من مشهور إلى ماهر الجازي: الأردنيون يحتفون بـ«الكرامة»

استقبل الشارع الأردني العملية باحتفاء كبير، عبر منصات التواصل الاجتماعي أو حتى في الطرق، حيث وزّعت الحلويات. وأعادت «عملية الكرامة» إلى ذاكرة الأردنيين ذكرى قائد القوات المسلحة الأردنية، مشهور الجازي، وهو من قبيلة منفّذ العملية، والذي قاد «معركة الكرامة» في عام 1968، وحقّق نصراً يحتفي به الشارع الأردني لغاية اليوم

2024-09-09

 

استيقظ الأردنيون، صباح أمس، على وقع حادثة إطلاق النار من قِبَل مواطن أردني يعمل سائق شاحنة بين المملكة والضفة الغربية، عند معبر «جسر الملك حسين» من الجهة الأردنية (معبر الكرامة من الجهة الفلسطينية)، قتل فيها ثلاثة مستوطنين إسرائيليين، وسط احتفاء الشارع الأردني بالعملية. وفتحت السلطات الرسمية في الأردن، بحسب بيان لوزارة الداخلية، تحقيقاً حول الحادثة التي نفّذها ماهر الجازي (39 عاماً) من محافظة معان (الواقعة جنوب المملكة، والتي تسكنها عشائر شرق أردنية)، والذي عمل، وفق ناشطين، في السلك العسكري سابقاً. وفي وقت لاحق، أعلنت الوزارة أن «النتائج الأوليّة للتحقيق تشير إلى أن الحادث هو عمل فردي»، مضيفة أن «التحقيقات مستمرة للوصول إلى تفاصيل الحادث كافة». كما أعلنت أنه «يجري التنسيق بين الجهات المعنيّة لتسلّم جثة منفذ العملية، ليصار إلى دفنها في الأردن».ويُعدّ المعبر، الذي أُعلن إغلاقه على الجانبَين، بوابة الفلسطينيين الوحيدة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، نحو الأردن، ويُستعمل بشكل رئيسيّ لنقل البضائع، إذ تمرّ عبره الشاحنات من المملكة في اتجاه غور الأردن والضفة و”إسرائيل”، وهو يقع بالقرب من قرى الأغوار ومدينة أريحا، علماً أنه استُخدم لتمرير شاحنات المساعدات القادمة من الأردن إلى قطاع غزة خلال العدوان، والتي تعرّضت في غير مرّة للاعتراض من قِبَل مستوطنين. أمّا الحادثة التي عُرفت إعلامياً باسم «عملية الكرامة»، فهي الأولى من نوعها منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، بعدما زعم الاحتلال، في أكثر من مرّة، أنه أفشل عمليات تهريب أسلحة إلى الضفة من طريق الأردن. كما جاءت العملية في ظلّ التصعيد العسكري الذي تشهده مدن الضفة الغربية؛ وفي هذا الجانب تحديداً، كانت عمّان قد حذّرت مراراً من مواصلة التصعيد في الضفة، إذ أكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أخيراً، أن» أيّ محاولة لتهجير فلسطينيي الضفة الغربية إلى المملكة هي بمثابة إعلان حرب على الأردن»، معتبراً أن الإجراءات الإسرائيلية على الأرض قتلت كلّ فرص تحقيق السلام العادل في فلسطين.

وفي قراءته للحادثة، يعتقد المحلّل السياسي، عامر السبايلة، أن توقيت عملية إطلاق النار ليس مصادفة؛ فالعملية بمثابة «ردّ على التصعيد الإسرائيلي في المنطقة»، مضيفاً أن «الاحتلال يريد إعادة تموضعه لتبرير المزيد من الإجراءات على طول الحدود مع الأردن، وربّما حتى تشديد قبضته على المنطقة، مستشهداً بالمخاوف الأمنية كذريعة». ويقول السبايلة، في حديث إلى «الأخبار»، إن «عملية الكرامة تُعدّ نقطة تحوّل، إذ ستزيد من تعقيد الوضع المتقلّب بالفعل؛ فدولة الاحتلال الإسرائيلي من المرجّح أن تستغلّ هذه الحادثة لفرض قيود أكثر صرامة على المعابر، كما ستستغلّها لتعزيز الرواية الإسرائيلية حول الحاجة إلى تأمين الحدود ضدّ التهديدات الخارجية، وتبرير المزيد من العسكرة والقمع في الأراضي الفلسطينية». ويضيف أن «القضية تتعلّق بالاستراتيجية الإسرائيلية المتمثّلة في استخدام الحوادث الأمنية مبرراً لمزيدٍ من الإجراءات الأحادية الجانب، وخاصة في ما يتعلّق بحدود الأردن والضفة الغربية… “إسرائيل” ستعتمد على الحادثة في بناء هراء التهديد الحدودي، والذي من المرجّح أن تستغلّه لتصعيد العمليات العسكرية وتبرير المزيد من السيطرة الإقليمية».

