتمال تحول آسيا الوسطى إلى ساحة للصراعات بالوكالة بينها أكبر تهديد أمني لهذه الدول، نظرًا لأن نظرة القوى العظمى إلى الصراعات بالوكالة أو المنافسة الإقليمية في آسيا الوسطى هي نظرة إقليمية، وهذا السلوك لا يتم تصميمه وإدارته فقط في دولة واحدة ولكن عادة ما يتم في عدة دول، فإنه بالتالي يستلزم عملاً جماعيًا. لذلك فإن هذا التهديد الإقليمي بالضرورة يستلزم مواجهة إقليمية.

وترى وجهات نظر أخرى أن تهديدات آسيا الوسطى في المجال العسكري والدفاعي هي بشكل ملحوظ داخلية وليست خارجية، وبالتالي فهي ليست من نوع التهديدات الدفاعية الكلاسيكية. فهناك عدد كبير من مواطني آسيا الوسطى هم أعضاء في جماعات إرهابية، وقد أعلن تاشيف، رئيس لجنة الأمن القومي الحكومية في قرغيزستان، مؤخرًا عن تنظيم محاولة كبيرة للسيطرة على السلطة في هذا البلد. وفقًا له، كان المهاجمون يسعون إلى شراء 200 زي عسكري وحتى الحصول على طائرات بدون طيار، وقد تم إحباط هذا المخطط من قبل هذه اللجنة. وبشكل مماثل، أعلنت لجنة الأمن القومي الحكومية في كازاخستان عن إلقاء القبض على عدد من أفراد القوات المسلحة والمدربين التابعين للجماعات المتطرفة في مدن نور سلطان وشيمكنت وأتيراو وجامبيل. ويبدو أن الشبكات النشطة للتجنيد ليست فقط في طاجيكستان (كما هو مطروح في وسائل الإعلام والرأي العام) ولكن في جميع أنحاء آسيا الوسطى. ومن هذا المنظور، فإن التهديدات الداخلية وعدم تناسب قدرات الدفاع في الدول تدفعها نحو تجميع الموارد.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه التهديدات لا تزال في شكل محتمل ولم تتحقق بعد، ولكن بعض السلوكيات السياسية لحكومات المنطقة قد تخلق الأرضية لتجميع وتركيز وتحقيق هذه التهديدات. فبعض الإجراءات داخل هذه البلدان، مثل التوجه الغربي المفرط مع التركيز على مسائل شائكة مثل مجتمعات المثليين أو السياسات المناهضة للدين للحكومات في قضايا مثل الحجاب، يمكن أن تكون نقطة تحريك حاسمة لهذه التهديدات.

ومن التهديدات الناشئة الأخرى في المنطقة التي طرحها المحللون بشكل رئيسي هي ظهور بؤر أولية لجماعات “النازية الجديدة” ذات محورية معاداة الروس. وقد نشطت هذه التيارات والجماعات حاليًا بشكل رئيسي في كازاخستان، وتعرف باسم مارال جالالوا. وعلى الرغم من أن هذه التيارات والجماعات تُنظر إليها بشكل رئيسي على أنها قومية، إلا أن الطابع البارز لأعمالها المناهضة للروس والأدبيات والميول السلوكية المتطرفة لديها قد يخلق أرضية لبعض المواجهات. كما أن شبكة المنظمات غير الحكومية الغربية تُعَد داعمًا غير مرئي لهم.

و كذلك المواطنون من آسيا الوسطى الذين شاركوا في الحرب في أوكرانيا وخاصة في جبهة أوكرانيا ضد روسيا يعدون تهديدا آخر، فمع انحسار الحرب، فمن المحتمل أن يعود الكثير من هؤلاء الأفراد إلى بلدانهم بدعم من جهاز الأمن الأوكراني والغرب، ويمكن أن ينفذوا سياسات جديدة معادية لروسيا، وهو ما يُعَد تهديدًا خطيرًا لهذه الدول. ومن المذكور أن القوات التي تقاتل في الجيش الروسي لديها احتمال أقل للعودة إلى بلدانها بسبب الدعم الروسي، ويمكن أن يتم دمجهم في الجيش الروسي. في الوقت نفسه، من الممكن أن يتم توظيف هذه المجموعات كقوات مقربة من أوكرانيا في روسيا (قوات تسلل أوكرانية للتخريب في روسيا).

رؤية لتشكيل اتحاد دفاعي

طالما لم تشهد آسيا الوسطى زيادة ملحوظة في مستوى التكامل السياسي، وأن الترابط الاقتصادي المتبادل أقل من الاعتماد على القوى الإقليمية مثل الصين وروسيا، فإن تشكيل اتحاد دفاعي مشترك يبدو في الواقع بعيدًا عن الواقعية وغير عملي. لا تزال دول آسيا الوسطى تواجه مشكلات في مسائل أبسط مثل الجمارك أو الحدود، وفي الوقت نفسه هناك بعض التحديات الأمنية فيما بينها. من هذا المنظور، فإن تشكيل اتحاد دفاعي فوري وانفجاري أمر غير متوقع. وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض السلوكيات الأمنية العملية للحكومات الإقليمية، كما شاهدنا في احتجاجات كازاخستان في يناير 2022، تُظهر أنه في مجال الأمن يمكن لهذه البلدان أن تكون أكثر مرونة. لذلك، يبدو أن طرح هذه الفكرة هو جزء من “عملية” وليس “وضع” يتم تحقيقه. وعلى هذا الأساس، مع إنشاء حوارات حول تعميق التعاون الدفاعي، يمكن أن يكون التشارك الاستراتيجي في مجال القضايا الدفاعية والعسكرية أحد المخرجات القصيرة الأجل لهذا الحوار. الفرق الكبير بين المشاركة الاستراتيجية والتحالف في المجال الدفاعي هو انخفاض مستوى الالتزامات فيها والتركيز على السياق.

من ناحية أخرى، يجب الانتباه إلى أن الفهم المشترك للتهديدات الدفاعية هو نقطة البداية لتشكيل هذا الاتحاد الدفاعي. لذلك، على أعتاب تحقق التهديدات الناشئة (التي سبق شرحها) يمكن النظر في تشكيل سريع لهذه الآلية الأمنية والدفاعية المستقلة. في الوقت نفسه، الوجه الآخر لهذه المشاركة أو الاتحاد الدفاعي هو مصالح القوى الإقليمية والدولية. الواقع هو أن الإطارات الحالية في المنطقة، على الرغم من وظائفها المناسبة، تعمل بشكل رئيسي لصالح مصالح القوى الكبرى، مما قد يؤدي إلى إثارة القوى المنافسة. من هذا المنظور، فإن أهم المنافع قصيرة الأجل في تشكيل هذا الاتحاد أو المشاركة الاستراتيجية في المجال الدفاعي والعسكري قد تكون الاستقلالية النسبية لهذه البلدان، خاصة عن روسيا. ومع ذلك، فإن عائقًا كبيرًا هو المنظمات الأمنية والدفاعية الإقليمية مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة الدول التركية ومنظمة شنغهاي للتعاون. لا يمكن لهذا الاتحاد أو المشاركة الاستراتيجية المنافسة مع هذه المنظمات، خاصة في مواجهة اللاعبين الأضعف في المنطقة. لذلك، فإن هذا الموضوع لا يزال بعيدًا عن الواقع دون استخدام موارد كبيرة.