العالم الشافعي الشيخ محمد الزعبي في حوار مع الوفاق:

تأثير “الشيخ الشعراوي” كبير على المصريين والعالم العربي

لم يكن الشيخ الشعراوي معصوماً، ولكن ذلك لا يمحو فضله في بيان كثير من الوجوه الإعجازية في القرآن سواء على مستوى البلاغة أو العلوم، كما إنه استطاع أن يوصل ذلك إلى شرائح كبيرة ومتنوعة من كافة طبقات المجتمع.

2023-01-17

الوفاق/ خاص/ عبير شمص

عالم ومفسر مصري، اشتهر بدروسه المسجدية التي كان يستعرض فيها خواطره في معاني القرآن الكريم، وهو يعتبر من أشهر مفسري القرآن الكريم في العصر الحديث ، حيث قام بتفسيره بطرق مبسطة وأقرب للعامية ليصل إلى أكبر شريحة من المسلمين في أنحاء العالم العربي، للحديث عن أهم محطات سيرة الشيخ الشعراوي التقت الوفاق مع العالم والباحث الديني الشافعي اللبناني محمد الزعبي، وكان الحوار التالي:

ما هي أهم المحطات في حياة الشيخ الشعراوي؟

المعروف أنّ الشيخ محمد متولي الشعراوي ولد في 15 أبريل/ نيسان عام 1911م بقرية دقادوس بمحافظة الدقهلية، وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره، والتحق بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري، ثم حصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية سنة 1923م، ودخل المعهد الثانوي الأزهري، واختاروه رئيسًا لاتحاد الطلبة، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق ، بعد حصوله على الثانوية الأزهرية أصرّ والده على إكماله الدراسة في الأزهر، وبالفعل تخرج في كلية اللغة العربية عام 1940م، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943م. درَّس في المعهد الديني بطنطا ثم المعهد الديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالإسكندرية. في عام 1950م انتقل إلى التدريس في جامعة أم القرى في السعودية. وفي عام 1963م لم يرجع إلى إلى السعودية بسبب الخلاف السياسي بين مصر والسعودية، وقيل منعه الرئيس المصري جمال عبد الناصر من العودة، وأصبح عام 1964 مديراً لمكتب شيخ الأزهر الشيخ حسن المأمون. ثم سافر إلى الجزائر رئيساً للبعثة الأزهرية. وفي عهد أنور السادات أصبح وزيراً للأوقاف وشؤون الأزهر من سنة 1976 إلى سنة 1978م، حيث أصدر قراراً وزارياً بإنشاء أول بنك إسلامي، وأصبح عضواً بمجلس الشورى في مصر سنة 1980م. من خلال هذه المحطات حتى وفاته في 17-6-1998م يتبين أن الشيخ الشعراوي استطاع بعلمه أن يتبوأ أهم المواقع الدينية في مصر، دون أن يُعَدَّ من المتملقين للسلطة السياسية.

 ما تأثيره على المجتمع المصري؟

لا شك في أن تأثير الشيخ الشعراوي في المجتمع المصري والعالم العربي كبير، فهو قد خرق قاعدة “مزمار الحي لا يطرب” إذ خرج في جنازته ما يقدر بمليوني شخص، وأصبحت دروسه الرمضانية قبل موعد الإفطار جزءاً من التقاليد الرمضانية.

وفي الثمانينات كان الشيخ الشعراوي ممن يحاول طرح الإسلام بعقلانية وعلمية، حيث كان الصراع الفكري محتدماً في الأمة بين الطروحات الماركسية والعلمانية والقومية والإسلامية، إضافة إلى النمو المتزايد لحركات التطرف الديني في المجتمع المصري، فكان الشيخ الشعراوي أحد أعمدة القيادة الفكرية في خوض هذا الصراع عبر بيانه لإعجاز القرآن البلاغي والعلمي، ومحاولته الربط بين القرآن والنظريات العلمية في محاولة دفع تهم التخلف والرجعية عن الدين الإسلامي. فكان لفكر الشيخ الشعراوي محطات ومواقف من قضايا كانت ساحة لذلك الصراع كقضايا موقف الإسلام من العقل أو العلوم أو المرأة أو العلاقة بغير المسلم أو تعدد الزوجات أو الجهاد… وغير ذلك، حاول من خلالها الشيخ الشعراوي أن يثبت أحقية الإسلام، وأن يواجه مطاعن المستشرقين، بأسلوب سهل محبب إلى الناس، ما جعله رمزاً من رموز الدعوة الإسلامية، حتى أطلقوا عليه لقب “شيخ الدعاة”.

