المستشار السياسي السابق للأمم المتحدة "فليح سوادي" للوفاق:

الوحدة الإسلامية.. نظام فكري لحماية مصالح الأمّة

خاص الوفاق: ان ايجاد قطب تلتف حوله بلاد المسلمين، هو أمر مهم في التوجه نحو الوحدة، وقد جربنا بان «القضية الفلسطينية» كانت من الأمور التي قاربت بين الشعوب الإسلامية في مواجهة العدو الصهيوني المحتل، ويتحمل المسؤولية «الإعلام النظيف» في البلد لكشف محاولات الأعداء لبث الفرقة

2024-09-18

سهامه مجلسي

 

تمرّ الأمّة الإسلامية في مرحلة تاريخية، حيث تعاني من خطرين يهددان كيانها، الأول داخلي يتمثل بحالة الانقسام والتبعية للثقافة الأجنبية، والثاني خارجي يتجسد في قوى الاستكبار العالمي، التي تعمل جاهدةً تحت عناوين مختلفة على غزو الوعي والثقافة الإسلامية، والسيطرة على مقدّراتها.

 

وأمام هذه الأخطار، انطلقت الوحدة الإسلامية كمفهوم ومشروع عمل، ليشكل البناء التحتي والأصل الذي تَتَأَسس عليه سياسات نهوض الأمة، وإعادة بناء قضاياها العامة بما يطمح إلى شق الطريق نحو نوع من التعامل مع هذا الواقع، يستجيب للشروط التي يفرضها العصر، ولهمومنا المشتركة التي تحركنا، مع الحفاظ على ثوابت العقيدة.

 

وحظيت موضوعات الوحدة الإسلامية باهتمامات علماء الدين والمصلحين الاجتماعيين والمفكرين منذ مدة طويلة من تاريخنا، ومن ضمن هؤلاء كان الإمام الخميني(قدس) الذي بذل جهوداً واسعة من أجل الوحدة الإسلامية واعتبرها حاجة ضرورية، لا تعني إلغاء الآخر أو إعادة تركيب فكره وتشكيل وعيه وصياغة ثقافته وبنائها وفق إرادة الطرف الغالب، ولا تعني صهر الهوية الذاتية للمذاهب الإسلامية في بوتقةٍ واحدة تضيع معها الخصوصيات وتذوب المميزات، لأن بقاء الخصوصية لا يعني القطعية مع الآخر، بل يعني تجلي الرحمة في مظاهر الاختلاف الذي يعود إلى مشتركٍ يتحرك في نفس الفضاء الثقافي، وانتماء إلى ذات المرسل والرسول والرسالة، وفي هذا الصدد أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع المستشار السياسي السابق للأمم المتحدة فليح سوادي، فيما يلي نصّه:

 

 

تنّوع الأذواق والمشارب الفكرية

 

قال المستشار السياسي فليح سوادي بأن أسبوع الوحدة الاسلامية، هو مقترح عالمي رائع تبنته الجمهورية الاسلامية في ايران منذ اليوم الاول لتأسيسها بجهودِ عالم وفقيه اسلامي كبير هو الإمام الخميني(قدس) وقبولٍ من شعبٍ تتنوع فيه الأفكار والمشارب، كما تتنوع البيئة الطبيعية للبلد ايران…

