كتاب ”هاهو اليتيم بعين الله.. النبي(ص) من الولادة إلى البعثة”

شخصيّة الرسول الأكرم (ص) شخصيّة متفوّقة بلغت حدّ الإعجاز، فلا تماثلها شخصيّة أخرى. وقد استطاعت أن تنهض بأعباء رسالة كانت نهاية الرسالات السماويّة وأكثرها تطلّبًا للجهد، والاستعدادات الشخصيّة النفسيّة، والقدرة على التضحية.

2024-09-18
لا تحمل كتابة السيرة النبويّة الشريفة الهمّ الرساليّ وحده. يترافق هذا الهمّ مع همّ آخر هو الهمّ الأدبيّ. ذلك أنّ السيرة الشريفة ليست سيرة أيّ إنسان عاديّ، تتطلّب من الأهبة والاستعداد والإمكانات العلميّة والأدبيّة ما لا تتطلّبه سيرة أخرى.
شخصيّة الرسول الأكرم (ص) شخصيّة متفوّقة بلغت حدّ الإعجاز، فلا تماثلها شخصيّة أخرى. وقد استطاعت أن تنهض بأعباء رسالة كانت نهاية الرسالات السماويّة وأكثرها تطلّبًا للجهد، والاستعدادات الشخصيّة النفسيّة، والقدرة على التضحية.
وتحويل سيرة الرسول الأعظم (ص) إلى خطاب أدبيّ، إلى رواية، كرواية “ها هو اليتيم بعين الله”، لا بدّ من أن ينطلق ممّا يسّره التاريخ والسّير التي كُتِبت على هامش تلك الحياة المقدّسة. وتأتي سيرة ابن إسحق التي لُخِّصت وهُذّبت عبر سيرة ابن هشام على رأس المرجعيّة المتعلّقة بالسيرة المقدّسة. ولعلّ أوّل ما يواجه هذه المرجعيّة من نقدٍ، مع أهميّة الجهود المبذولة فيها، هو أنّها جانبت الحاكم الذي كُتِبت في ظلّ دولته. فقد ساقت أمورًا عديدةً تساير ما يشتهيه ذلك الحاكم. ولا تطرح مثل هذه المشكليّة مهمّة إعادة كتابة السيرة الشريفة على أسس علميّة محضة، في ضوء الحقيقة التاريخيّة فحسب، ولكنها تطرح مهمّة الوصول إلى أدبيّة جديدة لتلك السيرة أيضًا. ويقتضي هذا الأمر مرحلتين من العمل. تكون المرحلة الأولى من حيّز مؤرّخ من مؤرّخي الصفّ الأوّل الذي يتوجّب عليه تحقيق السيرة من جديد تحقيقًا علميًّا يضع النقاط على الحروف. وتكون المرحلة الثانية من حيّز أديب من أدباء الصفّ الأوّل يعطي هذه السيرة المباركة حقّها الجمالي فيكون منطلقًا ومثارًا لتجارب متجدّدة في هذا المجال.
وإذا ما وُجدت جهود فرديّة عديدة قد بُذلت من أدباء مرموقين في هذا الخصوص، فإنّ مثل هذه الجهود الفرديّة لا تفي بالغرض المطلوب. لا بدّ من مؤسّسة مختصّة، أو دائرة مختصّة من ضمن مؤسّسة تهتمّ بالقرآن والحديث، تراقب عامًا بعد عام ما وصلت إليه السيرة من حقائق موضوعيّة، وما كُشِف عنه من أبعاد جديدة تتعلّق بالحياة الشريفة للرسول الأكرم(ص). إنّها مسؤوليّة صعبة وخطيرة تمثّل دعوةً مفتوحةً إلى كلّ كبير من أدباء الأمّة أن يعيد كتابة السيرة من جديد.
ويبقى أنّ هذه الرواية هي تجربة حديثة في كتابة السيرة المحمّديّة تؤشّر إلى الأدبيّة الروائيّة التي يجب أن ينتهجها الروائيّ العربيّ؛ لأنّها متصلة بتاريخنا الأدبي، وبإمكاناته، وبمعالم الخصوبة التي يبطنها. وهذا ما يمكّنه من أن يقف أمام مشهد التاريخ الأدبي الغربي، والروائيّ منه على وجه الخصوص، متحرّرًا من كلّ مركّبات النقص التي يعيشها أديبنا وأدبنا في هذه المرحلة.
المصدر: الوفاق/ وكالات