 أهم ميزات شخصية الشيخ الشعراوي؟

الشيخ الشعراوي اتصف بالتواضع ومحبة الناس، ولم يستخدم لغة علمية صعبة، وكان يتجنب المصطلحات التخصصية، لذلك استطاع أن يوصل فكرته إلى مختلف شرائح المجتمع على اختلاف مستوياتهم الثقافية. وكذلك كان متديناً يبرز في حديثه الصدق وحب الله وحب رسوله، ورغم ميله الصوفي الذي جعل الجمهور المصري الصوفي بطبعه يتعلق به، إلا أن الشيخ الشعراوي لم يستغرق في هذا الميل الصوفي، ولم يبرز كشخصية من شخصيات التصوف، ولذلك وصل تأثيره حتى إلى أعداء التصوف.

كيف كان أسلوبه في طرح المسائل الدينية وتفسير القرآن؟

رغم أن أكثر ما طرحه الشعراوي موجود في كتب التفسير التي ركزت على البلاغة القرآنية ككتاب نظم الدرر لبرهان الدين البقاعي أو حتى ظلال القرآن لسيد قطب، لكن أسلوب الشيخ الشعراوي في الإلقاء الذي اعتمد الإثارة والتشويق إضافة إلى لغة مبسطة جعل طرحه يلقى قبولاً كبيراً.

 كيف استطاع الوصول لشريحة كبيرة من المسلمين على إختلاف ثقافتهم؟

كما ذكرنا اللغة المبسطة وأسلوب التشويق والإثارة أوصل طرح الشيخ الشعراوي إلى شريحة كبيرة من المسلمين على اختلاف مستوياتهم المعرفية والثقافية، إضافة إلى تناوله قضايا متداولة بشدة، وتقديم مواقف قوية الحجة في كثير من الأحيان تجعل المستمع للشعراوي أو القارئ له يشعر بثقة فائقة ترضيه وتشعره بالتفوق على كل المخالفين للإسلام.

ما هو دوره في محاربة التطرف الإسلامي ونشر سياسة التسامح في مصر والعالم العربي؟

قرية الشيخ الشعراوي دقادوس التي ولد فيها، والتي بنى فيها مسجد الأربعين ومجمع الشيخ الشعراوي (وفيه ضريحه)، أيضاً في قريته كنيسة السيدة العذراء.. ولذلك فإن نشأته كانت في بيئة تعيش التعدد والتسامح. وبعد أن كبر الشيخ وأصبح رمزاً من رموز الدعوة الإسلامية لم يفقد ميزة التسامح هذه، فعندما زار الكاتدرائية المرقسية الكبرى والتقى بابا الأقباط شنودة الثالث قال الشيخ الشعراوي: «أنا أعتبر مِنْ مِنَحِ الله لي في محنتي أنه جعلني أجلس مع قداسة البابا شنودة». ولذلك بعد وفاة الشيخ الشعراوي رثاه البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في مصر وسائر بلاد المهجر بقوله: ” لقد تأثرنا كثيراً لوفاة صاحب الفضيلة الشيخ متولي الشعراوي، فهو رجل عالم متبحر في علمه، وهو أيضاً محبوب من الآلاف وعشرات الآلاف ومئات الآلاف، وموضع ثقة من كثيرين في كل ما يبديه من رأي (…) وقد جمعتني به أواصر من المودة والمحبة في السنوات الأخيرة من عمره”.

ولم يكن الشيخ الشعراوي يتخذ موقف العداء من الفن والفنانين، فكان الفنانون والفنانات يترددن إليه، ولم يغلق بابه في وجه أحد، فقد زارته المغنية ليلى مراد، وكذلك ابنة القارئ محمود الحصري ياسمين الخيام التي عصت والدها وسلكت سبيل الغناء تابت على يدي الشيخ الشعراوي، والفنانة شادية كذلك، كما تردد إليه الفنانون عماد حمدي وتحية كاريوكا وسهير رمزي وغيرهم. كل هذا لأنهم وجدوا فيه العطف والتفهم والنظرة الإيجابية. وموقفه في سنة 1977م عندما توفي الفنان عبد الحليم حافظ بالخارج، وكان من المقرر وصوله إلى المطار فجرًا على أن يتم نقله إلى مستشفى المعادي، ويُنقل في الصباح إلى مسجد عُمر مكرم، ولكن الشيخ الشعراوي أمر أن يتم فتح مسجد عُمر مكرم طوال الليل ليوضع فيه الجثمان، ليُحمل إلى مثواه الأخير في الحادية عشرة صباحًا.

