د. بتول عرندس
في خضم التحديات الراهنة التي تواجه الأمة الإسلامية، تأتي فكرة الوحدة الإسلامية كضرورة ملحة تفرضها الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لم يعد مجرد التحدث عن الوحدة نوعاً من الترف الفكري أو الخيال السياسي، بل أصبحت الوحدة اليوم مطلباً حتمياً لتحقيق العزة والكرامة للأمة الإسلامية، التي تعاني من الأنقسام والضعف أمام أعدائها.
لقد أظهرت الأحداث الأخيرة في غزة ولبنان وسوريا حقيقة ما يمكن أن يحدث عندما تقف الأمة الإسلامية متفرقة أمام عدوها. فالإرهاب الصهيوني المتواصل ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة والعدوان الهمجي على جنوب لبنان يؤكدان أن هذا العدو لن يتوقف عن استهداف الأمة إلا إذا وجد أمامه صفاً إسلامياً موحداً، قادراً على ردعه. الوحدة الإسلامية ليست فقط شعاراً يُرفع في المؤتمرات، بل هي طريق النجاة من الانقسامات التي تعصف بكيان الأمة.
معنى الوحدة الإسلامية
تنبع فكرة الوحدة الإسلامية من جذور إسلامية ثابتة في القرآن الكريم والسنّة النبوية. فقد دعا الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية إلى التكاتف والأعتصام بحبل الله، وتجنب الفرقة والتناحر. قال تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا» (آل عمران/ 103).. إن هذه الدعوة ليست مجرد توجيه ديني، بل هي خطة عملية للحفاظ على قوة الأمة وتماسكها.
الوحدة الإسلامية تعني تجسيد التعاون بين الدول الإسلامية على كافة المستويات: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والعسكرية. فهي تعني التلاحم في مواجهة التحديات المشتركة، والعمل على تحقيق الأهداف التي تصب في مصلحة الأمة ككل. لا يمكن للأمة الإسلامية أن تقف في وجه المؤامرات الخارجية إذا كانت مفككة ومتنازعة فيما بينها.
الوحدة الإسلامية في مواجهة الاحتلال والعدوان
في ظل ما تشهده الساحة الإسلامية من أحداث، خاصة العدوان الصهيوني المتواصل على غزة ولبنان، تتضح ضرورة الوحدة الإسلامية بشكل أكبر. فالأعداء يدركون أن قوتهم تكمن في تفرق الأمة وضعفها، وأن استمرار العدوان مرهون بعدم وجود ردّ حازم من الأمة الإسلامية مجتمعة. إذا تم توحيد الجهود بين الدول الإسلامية، وتم التركيز على دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، فإن العدو الصهيوني سيجد نفسه أمام قوة لا يستطيع كسرها.
الوحدة الإسلامية هي السلاح الأقوى لمواجهة الاحتلال. فبينما يسعى العدو إلى تطبيع العلاقات مع بعض الدول الإسلامية وإضعاف المقاومة، يجب أن تكون رسالة الأمة واضحة: لن يكون هناك سلام ولا تطبيع مع الكيان الغاصب إلا بعودة الحقوق إلى أصحابها ووقف العدوان. كل دولة إسلامية تملك من الموارد والإمكانات ما يجعلها قوة بحد ذاتها، وإذا اجتمعت هذه القوى في إطار واحد، فإن الأمة ستكون في موقف قوي لمواجهة التحديات.
دور العلماء والمفكرين في تعزيز الوحدة
الوحدة الإسلامية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تمتعت الأمة بوعي فكري وثقافي يقودها نحو هذه الغاية. هنا يأتي دور العلماء والمفكرين الذين يجب أن يكونوا في طليعة الدعوة للوحدة، من خلال تبيان أهمية التعاون الإسلامي وتوجيه الشعوب نحو مصالحها الحقيقية. إن تربية الأجيال على قيم الوحدة والتضامن هي مسؤولية العلماء والدعاة، الذين يجب أن يوضحوا للناس أن الاختلاف في المذاهب والأفكار لا يعني التنازع والفرقة، بل يمكن أن يكون مصدراً للقوة إذا تمت إدارته بحكمة.
من المهم أن يدرك المسلمون أن ما يجمعهم أكبر بكثير مما يفرقهم، وأن التحديات التي تواجه الأمة تتطلب تكاتف الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية. إن تصحيح مسار الأمة يبدأ من إعادة بناء الوعي الجمعي بضرورة الوحدة، وهو دور يجب أن تضطلع به المؤسسات الدينية والثقافية في كل دولة إسلامية.
الإرادة السياسية والوعي الشعبي
ورغم أن فكرة الوحدة الإسلامية تحظى بتأييد واسع من الشعوب الإسلامية، إلا أن هناك تحديات كبيرة تقف في طريق تحقيقها. من بين هذه التحديات الصراعات السياسية بين الدول الإسلامية نفسها، والخلافات المذهبية والطائفية التي تُستغل من قبل الأعداء لزيادة الفُرقة والانقسام. إضافة إلى ذلك، تسعى بعض القوى الخارجية إلى إضعاف الأمة الإسلامية من خلال زرع الفتن وتفكيك العلاقات بين الدول الإسلامية؛ لكن، رغم هذه التحديات، يمكن للأمة الإسلامية أن تتجاوز هذه العقبات إذا كانت لديها الإرادة السياسية والوعي الشعبي بضرورة الوحدة.
يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية من قادة الدول الإسلامية للتغلب على الخلافات والعمل بشكل جماعي لمصلحة الأمة. كما يجب أن تعمل المؤسسات الإعلامية والثقافية على نشر الوعي بأهمية الوحدة وتجنب الخطاب الذي يساهم في زيادة الفُرقة.
الوحدة الإسلامية طريق القوة
في نهاية المطاف، لا يمكن للأمة الإسلامية أن تحقق العزة والكرامة إلا من خلال الوحدة والتضامن.. الوحدة الإسلامية ليست مجرد شعار يُرفع في المناسبات، بل هي ضرورة حتمية تفرضها التحديات الراهنة. إن الوقوف صفاً واحداً في وجه العدوان الصهيوني، ودعم الشعوب المضطهدة في فلسطين ولبنان وسوريا، هو واجب على كل مسلم، ويجب أن يكون هذا المؤتمر الدولي للوحدة الإسلامية خطوة نحو تحقيق هذه الغاية.
إنّ الأمة الإسلامية، بتاريخها العريق وثرواتها البشرية والمادية، قادرة على أن تكون قوة عالمية مؤثرة إذا توحدت جهودها. الوحدة هي مفتاح النصر، والتعاون هو السبيل الوحيد لردع الأعداء وتحقيق الاستقرار والأمن للأمة.