في الـ13 من أيلول/سبتمبر الحالي، عندما اجتمع زعيما الولايات المتحدة وبريطانيا في واشنطن، من أجل النظر في ما إذا كانت الدول الغربية ستستمح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى لاستهداف عمق الأراضي الروسية، أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتس، أنّ بلاده لن تمنح كييف الضوء الأخضر لفعل ذلك، في موقف يطرح علامة استفهام، خصوصاً أنّنا نتحدث عن ألمانيا، ثاني أكبر داعم عسكري لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة، والمموّل الرئيس لحُزم الدعم العسكري التي يقدّمها الاتحاد الأوروبي، إذ بلغت قيمة المساعدات الألمانية منذ بداية الحرب 34 مليار يورو تقريباً.
وتعلّل برلين هذا الموقف بـ”حرصها على عدم توسيع دائرة الصراع”، ولاسيما أنّ موسكو جدّدت خلال الأيام الماضية موقفها بأنّ السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى يعني أنّ حلف شمال الأطلسي قد دخل الحرب بصورة مباشرة.
تفكّر ألمانيا جدياً في التحذير الروسي، لا من باب “الحرص على عدم توسيع رقعة الحرب”، بل انطلاقاً من امتلاك ألمانيا قدرات متواضعةً جداً إذا ما افترضنا وقوع مواجهة مباشرة مع روسيا، في حال هاجمت دولة من “الناتو”. وقد أُطلقت خلال الأيام والأسابيع الماضية تحذيرات عديدة حول ضعف الجيش الألماني، أهمّها من معهد “كيل” للاقتصاد العالمي الألماني، الذي أعدّ دراسةً دقيقةً بشأن قدرات الجيش الألماني، في مواجهة حرب واسعة مع روسيا.
في الوقت الحالي، لا تملك ألمانيا أي مخزون جدي لمواجهة مفتوحة، وقد وصف رئيس الأركان الألماني، الجنرال ألفونس ميس، الجيش بـ”الجاف إلى حد ما”، وذلك في شباط/فبراير الماضي، في معرض شرحه وضع القوات الألمانية.
أرسلت ألمانيا الجزء الأكبر مما تملكه من معدات عسكرية إلى أوكرانيا خلال السنتين الماضيتين. صحيح أنّها رصدت 100 مليار يورو عام 2022 لتعزيز قدرات الجيش، إلا أنّ المشتريات العسكرية الألمانية، ومعظمها من الولايات المتحدة، لن تصل قبل العامين 2027 و2028. هذا هو الحال بالنسبة للطائرات المقاتلة الأميركية الـ35 من طراز “F-35″، والتي لن يتم تسليمها حتى عام 2026، وطائرات النقل الهليكوبتر الـ60 من طراز “Chinook CH-47-F”، التي تنتجها شركة “Boeing”، والتي لا يُتوقَّع تسليمها قبل عام 2027، إضافةً إلى 82 من المروحيات الخفيفة من طراز “H145M”، من تصنيع شركة “Airbus”، والتي لن يتم تسليم آخرها حتى عام 2028.
لكن حتى مع وصول هذه المعدات، لن تكون ألمانيا في حالة استقرار عسكري، لأنّ التمويل المقبل لفترة ما بعد العام 2027 غير مضمون. وتحتاج برلين إلى رفع ميزانيتها العسكرية من 52 مليار يورو سنوياً حالياً، إلى ما بين 77 و83 مليار يورو، كي تحافظ على مستوى التمويل العسكري الذي تم رفعه، مع تخصيص مبلغ الـ100 مليار يورو مع بداية الحرب.