وأما موقفه من التطرف الديني، فقد كان الشعراوي رحمه الله شديد الالتزام بأحكام الإسلام كما كان شديد الرفض للتطرف، وربما دفعه ذلك أحياناً إلى الانحياز إلى النظام المصري والدفاع عنه. على سبيل المثال ما حصل في الشهر الأول من سنة 1989م عندما كان الإضطراب على أشده بين النظام المصري والجماعات الإسلامية المتطرفة، يومها أسس وزير الأوقاف المصري محمد محجوب المجلس الإسلامي المستقل، وكان يضم الشيخ الشعراوي والشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي ود.محمد الطيب النجار والشيخ عبد الله المشد، حيث أصدروا وقتها بياناً لم تتقبله الجماعات الإسلامية، ورأى فيه كثيرون إنحيازاً إلى جانب السلطة، حيث إنهم وصفوا النظام المصري ومن معه بأنهم “لا يردون على الله حكماً وأنهم يعملون جاهدين على أن تبلغ الدعوة الإسلامية مداها تحقيقاً وتطبيقاً” فاتهمهم كل من د.عمر عبد الرحمن (أمير الجماعات الإسلامية) ومحمد الزمر أمير تنظيم الجهاد وحزب التحرير إتهموهم بأنهم أدوات بيد نظام حسني مبارك الحاكم في مصر، ونحن نقول: ربما كان الأولى بالشيوخ أن يدعوا إلى نبذ التطرف دون أن يشيدوا بنظام ظالم متصالح مع عدو الأمة.

ومما يؤخذ على الشيخ الشعراوي أنه سجد شكراً لله عندما كان في الجزائر بعد هزيمة مصر في حرب 1967م. وتبريره لذلك غير مقنع، حيث برر بقوله: “لأنني فرحتُ أننا لم ننتصر ونحن في أحضان الشيوعية، لأننا لو نُصرنا ونحن في أحضان الشيوعية لأصبنا بفتنة في ديننا”. والحقيقة أن النظام المصري لم يكن شيوعياً، وإنما حاول أن يصطبغ بصبغة الاشتراكية، ولم تكن عقيدته ولا ثقافته شيوعية، وأما الجيش والشعب فكان يكبر في حروبه، ولذلك ليست تلك الهزيمة مما يفرح، بل تسببت بإحباط الأمة ويأسها، حتى انبعث الأمل من جديد بتطور المقاومة في لبنان وفلسطين بعد دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدولة السورية لهذه المقاومة.

كما يؤخذ على الشيخ الشعراوي أيضاً تأييده لإتفاقية كامب ديفيد، وقد أجرت صحيفة القبس معه مقابلة مطولة بتاريخ 26-7-1987م سألته فيها: هل مازال الشيخ يعتقد أن السلام مع اسرائيل على طريقة كامب ديفيد قرار سليم؟ فأجاب: «نعم مازلت أقر، لأننا لم ندخل مسألة فلسطين على أساس من الدين، فكيف تطلبون أن أخرج منها على أساس من الدين، الأساس الذي دخلنا به فكر بشر لبشر، والأساس الذي خرجنا منه فكر بشر لبشر. فمن جعل فكر البشر في الدول الرافضة أولى من فكر الدول القابلة (…) أنا الذي أدفع الثمن، أنا الذي لا يوجد عندي بيت إلا وفيه ضحايا وفيه دم، لما هؤلاء –يقصد بقية العرب– لم يعملوا أي شيء، فالذي عليه التعب هو الذي يعمل هكذا حتى يحمي نفسه! (…) ماذا صنع الرافضون من يوم توقيع الاتفاقية الى يومنا هذا؟»

وهذا الجواب لا يستقيم مع الشرع، وما كان ينبغي للشيخ أن يقوله، حتى لو كان كثير ممن رفضوا كامب ديفيد لا يفعلون شيئاً فهذا ليس عذراً لتوقيع سلام مع عدو يحتل بلادنا وينتهك مقدساتنا، وربما لو عاش الشيخ إلى زمن المقاومة بعد أن مدت لها الجمهورية الإسلامية الإيرانية يد عونها ودعمها، وشاهد كيف فر العدو من جنوب لبنان، وكيف انسحب من غزة، وكيف أصبح يخشى قوة ردع المقاومة، ربما لو عاش الشيخ الشعراوي رحمه الله إلى هذا الوقت لأدرك أن خيار السلام مع العدو الصهيوني هو خيار خاطئ على المستوى الشرعي، وهو خيار خاطئ على المستوى الاستراتيجي السياسي.

ختاماً لم يكن الشيخ الشعراوي معصوماً، ولكن ذلك لا يمحو فضله في بيان كثير من الوجوه الإعجازية في القرآن سواء على مستوى البلاغة أو العلوم، كما إنه استطاع أن يوصل ذلك إلى شرائح كبيرة ومتنوعة من كافة طبقات المجتمع، مثقفين وغير مثقفين، علماء وأدباء وفنانين… نسأل الله يتقبل جهده وجهاده وأن يغفر زلاته.

 

الاخبار ذات الصلة