أقيم قبل فترة حفل ختام جائزة فلسطين العالمية للآداب في بيروت، وكان الأديب والكاتب الإيراني “حسينعلي جعفري” من ضمن الفائزين في قسم الرواية الطويلة لكتابه “صور”، ويوم الأربعاء الماضي أقيم حفل ختام جائزة جلال الأدبية في طهران، وقد تم اختيار كتاب “صور” مرة أخرى ضمن قائمة الفائزين في قسم الرواية، فبهذه المناسبة إغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع مؤلف الكتاب السيد “حسينعلي جعفري” الذي هو من مواليد 1968، وهو كاتب ايراني من محافظة سمنان، خريج العلوم السياسية ومحاضر جامعي، وقام بتألف كتب روائية كثيرة، وحصل على جوائز عديدة، فنذكر نبذة قصيرة عن الكتاب وبعد ذلك نتطرق الى الحوار الذي جرى بين السيد “جعفري” و “الوفاق”.
صور
كتاب “صور” رواية عن أبي خالد رجل فلسطيني عجوز يريد الذهاب إلى كربلاء المقدسة في الزيارة الأربعينية، فينطلق من القدس ويريد المشاركة في هذه المسيرة الضخمة.
يحاول المؤلف في هذا الكتاب تصوير ماضي فلسطين. تُروى حكاية أبو خالد بطريقة أنه بالإضافة إلى ماضي فلسطين وأوضاع هذه البلاد، يتم إنشاء جسر بين فلسطين ومدينة كربلاء المقدسة.
يحاول الكتاب تقليص المسافة بين الأديان والمذاهب وعدم جعل الإمام الحسين (ع) خاصاً للشيعة وتقديم ذلك الإمام الكريم كداعم عظيم لجميع الأديان والشعوب.
المشجع والحافز على تأليف الكتاب
بداية طلبنا من السيد “جعفري” لكي يتحدث لنا عن الدافع والحافز لبدء الكتابة، خاصة كتابة القصص والروايات عن فلسطين، فقال تعتبر فلسطين من هموم كل مسلم، فالناس معنيون ومهتمون بالنسبة لأمة مشرّدة لديها مشاكل مختلفة.
وقد قمت بدراستها، وكنت مهتماً بها، وكان من اهتماماتي موضوع كربلاء المقدسة، ومن وجهة نظري الخاصة، كنت أعتقد أنه يجب عليّ ربط هذه الأشياء، وقد فعلت هذا في رواية “صور”، وهذه الإهتمامات الشخصية كانت دافعي لكتابة الرواية عن فلسطين.
كما ألقيت نظرة على موضوع مسيرة الزيارة الأربعينية، عندما كنت أتحدث مع أحد أصدقائي، كنّا نقول كم هو جيد أن نواصل هذا الطريق ونذهب إلى القدس الشريف، ونأمل أن يحدث هذا يوماً ما، وكانت عندي خطة لذلك، وكان الأمر هكذا، ثم قلت أن هذا لا يكفي، وماذا يجب أن نفعل لنتحدث أكثر عن فلسطين، ثم طرحت هذا في إطار الرواية وظهر الحديث عن الرجل الفلسطيني العجوز ولقد قدّمت وطرحت قضية فلسطين بهذه الطريقة.
نشأ دافعي الأساسي من موضوع مسيرة الزيارة الأربعينية والعلاقة بين كربلاء المقدسة والقدس الشريف، وكانت هذه الشرارة التي اندلعت.
جائزة فلسطين العالمية وتأثيرها
بعد ذلك سألنا هذا الكاتب الإيراني: ما رأيك فيما يتعلق بمهرجان جائزة فلسطين العالمية للآداب وأثر إقامة مثل هذه المهرجانات؟، فقال السيد “جعفري”: برأيي مهرجان جائزة فلسطين جيد جداً وعلينا أن نولي المزيد من الإهتمام لفلسطين ونقوم بنشر قضية فلسطين أكثر في العالم ونصرخ لمظلوميتها، وهذا هو الذي حدث كأحد هذه الطرق هنا في جائزة فلسطين العالمية، وحتى أنني سمعت أنه لا يوجد مثل هذا بهذه الصورة حتى الآن وقد فوجئت بعدم وجود مثل هذه الجائزة لسنوات عديدة.
منذ حوالي 70 عاماً، لم يكن هناك مثل هذه الجائزة لفلسطين، لكي يصل صوت الشعب الفلسطيني ومظلومية فلسطين الى كل العالم، ويمكن لهذه الجائزة أن تصرخ بهذه المظلومية وتشجع دولاً مختلفة من جميع أنحاء العالم على معرفة المزيد عن القضية الفلسطينية.
وتقوم بتقديم المزيد للعالم، وإعطاء المزيد من الوعي لشعوب العالم، حتى نتمكن من الوصول إلى النصر النهائي، وبالتأكيد يمكن أن تكون هذه المهرجانات مؤثرة، على سبيل المثال، ربما كان الشخص الذي أمامي مختلفاً عني من حيث المظهر والأفكار، لكننا كنّا مشتركين في قضية فلسطين، وهذه نقطة مهمة جداً.
فكرة تأليف “صور”
فيما يتعلق بفكرة تأليف رواية “صور” الجذابة الحائزة على الجائزة والغرض من كتابته، قال السيد “جعفري”: كان الدافع بالنسبة لي هو الإهتمام بالزيارة الأربعينية، وكنت أود أن يذهب هذا الحشد الضخم إلى القدس الشريف ذات يوم، لكن هناك عقبات والعقبة الأكبر هي الكيان الصهيوني.
