الدکتور غسان طه للوفاق:

العالِم المجاهد السید شرف الدین رجل الوحدة ورائدها

السّید شرف الدّین کان رجل الوحدة ورائدها، حیث طغى فکره ومنهجه الوحدویّ على أعماله، وأنشطته

2023-01-16
خاص الوفاق/ عبير شمص
فی مثل هذه الأیام من العام 1873م، تصادف ذکرى ولادة الإمام السیّد عبد الحسین شرف الدِّین الموسویّ؛ وهو عالم جلیل من علماء جبل عامل، جسّد فی حیاته حقیقة الشّخصیّة العلمائیّة ودورها فی زمنٍ کان یصعب فیه الخروج من النظرة التّقلیدیّة إلى رجل الدّین؛ ثاقب الفکر، قویّ الحجّة ساطع البرهان بدلیل المناظرات الّتی خاضها مع کبار العلماء دفاعًا عن الإسلام، وأهمیّة وحدة المسلمین فی مواجهة التّحدّیات. لهذه المناسبة أجرت جریدة الوفاق مقابلة مع الأستاذ الجامعی فی الجامعة اللبنانیة المتخصص فی علم الاجتماع الدکتور غسان طه وکان الحوار التالی: 
من هو السید عبد الحسین شرف الدین؟ وکیف کانت نشأته الفکریة والدینیة؟
العلامة السید عبد الحسین شرف الدین هو سلیل أسرة علمیة من جبل عامل وهو إبن السید یوسف إبن جواد إبن اسماعیل شرف الدین، وینتهی نسب عائلة آل شرف الدّین إلى الإمام موسى الکاظم (ع)، السید بلا شک من جبل عامل ولکنه ولد فی مدینة الکاظمیّة المقدسة أثناء رحلة والده فی طلب‏ العلم فی العراق بعد أن غادر قریته الجنوبیة شحور وهی قریة عاملیة تقع فی قضاء صور والتی هی کما معظم قرى جبل عامل أنجبت العدید من علماءالدین الذین قصدوا العراق  للدراسة.
عاد برفقة والده السیّد یوسف شرف الدّین إلى لبنان؛ تربّى فی کنف والده وجدّه السیّد هادی الصّدر؛ وتتلمذ علیهما فی المقدّمات؛ کما أخذ عن والده العلوم العربیّة «الصّرف والنّحو والمعانی ‏والبیان والبدیع والادب العربی وعلم المنطق بکلّ ضبط‏ وإتقان»، وقرأ علیه کتابیّ فقه الإمامیّة، وشرائع الاسلام؛ ثمّ درس مرحلة السّطوح عند الشّیخ باقر حیدر، والسیّد صادق الأصفهانی، ولدى بلوغه سن السابعة عشر من عمره هاجر إلى العراق لإکمال دراسته فی حوزة النّجف الأشرف، حیث تلقّى علومه الدّینیّة والفقهیّة على ید کبار المراجع والعلماء الأعلام هناک، وبینهم: الشّیخ حسن الکربلائیّ، والشّیخ محمد طه نجف، والشّیخ محمّد کاظم الخراسانی المعروف بالآخوند، والـسـیّد محمدکاظم الیزدی، والسیّد اسماعیل الصّدر، والشّیخ فتح اللّه الأصفهانی المعروف بشیخ
الشّریعة..
ما هی أبرز مؤلفات السید عبد الحسین شرف الدین؟
لدیه العدید من المؤلفات إلى جانب کتاب المراجعات وذلک فی السیرة والأخلاق وفی العدید من میادین الثقاقة والعلوم الدینیة وهذه الکتب ما زالت تنهل منها الأجیال جیلاً بعد جیل ومن هذه الکتب شرح الطبسی فی الفقه ومسائل فقهیة وکلامیة وفی مسائل النص والاجتهاد وله کتب أیضاً فی السیرة و فی الحدیث والشیعة فی صدر الإسلام والزکاة والأخلاق وکتباً أخرى فی الإمامة والولایة وهذا من تراث السید عبد الحسین شرف الدین.
ما هی أهم المحطات السیاسیة والإجتماعیّة فی مسیرة السید عبد الحسین شرف الدین؟
بعد حوالی ٣٢ عامًا عاشها فی العراق، عاد إلى  لبنان، وذلک فی العام  ١٩٠٥؛ بعد فترة من الزمن إنتقل إلى مدینة صور والتی کانت خلیط من السکان الشیعة والسنة والمسیحیین، حیث کانت له صولات وجولات فی العمل الإجتماعیّ، والنّهوض بالمنطقة علمیًّا وأدبیًّا، وسیاسیًّا؛ إذ کان مرجعا لحلِّ المشکلات، وحاکمًا عدلاً فی من یرجع إلیه من خلافات… وبیته لا یخلو من مراجع، أو مستفتٍ، أو شاک، أو صاحب حاجة، أو زائر، أو متفقِّد أو ضیف… فی لیلٍ أو نهار؛ فالباب مشرع، والدّیوان مفتوح.
