في ذكرى اليوم العالمي لمحو الأمية

تحديات التعليم وآفاق المستقبل

خاص الوفاق: التعليم هو المفتاح الذي يفتح الأبواب نحو مستقبل أفضل، ولذا يجب علينا جميعاً أن نعمل جاهدين لضمان أن كل فرد، بغض النظر عن مكان ولادته أو ظروفه، يتمتع بحق التعليم الذي نصّت عليه العديد من الاتفاقيات الدوليّة والإعلانات التي تؤكد على أهميته كحق أساسي للإنسان

2024-09-07

 د. رُلى فرحات

 

الأمية ليست مجرد عدم القدرة على القراءة والكتابة، بل هي حاجز يعيق الأفراد من تطوير إمكاناتهم والمشاركة الفعّالة في المجتمع، مما يؤثر سلباً على التنمية الإقتصاديّة والإجتماعية والتربويّة، كما وينعكس ذلك على الصّحة النّفسيّة والفكريّة والجسديّة. ويحتفل العالم باليوم العالمي «لمحو الأميّة» في الثامن من سبتمبر/ أيلول من كل عام كفرصة سنوية لتسليط الضوء على مشكلة الأمية التي لا تزال تعصف بحياة الملايين حول العالم. هذه المناسبة تذكر العالم بأهمية التعليم كحق أساسي لكل إنسان وتدعو إلى تعزيز الجهود وتكاتفها لمكافحة الأمية بجميع أشكالها.

 

مفهوم محو الأمية

 

في القرن الحادي والعشرين، لم يعد مفهوم محو الأميّة يقتصر على القدرة على قراءة الكلمات وكتابتها فقط، بل أصبح يشمل أيضاً الفهم العميق للنصوص المكتوبة، والقدرة على إستخدام هذه المعرفة في الحياة اليوميّة لحل المشكلات واتخاذ القرارات مما يُغيّر في سيناريوهات الحياة الروتينيّة. بالإضافة إلى ذلك، يُضاف مفهوم «الأمية الرقمية» إلى النقاش الحديث، حيث أصبح من الضروري أن يتمتع الأفراد بالقدرة على استخدام التكنولوجيا للوصول إلى المعلومات والمشاركة في الإقتصاد الرقمي، خاصة مع ظهور الذكاء الاصطناعي ومتفرعاته التي تفوق أحياناً قدرة تصديق البشر سواء كان ذلك في المنحى الإيجابي أم في السّياق السّلبي.

 

يقول عالم النفس التربوي «جيروم برونر»: «التعليم ليس مجرد ملء دماغ، بل هو إشعال شرارة». يعكس هذا القول بشكل جميل كيف أن الهدف من التعليم لا يقتصر على نقل المعلومات، بل على تنميّة عقل الفرد ليكون قادراً على التفكير النقدي والمشاركة الإيجابية في مجتمعه. إذ أنّ عدم تحقيق هذه الأهداف التعليميّة يؤدي إلى تفاقم مشكلة الأميّة وتأثيراتها على حياة الأفراد والمجتمعات.

 

أسباب الأمية

 

هناك العديد من الأسباب التي تساهم في انتشار الأمية حول العالم، والتي تختلف من دولة إلى أخرى بناءً على العوامل الإقتصادية، الإجتماعية، السّياسيّة، التربويّة والثقافيّة. من بين هذه الأسباب:

 