والحديث عن الوحدة الاسلامية هو حديث قديم جداً منذ زمن الرسول الأكرم(ص) وأرسى قواعدها القرآن الكريم «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَميعاً وَلا تَفَرَّقُوا»، لم يقل «توحدوا» بل قال «تَفَرَّقُوا» لان الأذواق والمشارب الفكرية بمرور الأيام تتجدد بتجدد الأزمان وتتغير حاجات الفرد في المجتمع الذي يعيش فيه في اي بقعة من العالم، فهناك الأعراف المحلية والتقاليد اضافة الى العملية الفكرية الكبيرة التي ظهرت في عهد الإمام جعفر الصادق(ع) وبعد مرور 80 سنة هجرية واستمرت لمدة حياة الامام الصادق(ع) (63 سنة) وهو اكبر علماء أهل البيت(ع) في زمانه، فأنجبت هذه المدة علماء كبار درسوا على يديه، «ومدرسته انتجت 4000 محدث، فإن الحركة الفكرية لم تكن مغلقة ابداً واستمرت لغاية هذا اليوم… مما يعني ان تنوع الافكار لابأس به مع تنوع المشارب والحفاظ على الأصول العقائدية للإسلام، اننا نرى التنوع في الخليقة وهو من صنع الباري عز وجلّ في المأكول وفي المشروب ولون بشرة الإنسان… بل تعدى ذلك الى تنوع العمارة والصناعة والزراعة، ولولا هذا التنوع لعاش الانسان في ضجر. فكل هذا التنوع في مشارب الحياة كله مطلوب وهو السبيل الى ترويج المحصولات والانتاج… اذن ليس التنوع الفكري هو سبب الإختلاف بل ان الإختلاف ينشأ عادة من تحويل الفكرة والتعمق بها الى الشخصنة وربما يدخل الحسد والبغضاء من هذا السلوك البشري…

 

 

معنى الوحدة الإسلامية بين أبناء وشعوب الأمة الإسلامية

 

ویذكر الاستاذ فليح سوادي بان الوحدة الإسلامية هي شعار يكون قابلاً للتطبيق متى ما أبعدنا علماؤنا ومجتمعنا عن المزاج البشري وقـــَـبــِــل كل واحد بمتبنياته الفكرية التي لاتخرج عن الاصول الإسلامية، فلا تعني «الوحدة» ذوبان المذاهب في مذهب واحد مادامت هي ذائبة في اصل الإسلام. فهناك مؤثرات عليها من خلال الحياة الاقتصادية «في الصناعة والطب والهندسة والزراعة وغيرها في مختلف انواع العلوم الطبيعية…» والسياسية المشتركة التي يمكن ان تكون وسيلة لتوحيد الشعوب الإسلامية كما تفعله اليوم بلدان فيها المسلم وغير المسلم وحتى غير الديني… مع الإبقاء على تنوع الأفكار في المجتمعات. بهذا التصور فان «الوحدة» قابلة للتحقق وليس هي «حلم بعيد» بل يحتاج الى «الإرادة» التي تكسر جمود النفس البشرية.

 

 

عوامل ايجاد الوحدة

 

ويعتقد سوادي ان مشكلة المسلمين، ايجاد قطب تلتف حوله بلاد المسلمين، وهو أمر مهم في التوجه نحو الوحدة، وقد جربنا بان «القضية الفلسطينية» كانت من الأمور التي قاربت بين الشعوب الإسلامية في مواجهة العدو الصهيوني المحتل، ويتحمل المسؤولية «الإعلام النظيف» في البلد لكشف محاولات الأعداء. توقف العدو الصهيوني عن أذية أهل البلاد من الفلسطينيين حينما وجد تكاتفا من الدول الإسلامية، وخير دليل هو ما قامت به بعض الدول العربية وغير العربية بمقاطعة الكيان المحتل، وقامت بإعادة النظر في انتاجها للنفط، فكان متنفساً لأهلنا في فلسطين، اما حينما وجد العدو بان الدول الإسلامية «اهملت» متابعة «القضية الفلسطينية» بل ان بعضها للأسف تحاول التطبيع مع العدو، وهو نكسة كبرى أذلت المسلمين وجعلتهم خاضعين لحكوماتهم العميلة، واكتفوا بالهتافات ورفع الشعارات، وما نشاهده في الدمار الهائل والقتل اليومي للفلسطينيين يزداد يوماً بعد آخر، والعدو يتمادى. ونذكر بعض العوامل لايجاد الوحدة:

 

