بعد اغتيال القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر، ورد المقاومة، زادت وتيرة نيران المقاومة، وهو ما بات يلمس في كل يوم. في المقابل صعد الصهاينة من توجيه ضربات نحو أهداف عند تخوم قرى المواجهة جنوب لبنان، بزعم أنها تحوي منصات إطلاق صواريخ قصيرة المدى، لكن وقائع الجبهة ووتيرة نيران حزب الله المتصاعدة تشي بعكس ذلك، وهو ما يحاكيه “الإسرائيليون” في تقديراتهم، لا ما يصرحون به.
وعليه، برزت خلال الأسبوع الماضي تصريحات من مختلف أركان الطاقمين السياسي والعسكري، فأكد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أنه أعطى الجيش “أوامر للاستعداد لتغيير الوضع في الشمال”. من جانبه، قال وزير الحرب إن “الجيش بدأ نقل ثقله نحو الشمال، مع اقتراب تحقيق الأهداف في الجنوب”. ولم تكن تصريحات رئيس الأركان التي قال فيها إن “الجيش يستعد لتحركات هجومية ضد حزب الله في الشمال”، منفصلة عن تصريحات نتنياهو وغالانت.
فحوى التصريحات “الإسرائيلية” التي تلمح إلى عملية عسكرية واسعة، ترجمت في رسائل نقلها مبعوثون غربيون إلى لبنان، مترافقة بشروط قديمة، لثني “إسرائيل” عن خيار الحرب.
وتزامنًا معها، عملت الماكينة الأميركية على تقاسم أدوار واضح، فهي تبنت عبر مسوولين التوجهات “الإسرائيلية” ضمن إطار “حق الدفاع عن النفس”، لكنها في الوقت ذاته حذرت من حرب واسعة قد تجر على “إسرائيل” كما لبنان آثارًا صعبة، كما أشار أحد المسؤولين الأميركيين لصحيفة “هآرتس” بقوله: “إجراءات إسرائيل ضد حزب الله نؤيدها، لكن يجب أخذ عواقب أي حرب واسعة في عين الاعتبار”.
سبق ذلك تصريح لمسؤول أميركي روّج لإمكانيات عقد اتفاق بين لبنان و”إسرائيل” ووضع ترتيبات أمنية جديدة، دون الكشف عن فحواها ومضامينها.
من جانبه، لم يخرج عن حزب الله أي تصريح جديد، باستثناء التأكيد على أن وقف جبهة جنوب لبنان مرهونة بوقف الحرب على غزة، على أن يجري أي نقاش لاحقًا، وحصرًا مع الدولة اللبنانية، بما يفهم على أن الحزب ما زال يمارس أسلوبًا ضاغطًا يرفض من خلاله منح “إسرائيل” أي ضمانة لمستقبل الواقع عند الحدود، وهو ما ستسري عليه الأمور حتى وإن وقفت الحرب، لاعتبار أن المقاومة ترفض منح العدو أي مكاسب سياسية وتفاوضية.
وعليه، يبدو أن التصريحات “الإسرائيلية”، والمترافقة مع ارتفاع وتيرة الاشتباك الميداني، ضمن ضوابط معينة، غير منفصلة عن محاولة جديدة لفصل جبهة لبنان عن قطاع غزة، خصوصًا بعد فشل تحقيق ذلك من خلال اغتيال القائد العسكري السيد فؤاد شكر.
هدف وقف الجبهة وفصل الساحات، لم يشطب من لائحة الأهداف الأميركية و”الإسرائيلية”، وبالتالي إذا ما استبعدنا خيار الحرب الواسعة لعدم توفر ظروفها، فإن “إسرائيل” تحاول، وبدعم أميركي، ومن خلال تصعيد في وتيرة النار، الضغط على حزب الله لوقف عملياته المؤثرة، لحل مشكلة مستوطني الشمال الضاغطة على “تل أبيب”.
وعليه، إن المقاومة، كما تشير مجريات الميدان، تعي طبيعة أي تحرك “إسرائيلي” سياسي وعسكري، وحدود أهدافه، وتبني على أساسه لذلك توجه النار بما يحقق أهدافها، وهي حتى الساعة تسجل نقاطاً عدة، كما أنها ليست معنية بمنح “الإسرائيليين” راحة أو أوراقاً مجانية تساعدهم على تنظيم صفوفهم سواء شمالاً أو في قطاع غزة والضفة الغربية.
إن المؤشرات تدل على صعوبة ذهاب “تل أبيب” نحو حرب واسعة، أو تكثيف النيران وتوسيع نطاقها جنوبًا، لأنها ستدفع في المقابل ثمنًا مشابها، فالمقاومة تعمل على قاعدة التوسيع مقابل التوسيع، وهو ما يعني تعمق أزمة مستوطني الشمال وانضمام عشرات الآلاف إن لم نقل مئات الآلاف إلى قائمة “المهجرين” من مستوطناتهم.