لقد التفت السید شرف الدین لعدم وجود أیة مساجد أو حسینیات للشیعة فی مدینة صور، کما أنّ ممارسة طقوس عاشوراء فی المدینة تتم  بطریقة غیر مقبولة برأیه، إذ إعتبر أنه یجب إضفاء بعض التحسینات على النص العاشورائی وعلى طریقة الممارسة لهذه الطقوس.
کذلک أولى تعلیم النّاشئة أهمیّة خاصّة، فأسّس المدرسة الجعفریّة فی العام ١٩٣٨م، وجعلها نواة لفتح مدارس أُخرى لمواجهة حالة الجهل الّتی کانت سائدة آنذاک، وقال عند الإفتتاح:”لا ینتشر الهدى إلاّ من حیث ینتشر الضلال”؛ وفتح أبوابها للتّعلیم المجانیّ؛ کما کان له الدّور الأساس فی بناء مدرسة الزّهراء(ع) ؛ وأسّس نادی الإمام الصّادق (ع) للإحتفالات الدینیّة والمحاضرات الثّقافیّة؛ ثمّ أضاف إلیهما مسجداً.
لم یکتف فقط بالجانب العلمیّ، بل إلتفت إلى الوضع الإقتصادی المتردّی الّذی کان یعانی منه النّاس، لأنّ أوضاع الشیعة حینها کانت متردیة فی صور وخاصةً مع نهایة العهد العثمانی حیث لم تکن السلطة العثمانیة تعترف بالمذهب الشیعی ولم یکن للشیعة موظفین فی الإدارات المتعلقة بالأحوال الشخصیة والقضاة والمحاکم الشرعیة وغیرها بسبب عدم الإعتراف بهم کطائفة ومن هنا عمل السید شرف الدین على الإرتقاء بالأوضاع الدینیة والاجتماعیة لشیعة صور بدءاً من هذه البلدة وانتهاءً بمجمل قرى جبل عامل. فعمل على تأسیس جمعیّة البرّ والإحسان، والجمعیّة الخیریّة الجعفریّة لرعایة الفقراء والمساکین؛ والّلافت أنّه کان من أوائل العلماء الشّیعة الّذین إلتفتوا إلى دور المغتربین؛ فأرسل المبلّغین إلى أفریقیا؛ ونتیجة هذا التّواصل تمکّن من تأسیس الکلیّة الجعفریّة بتبرعات
المهاجرین.
ما هو دور السید شرف الدین فی الوحدة الإسلامیة؟
کان السید شرف الدین واسع الثقافة والعلم والمعرفة وتحلى کذلک بنبرة خطابیة جیدة وقدرة على إیصال ما یرید للمخاطبین وحفل نشاطه بالعدید من الندوات والخطابات والمواقف ومنها بعض مشارکاته فی لبنان والعراق وفلسطین ومصر فی ندوات أدبیة ومحافل خطابیة وکان یلقى الصدى الإیجابی من قبل المستمعین ومن قبل المتحلقین حوله من مختلف الطوائف ولا سیّما فی مصر التی جمعته مع علمائها لقاءات وحوارات وخاصةً مع شیخ الأزهر الشّریف الشّیخ سلیم البشری؛ وعن زیارته إلى مصر یقول السّیّد شرف الدّین: ” وکان لهذه الزّیارة أثرٌ محمود فی نفسی وفی ‏حیاتی؛ ذلک أنی توخّیت أن أتغلغل فی الحیاة العلمیّة، واستبطن دخائل المجتمعات الأدبیّة بالتّحدّث إلى‏ العلماء، والسّماع منهم، وتبادل الزّیارات بینی وبینهم، وبالمناظرة فی أهمّ المسائل العلمیّة الّتی کانت مدار البحث، ومحک  الفضیلة”.
وما کتاب “المراجعات” للسّیّد شرف الدّین إلّا واحدة من ثمار زیارته مصر والجدیرة “بأن تکون‏ خالدة الأثر” کما عبّر
هو نفسه.