  1. الفقر: هو السبب الجذري للأميّة في العديد من الدول. فإنّ الأسر التي تعاني من الفقر غالباً ما تضطر إلى إجبار أبنائها على العمل بدلاً من إرسالهم إلى المدرسة. وفي بعض الحالات، يكون التّعليم مكلفاً للغاية بالنسبة لهذه الأسر، أو قد تكون المدارس غير متاحة أو بعيدة.
  2. الصراعات والحروب: النّزاعات المسلّحة لها تأثير مدمّر على البنيّة التحتيّة التعليميّة، فالحروب والصراعات تُجبر الأطفال على مغادرة مدارسهم، وتؤدي إلى تدمير المباني التعليمية والصّروح التربويّة، وتهجير المعلمين والطلاب على حد سواء. فالمناطق المتاخمة للحدود مع فلسطين المتحتلة وفي قطاع غزة في فلسطين، ومنذ تشرين الأول / أكتوبر حتى الآن تعطّلت المدارس والجامعات في هذه المنطقة الدائمة التّعدي من قبل العدو الصهيوني، بل أنّ معظمها قد دُمّر بالكامل أو تضرر، فأدّى إلى إغلاق العديد من المدارس وتشريد مئات الآلاف من الطلاب وهذا يُؤثّر على التعليم بشكل كبير.
  3. التمييز بين الجنسين: في العديد من المجتمعات، لا تزال الفتيات محرومات من حقهن في التّعليم بسبب العادات والتقاليد الإجتماعية، إذ يُعتبر التعليم للفتيات غير ضروري أو حتى مرفوضاً. هذا التمييز يساهم بشكل كبير في زيادة معدلات الأمية بين النساء، اللواتي يجب أن يتعلمن ويُتقنّ أصول فن الحياة حتى يستطعن إنشاء أجيالٍ ناضجة تعمل على الإسهام في تطوير المجتمعات واستدامتها.
  4. نقص الموارد التعليميّة: المدارس التي تعاني من نقص في المعلمين المؤهلين، أو البنية التحتية المتدهورة، أو المواد الدراسيّة، غالباً ما تكون غير قادرة على تقديم التعليم الجيد الذي يحتاجه الطلاب. هذا النقص في الموارد يؤدي إلى تدهور نوعية التعليم وزيادة إحتمالية التسرب من المدارس، لأنّه يجب أن يكون هناك لجان تُعنى في دراسة المواد وتعديلها أو تغييرها بما يتوافق مع تطور العلوم وتغيّر الحياة ليستطيع الطّالب مواكبة الحداثة ولتُفتح عنده آفاق خارجة عن النّطاق المحدود الذي ساد لعشرات السنين…
  5. الأوبئة: وكما حصل في عام 2020 حين انتشر وباء كورونا في كل دول العالم واستمر لعدة سنوات، فأُغلقت أبواب المدارس والجامعات والمعاهد. البعض تعامل مع هذه الظاهرة بالإغلاق التام، والبعض الآخر استخدم التعليم عن بعد الذي فتح المجالات للكثير من المسارات التي لم تكن معهودة قبل عام 2020 أو على الأقل محدودة النّطاق. هذا الأمر الذي تسبب في التسرب المدرسي وتعطل التعليم خاصة في الدول الفقيرة التي لم يكن لديها إمكانيات المتابعة في ظل جائحة عالميّة.

 

طرق معالجة الأمية

 

هناك العديد من الأساليب والبرامج التي تهدف إلى مكافحة الأمية حول العالم، تتراوح بين المبادرات الحكوميّة والمجتمعيّة إلى المشاريع الدوليّة. من بين هذه الطرق:

 

1- التعليم الشامل والمجاني: واحدة من أفضل الطرق لمعالجة الأميّة هي تقديم تعليم مجاني وشامل للجميع. ينبغي أن يتمتع جميع الأطفال، بغض النظر عن خلفياتهم الإجتماعية أو الإقتصادية، بالحق في الحصول على تعليم ذي جودة عالية، هذا ما حفظته القوانين والشرائع المحليّة والدوليّة كشرعة حقوق الإنسان وإتفاقيّة حقوق الطّفل.

2- برامج تعليم الكبار: تعتبر برامج تعليم الكبار وسيلة فعّالة لمحو الأميّة بين البالغين. تشمل هذه البرامج دروساً في القراءة والكتابة، بالإضافة إلى تعليم مهارات مهنيّة تمكّن الأفراد من تحسين حياتهم اليوميّة والإقتصادية، بل ينعكس ذلك إيجاباً على صحتهم النّفسيّة.

3-إستخدام التكنولوجيا الحديثة: التكنولوجيا توفر حلولاً مبتكرة لتجاوز الحواجز التعليمية. التطبيقات والبرامج التعليمية عبر الإنترنت تساعد في توفير التعليم للمجتمعات التي تفتقر إلى البنية التحتيّة التقليديّة. في بعض الدول، يتم استخدام الهواتف الذكية كأداة رئيسيّة لتعليم الأطفال والبالغين على حد سواء. بالطبع هذا إن كان هناك برنامج شامل موضوع على يدي إختصاصيين في التربيّة والتكنولوجيا والإختصاص النّفسي والإجتماعي.