 

وقد استقبل الشارع الأردني العملية باحتفاء كبير، عبر منصات التواصل الاجتماعي أو حتى في الطرق، حيث وزّعت الحلويات. وأعادت «عملية الكرامة» إلى ذاكرة الأردنيين ذكرى قائد القوات المسلحة الأردنية، مشهور الجازي، وهو من قبيلة منفّذ العملية، والذي قاد «معركة الكرامة» في عام 1968، وحقّق نصراً يحتفي به الشارع الأردني لغاية اليوم. وتحفظ سجلات التاريخ الخاصة بـ»معركة الكرامة»، أن مشهور تلقّى اتصالاً من القيادة يخبره بأن “إسرائيل” تطلب وقف إطلاق النار، بيد أنه تجاهل ذلك، واستمرّ في قصف تجمّعات جيش العدو. وعلى الرغم من أن الإسرائيليين أوقفوا القصف الجوي آنذاك، إلا أن المدفعية الأردنية استمرّت في قصف المحاور والمراكز الرئيسية الداخلية حتى لا تمنح جنود العدو حرية الانسحاب بسلام، ما جعل الانسحاب انهزامياً. وفي ردود الفعل، أشادت حركة «الجهاد الإسلامي»، بالعملية، قائلة إنها «أصدق تعبير عن نبض الشعب الأردني والشعوب العربية والمسلمة تجاه مجازر الاحتلال»، فيما باركت حركة «حماس» العملية، مشيرة إلى أنها «ردّ على جرائم الاحتلال وتأكيد على وقوف الأمة العربية والإسلامية مع الشعب الفلسطيني ومقاومته». وقال الناطق باسم «كتائب القسام»، «أبو عبيدة»، إن «مسدس البطل الأردني في نصرة أقصانا وشعبنا كان أكثر فاعلية من جيوش جرارة وترسانة عسكرية مكدّسة»، مضيفاً أن «العملية تعبّر عن ضمير أمّتنا وعن مآلات طوفان الأقصى والكابوس الذي ينتظر الكيان الصهيوني». وتابع: «أدّى مجاهدونا في عقدهم القتالية وكمائنهم وثغورهم في قطاع غزة صلاة الغائب على الشهيد بطل العملية».

وسبق أن كشف تقرير إسرائيلي حديث عن ارتفاع عدد محاولات التسلل من الأردن تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر الحدود المشتركة بينهما، إلى حوالي 600 حالة شهرياً؛ إذ تسلّل، حتى نهاية تموز الماضي، ما لا يقلّ عن أربعة آلاف شخص بهدف «تقويض الاستقرار»، وفق التقرير الذي أفاد بأن التهديدات الأمنية عند الحدود مع الأردن «متزايدة». وفي هذا الإطار، يتوقّع الخبير السياسي، منذر الحوارات، أن تشهد العلاقات الأردنية – الإسرائيلية تصعيداً خطيراً في الفترة المقبلة، وخاصة بعدما وصلت إلى درجة القطيعة، معتبراً أن “إسرائيل” ستأخذ «عملية الكرامة» ذريعةً لتصفية الحسابات على جبهتَين: الأردن والضفة الغربية. وحول ذلك، يشرح الحوارات لـ»الأخبار» الاستراتيجية الإسرائيلية المتوقع اتباعها، والتي تهدف إلى تصفية القضية على حساب الأردن، من خلال تهجير أبناء الضفة نحو المملكة، إضافة إلى بناء جدار على طول الحدود المشتركة، وهو ما تحدّث عنه مسؤولون إسرائيليون سابقاً.

المصدر: الاخبار