 فالسّید شرف الدّین کان رجل الوحدة ورائدها، حیث طغى فکره ومنهجه الوحدویّ على أعماله، وأنشطته؛ وقد شکّلت مؤلفاته ومن بینها کتاب المراجعات ترجمةً فعلیّةً لحمله همّ وحدة المسلمین، وتسلیط الضّوء على أسبابها وآثارها السلبیّة على حیاة الأمّة الإسلامیّة ومصیرها.
کیف واجه السید شرف الدین الاستعمار الأجنبی ومخططاته فی المنطقة؟
فقه السید شرف الدّین أنّ الإستعمار أحد أشدّ عوامل الفرقة، وترسیخ ثقافة التّکفیر فی العالم الإسلامیّ لذا تصدّى لخطره وواجهه، وذلک بعدما وضعت الحرب العالمیّة الأولى أوزارها عن إتّفاق تقسیم العالم العربیّ والإسلامیّ بین البلدان المنتصرة فی الحرب العالمیة، فکان لبنان من نصیب الإحتلال الفرنسی الذی ما أنّ دخل لبنان حتى شرعت مقاومة اللبنانیین الوطنیین له فی جبل عامل وفی بعلبک الهرمل وغیرها من مناطق لبنان وکان السید شرف الدین فی طلیعة الناس المؤیدین لإزالة هذا الاحتلال عبر إطلاقه  فتوى بالجهاد ضده، فأثار موقفه قلق الفرنسیین  وغضبهم  فأصدروا  حکماً بإعدامه متهمین إیاه بالتحریض على دخول القرى المسیحیة فی جنوب لبنان، لکن السید شرف الدین نفى هذا الإتهام  وغادر جبل عامل ولکنهم إحتلوا داره فی صور وأحرقوها، ونهبوا مکتبته العامرة.
عاد السید إلى لبنان بعد صدور العفو عنه نتیجة تدخّلات عدد من الأعیان والعلماء من ذوی الکلمة المفروضة ورجع إلى ممارسة نشاطه وتزامن ذلک مع الوجود الفرنسی فی سوریا ولبنان دخول القوات العربیة بإمرة الأمیر فیصل إلى سوریا الذی بدأت الرسائل تنهال منه على الوطنیین اللبنانیین ومنهم السید شرف الدین ومن زعماء الشیعة فی لبنان والمسلمین قاطبةً لرفع رایة العلم العربی فی المناطق اللبنانیة، ورفعت هذه الرایة فی صور وفی سائر أرجاء منطقة جبل عامل، کذلک تجلى الدور العروبی للسید شرف الدین بتأییده للحکومة العربیة فی دمشق وعلى أثرها تداعى زعماء جبل عامل إلى وادی الحجیر وهی منطقة فی جبل عامل عام 1920م  إلى عقد مؤتمر حضره زعماء الشیعة من رجال دین وسیاسیین و… وخطب السید فی الحاضرین خطبة شکّلت بیانًا سیاسیًّا لمواجهة الإستعمار وسیاسة الفرقة، وخطر الطّائفیّة، وما جاء فی خطبته :” الدّین النّصیحة، ألا أدلّکم على أمر إن فعلتموه انتصرتم، فوّتوا على الدّخیل الغاصب برباطة الجأش فرصته، وأخمدوا بالّصبر الجمیل الفتنة، فإنّه والله ما إستعدى فریقاً على فریق إلّا لیثیر الفتنة الطّائفیة ویشعل الحرب الأهلیّة … إخوانی وأبنائی: “إنّ هذا المؤتمر یرفض الحمایة والوصایة ،
ویأبى إلّا الإستقلال التّام النّاجز … فإکبوا کل صعب وذلول صادقی العزائم، متساهمی الوفاء، وما التّوفیق إلّا بالله، یؤتی الّنصر من یشاء … علیه توکّلنا وإلیه أنبنا  وإلیه المصیر”.
  ومن ثّم أعلن الوقوف إلى جانب الحکومة العربیة فی دمشق وطلب بأن یحظى جبل عامل باستقلال ذاتی، بعد انتهاء المؤتمر توجه وفد برئاسة السید شرف الدین إلى سوریا لمقابلة الأمیر فیصل وإبلاغه بمقررات المؤتمر والتباحث فی الخطوات التالیة، ولکن للأسف فشل الأمیر فیصل ولم یستطع الاستمرار فی سوریا، وغادر إلى العراق.