– الاستقرار: لان البلد غير المستقر، بسبب تدخل الأعداء لخلق وتمويل «طابور خامس وجوكرات» تخلق الفوضى في هذا البلد، فان بوصلته تنحرف عن الاتجاه الصحيح ولا تتجه نحو حل المشاكل الداخلية بل تزيدها تعقيداً، وهدف العدو هو ابقاء هذه البلدان في مرجل الغليان والاضطراب والفوضى، ولا تستطيع ان تفكر في شيء آخر، وتحقيق هذا الأمر منوط بتحمل المسؤولية والواجب من قبل افراد الشعب ومسؤوليه جميعاً، وأخذ العبرة مما يحدث في قارة افريقيا وأمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا.

 

– الرقي العلمي والإقتصادي: كلما كان البلد في نمو علمي واقتصادي فانه كفيل بادارة شؤونه ويفيض من علمه وعمله على البلدان الضعيفة الاخرى، واقربها اليه هي البلاد المشتركة في العقيدة الإلهية، وهذا الرقي تقوم به مؤسسات البلد الحكومية والأهلية، فتقل نسبة الفقر والعوز الاقتصادي الذي يؤدي الى مجتمع ولود للكفاءات ومبدع ومنتج لا يحتاج الى الدول الاستعمارية التي تضيق الخناق عليه، وخير مثال ما نلمسه من آثار الحصار على ايران الذي استمر منذ 45 عاماً دون توقف وكيف ان الشعب معطاء وولود ومنتج ويشارك في صياغة قرار الدولة ويحافظ على اتجاه بوصلته الاسلامية، واصبحت ايران دولة لها وزنها بين دول العالم العلمية.

 

– الامية: لانقصد بـــ «الامية» هنا عدم القراءة والكتابة، لكن مانعنيه هو تفاوت درجات الوعي عند الشعوب الاسلامية، فالإنسان غير الواعي ينساق مع الدعاية المغرضة التي تعمل على تفتيت نسيج المجتمع وتنسيه آلام الآخرين. وهنا الدور يقع على عاتق العلماء والمفكرين في بحث طرق توعية المجتمع وتحصينه ثقافياً وعقائدياً. وهذا مانراه من وعي الشعب الفلسطيني وإلتفافه حول مقاوميه وإسنادهم ودعمهم ليحصدوا اغلى الانجازات في ساحات الوغى.

 

– الأمل: مثال على ذلك فلسطين ومايجري فيها اليوم من دمار وتطهير عرقي، انفتحت آفاق الأمل في وحدة المسلمين من خلال «النخوة العربية والإسلامية» والشعور بالمسؤولية الشرعية، والتي انتجت «مقاومة» امينة وشجاعة تلبية للحديث الشريف «من أصبحَ ولم يهتم بأمور المسلمين، فليس بمسلم»، نهض شعب لبنان وشعب العراق وشعب اليمن «السعيد» وحمل السلاح لانقاذ «قطاع غـزة» المقاوم، باسناد ودعم كامل منذ عام 1979م ولحد اليوم من قبل الجمهورية الاسلامية في ايران… وما نراه من وهن وضعف العدو واستنجاده بالغرب الغادر الذي يمده بالجسور من الغذاء والسلاح وكل شيء، وتحول الكيان المحتل الى اناس مشردين بل اكثر من مليون منهم غادر الى البلدان التي جاؤوا منها واحتلوا فلسطين… فهذه بارقة أمل لإستعادة شعوبنا الثقة بنفسها في اجتثاث عدو لقيط لا تاريخ له في ارض فلسطين غير توافد شذاذ الآفاق وتجمعهم في الأرض المقدسة.

وهناك أمور حياتية تصب في هذه النقاط لتعزيزها وشرحها ووصولها الى ان تكون «أهدافا» نضعها أمام أعيننا، ولعل الأدباء الآخرين سيتطرقون اليها في مساهماتهم المحمودة… والله من وراء القصد.

 

المصدر: الوفاق/ خاص