4- التوعيّة الإجتماعية: دور المجتمع مهم جداً في محو الأميّة. ينبغي تنظيم حملات توعيّة من قبل الجمعيات والمؤسسات والمراكز التي تُعنى بالشأن المجتمعي والتي تتضمن برامجها نشر التوعيّة والثقافة والتّعليم بين أفراد المجتمع على مختلف طوائفهم ومذاهبهم وإنتماءاتهم السّياسيّة، حول أهمية التّعليم، ليس فقط للأطفال ولكن للكبار أيضاً. هذا ما يُسهم في تقليل معدلات التّسرب المدرسي وتشجيع الأفراد على العودة إلى مقاعد الدراسة وبالتالي النّهضة المُستدامة في المجتمع.

 

أقوال حول محو الأمية

 

يرى عالم الإجتماع البارز «بيير بورديو» أن «التعليم هو الأداة الأقوى لكسر الحواجز الاجتماعيّة». يشير هذا القول إلى الدور المحوري للتّعليم في تمكين الأفراد وتحقيق العدالة الإجتماعيّة. فمن خلال التّعليم، يتمكن الأفراد من تجاوز العوائق التي تفرضها الظروف الإقتصاديّة أو الإجتماعيّة، ويصبحون أكثر قدرة على تحسين حياتهم الإقتصاديّة والشخصيّة والنّفسيّة وحتى تبرز عندهم مواهبهم وإمكاناتهم الدفينة.

 

أما عالم النفس «جون ديوي» فيقول: «التّعليم ليس مجرد تحضير للحياة؛ إنه الحياة نفسها». يؤكد هذا القول أن التّعليم ليس خطوة مؤقتة في حياة الإنسان، بل هو جزء أساسي من وجوده وتشكيل هويته، فالتّعليم يفتح آفاقاً جديدة ويُمكن الفرد من تطوير ذاته والمساهمة في بناء المجتمع والتنمية المستدامة على كافة الصّعد.

 

التعليم هو المفتاح الذي يفتح الأبواب نحو مستقبل أفضل، ولذا يجب علينا جميعاً أن نعمل جاهدين لضمان أن كل فرد، بغض النظر عن مكان ولادته أو ظروفه، يتمتع بحق التعليم الذي نصّت عليه العديد من الاتفاقيات الدوليّة والإعلانات التي تؤكد على أهميته كحق أساسي للإنسان:

 

  1. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948: المادة 26 تنص على أن «لكل شخص الحق في التعليم. يجب أن يتوفر التعليم مجاناً، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. التعليم الابتدائي إلزامي. ويجب أن يكون التعليم الفني والمهني متاحاً للجميع، كما يجب أن يكون التعليم العالي متاحاً على أساس الجدارة».
  2. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966*: المادة 13 منه تؤكد على «حق كل فرد في التعليم». وتنص على أن التعليم يجب أن يكون موجهاً لتنمية الشخصية والكرامة الإنسانية، وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

المادة 14 تطلب من الدول التي لم تتمكن من جعل التعليم الابتدائي إلزامياً ومجانياً عند انضمامها إلى العهد أن تتعهد بوضع خطة وبرنامج لتطبيق هذا المبدأ تدريجياً.

  1. إتفاقية حقوق الطفل 1989: المادة 28 من الإتفاقية تنص على «حق الطفل في التعليم»، وتشدد على أن التعليم الإبتدائي يجب أن يكون إلزامياً ومتاحاً للجميع دون تمييز. كما تطالب الدول بتوفير التعليم الثانوي مجاناً قدر الإمكان وتيسير الوصول إلى التعليم العالي بناءً على القدرات.
  2. اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) 1979: المادة 10 تنص على أن الدول الأطراف تتعهد باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في مجال التعليم، لضمان حصول المرأة على نفس الفرص التعليمية مثل الرجل.

 

هذه الوثائق الدوليّة تمثل إطاراً عاماً لحماية وتأكيد حق التّعلم كجزء أساسي من حقوق الإنسان، وتلزم الدول الأعضاء التي صادقت عليها بالإمتثال لها وتوفير التّعليم للجميع.

 

اليوم العالمي لمحو الأميّة ليس مجرد يوم للإحتفال، بل هو دعوة للعمل والتّفكير الجاد في كيفيّة معالجة هذه المشكلة العالميّة. الأميّة تظل عائقاً كبيراً أمام التنميّة المستدامة وتحقيق العدالة الإجتماعيّة. بالتعاون الدولي والجهود المحليّة، يمكننا أن نحقق هدف «صفر أمية» في جميع أنحاء العالم.

 

 

المصدر: الوفاق/خاص