بدلاً من أن يكون على مقعدٍ جميل في فصله الدراسي الذي انطلق الاثنين في الضفة الغربية، يقف الطفل مهند أبو العطا (8 أعوام) في طابور لتعبئة المياه تحت أشعة الشمس الحارقة.
أبو العطا الذي حولت أشعة الشمس نصوع بشرته، إلى لون داكن، يحمل في يديه عبوة من المياه، أملًا في تعبئته والعودة به إلى ذويه، في طقس يوميّ ينفذه الطفل ذو الجسد النحيل، منذ بدء حرب الإبادة قبل 11 شهراً.
نزحنا من منزلنا في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ونحن حالياً في خيمة على شاطئ بحر دير البلح، وكل يوم أقف عدة ساعات لتعبئة قالون المياه، “أنا ما بقدر أشيله، لكن غصب عني، ما في يدي حيلة”.
حديثه يشي بألم بالغ، وأحلام موؤدة، ويقول “بدلا من جلوسي على مقاعد الدراسة، وألبس الزي الجديد، أنا أقف في طابور لتعبئة المياه، وآخر لجلب الطعام من التكية”.
ويحرم الاحتلال 650 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم للعام الثاني مع استمرار الحرب الإبادة الإسرائيلية الجماعية ودخولها شهرها الثاني عشر.
ويحلم الطفل أبو العطا بانتهاء الحرب، والعودة إلى مقاعد الدراسة، لتحقيق حلمه بأن يصبح مهندساً للحاسوب.
الاحتلال دمّر منظومة التعليم
آلاف الأطفال في غزة يعيشون هذه المأساة التي يعيشها مهند فبعد أن كانوا على مقاعد الدراسة كوضع طبيعي لأي طفل في العالم وجدوا أنفسهم أمام جبال شاهقة من مسؤوليات صراع البقاء، بعد أن دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي منظومة التعليم على الصعد كافة، حيث تدمير وقصف المدارس والتي لم تسلم من هذا الاستهداف حتى بعد أن تحولت إلى مراكز إيواء للنازحين تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة.
ولم يحرم الاحتلال من حقهم في اللعب والتعليم، بل جعلهم أهدافاً مشروعة لسادية آلته الإجرامية، حيث قتل زهاء 18 ألف طفل في أبشع إبادة يشهدها العالم في القرن الأخير.
ووفق وزارة التعليم، استشهد أكثر من 11500 طفل فلسطيني في سن التعليم المدرسي، وإصابة عشرات الآلاف من الأطفال بجراح وإعاقات جسدية وصدمات نفسية. كما استشهد أكثر من 750 موظفاً من العاملين في حقل التعليم وأصيب الآلاف، مشيرة إلى تعمّد الاحتلال استهداف عشرات المباني المدرسية والإدارية ما تسبب بخروج 92% منها عن الخدمة.
كما أن استمرار الإبادة يحرم أكثر من 58 ألفًا كان من المفترض أن يلتحقوا بالصف الأول في العام الدراسي الجديد، فضلا عن 39 ألفاً ممن لم يتقدموا لامتحان الثانوية العامة.
المدارس بين التدمير والتحول لمراكز إيواء
وتحولت غالبية المدارس التي تديرها “الأونروا” (نحو 200) في قطاع غزة، إلى مراكز إيواء للنازحين، كما تعرضت 70% منها للقصف، حيث دمرت أغلبها بالكامل، وتضررت أخرى بشكل كبير، وحسب الأونروا فإن أربعة من كل خمسة مبانٍ مدرسية في غزة تعرضت لضربات مباشرة أو تضررت.
ويقول الطيب سميح وهو أحد طلبة التوجيهي يقول إن حرب الإبادة دمرت كل شيء، وكنت على أمل أن أبدأ بالتخطيط لمستقبلي كي أصبح مدرسًا، وهذا ما أوقفته حرب الإبادة المستمرة.
ويختم “لا أدري كيف سنعوض ما فاتنا وما هو مصيرنا وهل نحن قادرون على التوجه أصلاً للتعليم في حال وقف الحرب فنحن بحاجة لتأهيل نفسي لا يقل عن فترة أشهر كي نبدأ في استيعاب ما حصل من أجل المضي قدماً”.
مطاردة الهموم المستحدثة
يقول رائد أبو قادوس مدرس فيزياء “يحرم طلابنا من الدراسة للعام الثاني على التوالي فقد تشرد 90% من طلابنا في الشوارع ما بين جمع حط وتعبئة المياه وشحن البطارية عبر خلايا شمسية للإنارة”.
ويضيف “أصبح هم الطالب الآن هو كيفية توفير المياه والطعام له ولأسرته”. يتابع: “ننتظر وقف الحرب حتى نعود إلى الحياة العادية لكن من وجهة نظري حتى وإن انتهت الحرب فليس من السهل العودة إلى الجو الدراسي حيث التعليم سيكون داخل خيام وهو جو غير مناسب بالمطلق للتعليم”.
أمّا فيما يتعلق بطلاب المرحلة الابتدائية الأساسية يقول “هؤلاء قد تدمروا بشكل كبير جداً لدرجة أنهم قد نسوا كيفية مسك القلم كما ونسوا الأرقام والحروف وإذا ما استمرت الحرب فهذه الفئة معرضة للجهل”.
ويعلّق الدكتور مصطفى أبو راية، الخبير في الصحة النفسية، عن نفسية الطلاب بعد الحرب “البيوت التي كان يشعر فيها الطلاب بالأمان قد تدمرت ما هو مطروح سيكون خيمة وللأسف الخيمة مكان غير مناسب للدراسة حيث أن الطالب سيربط واقع الخيمة بما حصل لبيته أو لأسرته من تشريد”.
ويضيف “حتى وإن تجاوزنا واقع الخيمة فإن الحلول ستصطدم بالعامل النفسي لدى هؤلاء الطلاب الذين فقد منهم كل أفراد الأسرة”.
يختم “أنصح أن يتم إعطاء الطالب فترة لا تقل عن عام كمرحلة انتقالية نحو التعليم بعد وقف الحرب”.