مغامرة نتنياهو تدخل منعطفاً خطيراً

مصير الجبهة الشمالية مهمٌ جداً الآن ليس فقط لـ"إسرائيل"، بل للولايات المتحدة أيضاً، خصوصاً أنها يمكن أن تشكل مدخلاً إلى حربٍ كبرى يريدها نتنياهو، حتى يستنجد في خضمها بأساطيل أميركا.

2024-09-17

كبيرة ودالة هي الأحداث التي تشهدها المنطقة الممتدة من اليمن إلى فلسطين المحتلة هذه الأيام. أشياءٌ تظهر للمرة الأولى.

 

المستجد من هذه التطورات هو الصاروخ اليمني الفرط صوتي الذي أصاب منطقةً قريبة من مطار “بن غوريون” في “تل أبيب”، متجاوزاً الدفاعات الإسرائيلية كلها، وقاطعاً مسافةً طويلة وحده من دون أسرابٍ معززة تساعد على إشغال الدفاعات.

 

حدث ذلك على وقع أحداثٍ أخرى شديدة الخطورة، منها التصعيد المستمر على الجبهة الشمالية والتهديد الإسرائيلي بعملية قوية في لبنان.

 

أولاً، لماذا يشكل الصاروخ اليمني نقلة نوعيّة في الصراع القائم وعلامة حقيقية على شكل الحرب الواسعة إن حدثت، وسبباً كبيراً يمنع حدوثها في وقتٍ قريب؟

 

في التفاصيل التقنية، كان التشكيك قائماً في الفترة الماضية حول إعلان الجيش اليمني امتلاك صواريخ فرط صوتية. لم يكن كثر من المراقبين يصدقون الأمر، وقد سال الكثير من الحبر للتقليل من أهمية ذلك الإعلان والتشكيك في حقيقته، لا بل ذهب البعض إلى استخدام التهكم كسلاحٍ لتقويض مصداقية القوات اليمنية.

 

جاء إطلاق الصاروخ اليمني الجديد ليرد بالمعطى والدليل على ذلك، فيؤكد وجود هذه التقنية عند اليمنيين، والتي وفّرت للصاروخ إمكانية التحليق مسافة 2040 كيلومتراً بأقل من 12 دقيقة فقط، وهو ما يعني تجاوز سرعته سرعة الصوت بأضعاف.

 

لكن أهمية ذلك ليست فقط في السرعة، بل في معنى وصول “صاروخ واحد” غير مصحوب بأسراب مسيّرات أو بصواريخ أخرى عابراً ألفي كلم إلى هدفه، ومخترقاً طبقات منظومة الدفاع الإسرائيلية بأكملها، وأنظمة دول عديدة أيضاً. ونحن هنا نتحدث عن أنظمة دفاع جوي أميركية من طراز “باتريوت”، إلى جانب “حيتس” و”مقلاع داوود”.

 

إذاً، لم تفلح القبة الحديدية ولا ذكرى العدوان على الحُديْدة في أن تمنع اليمنيين من ضرب عمق الكيان الإسرائيلي ضربة مليئة بالمعاني والرسائل والاحتمالات. وعليها سوف تبنى سيناريوهات وتخيّلات لا مكان فيها للأمان والطمأنينة بالنسبة إلى “إسرائيل”. فما الذي يمكن تخيّله؟

 

تقول رسالة الصاروخ اليمني إن قوى جبهة المقاومة قد تكون تمتلك هذا النوع من القدرات في غير اتجاه. وإذا كان اليمن يبعد 2000 كلم، فإن المساحات الأخرى التي قد تفتح باب النار العظيمة أكثر قرباً وأصعب على الدفاعات الإسرائيلية. ما يفضي إلى تخيّل سيناريوهات مركّبة من عدة اتجاهات، بين أسراب إشغال من المسيّرات والصواريخ، والآن دخل معطى الصواريخ الفرط صوتية إلى قلب هذه المعادلة. بالإضافة إلى خيالات إسرائيلية قديمة حول توغل برّي من جنوب لبنان إلى الجليل، عزّزتها صورة السابع من أكتوبر في غلاف غزة.

 

 

ماذا عن التوقيت؟

يرتبط التوقيت حكماً بالتصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان، الحالي منه والمُهدد به، إذ ترتفع نبرة تهديدات نتنياهو في رسائله الحربية لمحاولة استغلال وضعية البطة العرجاء في أسابيعها الأخيرة.

 

كما يسبق توقيت الصاروخ محطتين لا بد لـ”إسرائيل” أن تبقى على أعصابها حيالهما: الرد اليمني على قصف الحُديْدة، والرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أرضها.

 

وتأتي رسالة الصاروخ لتنزع من نتنياهو مبادرة العودة إلى التصعيد، وتعيده إلى مربّع انتظار القصاص على جريمتين سابقتين. فإذا ذهب بعيداً في الإصرار على التصعيد ضد لبنان واليمن وأدى ذلك إلى حربٍ كارثية للكيان، سيكون قد أطلق الرصاص على قدميه، وسوف يواجه بعد ذلك عقاباً داخلياً عسيراً، مدفوعاً بسببٍ جديد يضاف إلى الأسباب الكثيرة السابقة التي يحاول حتى الآن معالجتها عبر سياسة تقييد النشر. وعند انكشاف الحقائق الصحيحة لأحداث العام الذي مضى من الحرب، سوف تنتظره هناك جرائمه من جهة، وإخفاقاته من الجهة الأخرى.

 

تبدو الرسائل الحربية من جانب جبهة المقاومة الآن مضبوطةً على ساعة الانتخابات الأميركية، وعلى بوصلةٍ واحدة تتحرك باتجاهٍ هدف واحد، لكن من اتجاهاتٍ مختلفة. لتستعيد بريق المعجزة القائمة منذ أشهر من فخ أرجوحة المعنويات. فماذا عنها؟

 

 

فخ الأرجوحة المعنوية

 

ترغب الرسالة الجديدة أيضاً في بُعدها الاستراتيجي في الاستجابة لنزعة العدوان الطويل عند نتنياهو وافتخاره بالذراع الطولى، وقطعها استباقاً لما سيلي انتخابات أميركا.

 

وهي تستعيد جزءاً من جمهور القضية الفلسطينية وحركات المقاومة من فخ أرجوحة المعنويات التي تحاول نيران نتنياهو الكثيفة ودعايته الصاخبة إيقاعهم فيها، خصوصاً في الأسابيع القليلة الماضية من خلال التهويل والصراخ وسياسة تقييد النشر على خسائره في الداخل. فالصراخ الكثير سيكون في الداخل الإسرائيلي بعد أن تخفت نيران المعركة وتطفو شظايا الخسائر على وجه بحيرة الدم التي غرق فيها.

 

المصدر: محمد سيف الدين/ الميادين