الشاعر والأديب اللبناني

رحل “جورج شكور”.. شاعر الملاحم المحمدية العلوية الحسينية لتأبنه قصائده المبدعه

جورج شكّور

 محمود الهاشمي

 

رحل قبل أيام، جورج شكّور(1935 – 2024) شاعر الملاحم الأربع: “ملحمة المسيح، الرّسول(ص)، الإمام علي والحسين عليهما السلام”، عن عمر تجاوز التسعين عاماً، أنفقه بالقراءة والكتابة ونظم الشعر والنثر.

أحب اللغة العربية منذ صغره حباً شديداً، وكان يتسلق سنديانة أمام داره عليها عريشة، يأكل منها عنباً ويقرأ شعراً وقرآناً ونهج البلاغة، فيأتي إليه معظم أهالي القرية ويجلسون تحت السنديانة، ويهيمون بكلامه صامتين.

إطلع جورج شكور على الشعر العربي منذ جاهليته حتى نهضته، وكان حظه كبيراً لأنه عرف الكبار من شعراء العربية وأدبائها، وصادقهم صداقة مودة ومنهم الأخطل الصغير، والشاعر القروي رشيد سليم الخوري، وأمين نخلة، وبولس سلامة، وسعيد عقل، وعمر أبوريشة، ونزار قباني، ونجيب جمال الدين، وعبد الكريم شمس الدين، والشيخ عبد الله العلايلي، وأحمد الصافي النجفي، والجواهري، والكثير الكثير منهم.

تفرد شكور في ملاحمه بحق الرسول الكريم (ص) والإمام علي والحسين عليهما السلام أجمعين فكان عنواناً كبيراً لكل عاشقي الشعر  العالمي وليس العربي..

شكور بديانته المسيحية وتربيته العربية وتطلّعه الإسلامي ووجدانه العميق ومشاعره الشفيفة الساخنة إجتاز مسافات بعيدة في عالم الأدب، واستطاع بين عدد ضخم من الشعراء الذين ساقهم حبهم للإمام الحسين الشهيد(ع) لتسجيل إعجابهم به، واستنكارهم لأفعال الطغاة، كان الشاعر اللبناني “جورج شكور” من أكثر الشعراء إعجاباً وولعاً بالإمام الحسين(ع)، وأغزرهم إنتاجاً عن بطولته ومأساته العظيمتين، يقول في قصيدة تحت عنوان ملحمة الحسين(ع):

“على الضمير دمٌ كالنار موّارُ

إن يذبح الحق، فالذُّبّاح كفّار

دمُ الحسين سخيٌ في شهادته

ما ضاع هدراً، به للهدي أنوارُ

إن ما يميز أشعار جورج شكور”،

واهتمامه بالرموز الإسلامية هو خزينه الثقافي والعلمي عنهم بحيث يورد حياتهم ومواقفهم وتاريخهم بكل صدق وتفهم.

يقول شكور في فاتحة ديوانه عن شخصية الرسول الكريم(ص) بقصيدة باسم “فاتحة” يتناول فيها صفات الرسول الأكرم(ص) وطهارة مولده وأصله ونسله، ويختتمها ببيت يقول فيه: “غداً سيقال بعدي طاب شعرٌ به مَدَحَ النبوةَ عيسويٌ”، وهو يرى أن شعره واهتمامه بالرموز الإسلامية لم يأت مثل بقية أشعاره في أغراض أخرى، إنما كما يقول: “حرتُ في شعري من ينظمه أأنا أم ينظم الله معي؟”.

مات جورج شكور وترك خلفه إرثاً شعرياً هائلاً تتداوله الأيام والعصور ويخلده الإبداع ودعونا نتوقف عند أحد قصائده يروي بها تفاصيل معركة الخندق وكيف وقف الفارس المشرك عمرو بن ود العامري يطلب المنازلة من جيش المسلمين وكيف انبرى له الإمام علي(ع) رغم صغر سنه، عن وقائع معركة الخندق فيقول:

“سأل النبي من المنازلُهُ ومن يقوى عليه وبالبطولة يظفرُ؟

سكتوا جميعاً واعترتهم رعدة من سيد البيد الذي لا يقهرُ

فأبي عليٌّ والإباءة شيمة: أنذا أبارزه ولست أحقّرُ

رد النبي عليه يشفق منذراً هذا ابن ود كالقضاء مقدّر

وأنا علي ردّ، لست مبالياً وأنا الذي أزن الرجال وأقدرُ”

صحيح أن الشاعر جورج شكور لم يكن الوحيد الذي كتب شعراً أو أدباً عن الرموز الإسلامية من الأدباء المسيحيين فقد سبقه أو واكبه شعراء كبار مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وجورج جرداق وغيرهم، لكن يبقى شكور الأكثر عمقاً وتفاعلاً وجرأة في التناول والسرد.

نختم بالقول أن شكور لم يختم رسالة الشعراء المسيحيين في التماهي مع الإسلام وأبطاله ورموزه وأحداثه وفي ذلك تميز وإبداع دائم.

المصدر: الوفاق