في معرض "مناظر طبيعية برية"

“غادة الزغبي” تستلهم الصخر للحلم والذكريات

لوحات بأحجام مختلفة، تطغى عليها الألوان القاتمة، الهادئة، وتطلّ منها أحياناً لمعات ضوء، وألوان زاهية، تجعل النقيض يظهر جمال ضده.

2024-09-23

في معرضها الحالي “مناظر طبيعية برية” تعود الزغبي للطبيعة، ولبيئتها البقاعية المحفوفة بالصخور والجبال الجرداء، بينما في معارض سابقة أثارت إشكاليات مدينية.

ما انفكت الفنانة اللبنانية غادة الزغبي (1980) تستلهم بيئتها، وما يحيط بها من ظواهر، تستمدّ منها مواد متعددة لعملها الفني، وتربط بين الانسان والفضاء المحيط به، محاولة بلورة التأثير الجدليّ بين الاثنين.

 

وبين معرض وآخر من معارضها، قد لا يجد المرء علاقة مباشرة، أو تشابهاً فنياً، فهي قادرة على التعبير عما تريد إجلاءه بطرق مختلفة، وفي كل مرة بإحساس مختلف، متوافق مع اللحظة التي تعيش، ولا مانع لديها من العودة إلى الماضي للتفكّر بالحاضر والتعبير عنه.

 

في معرضها الحالي “مناظر طبيعية برية” (Wild Mindscapes)، تعود الزغبي للطبيعة، ولبيئتها البقاعية المحفوفة بالصخور والجبال الجرداء، بينما في معارض سابقة أثارت إشكاليات مدينية انتقدت فيها نزعة لبنانية حيث يبدأ الانسان بتنفيذ مشروع، لكن الإهمال يضربه، ويظل عالقاً بين الواقع والخيال كما في معرض “فتنة الأطلال” الذي عالج فوضى التطور المديني في بيروت، ومنه انتقلت إلى انتقاد الإهمال اللبناني في التعامل مع الفكرة، أو الحلم.

 

معرض “مناظر طبيعية برية” غاليري “ربيز”، يعرض مجموعة من اللوحات الفنية الزيتية، أكريليك على كانفا، تميل إلى التعبيرية، ولا تغيب النزعات الانطباعية عن بعض اللوحات، وأحياناً تمزج الفنانة بين الفنين في اللوحة الواحدة.

 

لوحات بأحجام مختلفة، تطغى عليها الألوان القاتمة، الهادئة، وتطلّ منها أحياناً لمعات ضوء، وألوان زاهية، تجعل النقيض يظهر جمال ضده.

 

نطاق المعرض اقتصر على أجواء طبيعية معينة، تطغى عليها الصخور التي جذبت انتباه الفنانة، وأثارت فيها أحاسيس معينة، يرجح إنها نابعة من التعوّد عليها، والتعايش الدائم معها، فهي ابنة بيئتها البقاعية، تتفاعل مع مناظرها في كل غدوة لها، أو حين تقصدها لغاية معينة، وربما تلاحظها في المدينة متناغمة مع فوضى البناء، أو على شواطىء البحر.

 

تتجلى الصخور بأشكال وتراتبيات متنوعة، فهي أحياناً متكوّمة كما رصفها فلاحو الأراضي القدماء للتخلص منها من داخل الحقل، أو مبعثرة على حفافي الوديان كما شاءتها الطبيعة، أو بأشكال رمزية كنصوب مسبقة المقصد، وربما عبّرت عن الصلابة، والقوة، والقسوة كما تظهر تجمعاتها تصدّ أمواج البحار.

 

أما هي فتقول في تعليق لها عن عملها: “من عمر الأرض أو حديث التكوين، من صلب الطبيعة او من صنع الإنسان، متجذر في الأرض أو مرمي أو محطم، في الحجر حياة، على عكس ما قيل عنه، فهو يروي حكايات التكوين والأمكنة، وحكايات الناس الذين مروا به، احتموا به أو حاولوا تطويعه”.

 

وتضيف: “بدأت هذه السلسلة من اللوحات بينما كنت أرسم مناظر طبيعية لجبال ووديان لبنان. وجدت نفسي مفتونة بأشكال الصخور والأحجار التي صادفتها. وجدت نفسي أستمتع بالعملية الإبداعية المتمثلة في تصور وتشكيل أشكال حجرية مختلفة لتوضيحها في تمثيلاتي البصرية”.

 

 

هل يمكن للحجر أن يكون منبع إلهام أم نواة حلم؟ أو هو ذكرى وحنين لماضٍ عميق في الذاكرة؟ سؤال لا يجد فيه الفنان غرابة، فمشاعره هي التي تحدد انطباعاته، وطرائق التعبير عنها، وفي ذلك تتساءل الزغبي: “هل هي ذكرى توارثتها الأجيال، وتتجدد في روحي؟ هل يمكن أن تكون ذكريات الجدّات اللواتي سكنَّ ذات يوم نفس المناظر الطبيعية ولمسن نفس الأحجار؟ كم من القصص شهدتها هذه الصخور، وكم من أسلافي واجهوها؟”

 

وتخلص إلى إنه “إذا كانت هذه الصخور قادرة على استحضار الذكريات، فأي أحجار ستحمل حكايتي إلى أحفادي، وأي حكايات ستروى؟”.

 

يذكر أن الزغبي أقامت أول معرض فردي لها بعنوان “أنظمة شخصية” (2016)، في غاليري آرت سبيس، بيروت، حيث قدمت 13 لوحة زيتية، تحكي كل منها قصة شخصية لشخص تم انتقاؤه بشكل عشوائي في مجتمعها المحلي.

 

وفي العام 2021، أقامت الزغبي معرضها الفردي الثاني بعنوان “مهجورة جميلة” في غاليري جانين ربيز، وحظي بإشادة نقدية وشعبية كبيرة. كما شاركت في العديد من المعارض الجماعية والمهرجانات الفنية في لبنان والخارج، مثل لندن، والأردن، وقطر، ومصر، والجزائر، والإمارات العربية المتحدة، وفرنسا.

 

تم اقتناء لوحاتها من قبل العديد من جامعي التحف الخاصة، وهي جزء من المجموعة الدائمة لمتحف سرسق، وتُعرض أعمالها بانتظام في Galerie Janine Rubeiz، التي تمثلها في بيروت.

 

المصدر: الوفاق/ وكالات