تجدر الإشارة إلى أنه قبل دخول الإحتلال الفرنسی إلى لبنان بسنة واحدة تنازع لبنان مشروعان مشروع العروبة والمشروع اللبنانی وقد حضرت حینها إلى المنطقة لجنة أمیرکیة عینّها الرئیس الأمریکی ویلسون أثناء إنعقاد مؤتمر الصلح فی باریس للتداول فی شؤون بلدان المنطقة التی کانت قد خضعت للإحتلالین البریطانی والفرنسی، وهدف عمل لجنة کینغ – کراین  استطلاع  أراء شعوب هذه البلدان حول تقریر مصیرها عبر الاستفتاء، فجمع السید الأعیان والعلماء، وتقرّر رفع مذکّرة إلى اللجنة الأمیرکیّة لتقصّی الحقائق ضمّنها آراء المجتمعین؛ ومن بنودها عدم الرّضى بغیر إستقلال سوریا التّام والنّاجز بحدودها الطّبیعیّة الّتی تضمّ قسمیها الجنوبیّ  (فلسطین )،  والغربیّ  ( لبنان) وکلّ ما یعرف ببر ّالشام من دون حمایة أو وصایة؛ ورفض قبول أیّ مساعدة من فرنسا”.
فی شهر آب من عام 1920 م وبعد ثلاثة أشهر من انعقاد المؤتمر أعلن الفرنسیون الانفکاک بین سوریا ولبنان وضم مناطق إلى جبل لبنان وهی مناطق جبل عامل والبقاع وطرابلس. بدأ التأیید للوحدة السوریة یتضاءل شیئاً فشیئاً والسبب فی ذلک أن السید شرف الدین قد أدرک أنه لا سبیل إلاّ الوقوف مع لبنان لأنّ فیصل قد أصبح خارج سوریا والمقاومة الشعبیة المسلحة حتى عام 1925م  کانت قد قضى علیها الفرنسیون وتفککت أوصالها، والمشروع الصهیونی البریطانی فی فلسطین کان یرید قضم نصف منطقة جبل عامل، ولذلک أیّد السید شرف الدین الکیان اللبنانی الجدید الذی یحرم  البریطانیین من أنّ یصبح  جبل عامل جزءاً من فلسطین التی کانت تُجهز لتصبح بعد وعد بلفور دولةً
 یهودیةً.
کیف واجه السید شرف الدین أطماع المشروع الصهیونی فی لبنان والمنطقة؟
تنبه السید عبد الحسین شرف الدین لخطورة وعد بلفور وإقامة دولة یهودیة فی فلسطین لذلک حذّر فی رسالة إلى الملک عبدالله بن الحسین بخطورة ضیاع فلسطین؛ مذکّراً إیاه بأجداده الهاشمیّین؛ ومّما جاء فیها :” ولیس ذهاب فلسطین فاجعاً، لولا أنّه ذهاب لریح العرب وعزّ الإسلام ، وکرامة الإنسان المسترق فی غدّ هذا الشّرق القریب “؛ وعلى أثر إندلاع المواجهات بین العرب والیهود وبعد النّکبة وصدور قرار تقسیم فلسطین، دعا المسلمین إلى الجهاد فی نداء وجّهه فی شهر محرم الحرام سنة ١٣٣٧ ه جاء فیه :” أیّها المسلمون، أیّها العرب : هذا شهر محرم الدّامی الّذی إنتصرت فیه عقیدة، وبعث منه مبدأ، ألا أن قتلة الحسین(ع) بکر فی القتلات، فلتکن قدوتنا فیه بکراً فی القدوات، ولنکن نحن من فلسطین مکان سیّد الشّهداء علیه السلام من قضیّته.. . لیکون لنا ولفلسطین ما کان له ولقضیته من حیاة ومجد وخلود” .
إرتحل السّید شرف الدّین (قده) إلى بارئه عن عمر سبعة وثمانین عاماً قضاها فی الدّعوة إلى الله تعالى، ونشر الشّریعة الغرّاء، وتعریف الأُمّة بالثّقلَین: کتاب الله والعترة الطّاهرة؛ وبناءًا على وصیته دفن فی النّجف الأشرف بجوار جدّه الإمام علیّ بن أبی طالب(ع).
ختاماً هذه حیاة ونشأة السید عبد الحسین شرف الدین ومواقفه وجهاده وهو رجل دین واسع العلم والإطلاع وهو الزعیم الوطنی الکبیر الذی قاد المقاومة فی وجه الإحتلال الفرنسی وهو الخطیب المفوه والداعیة الحر وإذا ما أردنا أن نقارنه بالذین سبقوه فهو سلیل الأئمة (ع) وسلیل رجال الدین الکبار الذین تمیزت بهم الساحة التاریخیة للشیعة وکان له الدور فی بث الوعی فی جبل عامل والدور فی بناء المساجد والحسینیات وتنضید النص العاشورائی وأیضاً فی المواقف الوطنیة والمواقف التی تتمثل بالوحدة
الإسلامیة.