وكانت هذه هي الشرارة لفعل ما أردت القيام به، وكان هناك شيء في ذهني هو أن كربلاء اليوم هي فلسطين، والأمور التي حدثت في كربلاء المقدسة في ذلك الوقت تحدث في فلسطين الآن.
المصاعب والمعاناة التي يعانيها الشعب الفلسطيني على يد مجرمي الكيان الصهيوني، كانت هذه هي همومي التي تسببت في إشعاله وخلق اتصال بينهما، أحدهما كان هذا ، والآخر هو أنني أعتقد أنه طريقة إنقاذ فلسطين طريقة واحدة فقط، وهي طريق الإمام الحسين (ع).
إذا حدث هذا بين الفلسطينيين وكان هناك إجماع على أننا يجب أن نسير بنفس الطريقة التي ذهب بها الإمام الحسين (ع)، فسوف ننتصر.
وهذه الأمور جعلتني أربط بعضها بالبعض وأقول شيئاً وأمضي قدماً، أولاً وقبل كل شيء أقول هذا للفلسطينيين وأوجّه كلامي الذي ذكرته لهم.
برأيي لا تقولوا الأمة العربية، دعوا تلك الحدود في مكانها، سواء عربية أو غير عربية، ليكن كل شخص في مكانه ولكن ما يمكن ان يؤدي الى التحرير هي الأمة الإسلامية.
الحصول على الجائزة
وفيما يتعلق بفوزه وشعوره عند الحصول على الجائزة قال السيد “جعفري”: يجب أن أقول في الحقيقة أنني كنت لم أفكر في وجود مثل هذه الجائزة على الإطلاق، ولا أتذكر أنني سمعت عنها، ثم اتصلوا بي وقالوا أن هناك مهرجانا ومسابقة في هذا المجال، وكنت سعيداً جداً، لأنني تمكّنت من القيام بشيء بهذه الطريقة التي تم اعتبارها واجتذبت الحكّام، وقد شجعتني، إن شاء الله، سأواصل مسيرتي في هذا الاتجاه بالمستقبل، إذا بقيت لدي القوة والحياة، فسأظل أكتب عن فلسطين وأشجع الآخرين على ذلك. أكتب عن فلسطين، ليس للحصول على الجائزة، ولكن من أجل زيادة إثارة القضية الفلسطينية، والهموم التي لدينا، لكي تصبح هذه الأفكار عالمية.
دعم القضية الفلسطينية
وعندما سألنا السيد “جعفري”: كيف ندعم قضية فلسطين والأمة الفلسطينية وننشر ثقافة المقاومة بالأدب؟، هكذا ردّ علينا بالجواب: قال سماحة قائد الثورة الإسلامية أن أي فكر وأي تقدم وحضارة تريد البقاء والخلود يجب أن تكون في إطار الفن، وجزء منها هو الرواية.
ويجب أن تخدم الفنون المختلفة قضية فلسطين والقدس الشريف، حتى نتمكن من تحقيق التقارب والوحدة بين الجميع، المسلمين أولاً ثم البشر، وكذلك الأحرار وحتى غير المسلمين والسير في هذا الاتجاه.
ودعنا نصل إلى المثل الأعلى الخاص بنا، ويمكن للفن أن يساعد كثيراً في هذا المجال، وأحد هذه الأجزاء هو الأدب، في رأيي، الأدب هو الأساس والأم، الفيلم أو العرض المسرحي أو أي شيء آخر، يأخذ اتجاهه من الأدب ومصدره من هنا.
التطبيع ومواجهة الحرب الناعمة
بعد ذلك قلنا لهذا الكاتب الإيراني: نشهد جهود الصهاينة لتطبيع العلاقات الثقافية من أجل إظهار وجه أفضل عنهم، فكيف نواجه هذه الظاهرة وكذلك الحرب الناعمة التي تستهدف العالم الإسلامي اليوم وما هي أفضل طريقة لمواجهتها؟، فقال السيد “جعفري”: لا أعرف حلولاً أخرى، لكن الحل الذي نملكه أو السلاح الذي نملكه نحن الكتّاب، هو هذا الطريق.
يجب الرد على الحرب الناعمة بنفس الحرب الناعمة، كنت أتحدث مع أحد أصدقائي حول أن هناك كتابا بعنوان “الأدب والصهيونية”، وهذان الإثنان لا يتوافقان مع بعضهما البعض.
وفي هذا الكتاب يقوم المؤلف بدراسة كيفية وصول اليهود الذين يُعتبرون قتلة المسيح (ع) في أوروبا، تدريجياً إلى مكانتهم اليوم في أوروبا، على سبيل المثال في لندن، حيث لم يكن عددهم كثيراً وكان عددهم صغيراً، ووصلوا تدريجياً إلى مكانة حتى أصبح رئيس بلدية لندن يهودياً، والوزير البريطاني يصبح يهودياً، وبعد ذلك الأمور الأخرى، فمن أين بدأ هذا؟
لقد بدأت من رواية، القصة والرواية تظاهرت تدريجياً أنه لا يوجد شيء سيء من هذا القبيل عند اليهود على الإطلاق وأن لديهم أشياء جيدة وغيرها.
اليوم موضوع الأدب والفن يمكن أن تغيّر الأفكار والعقليات، ما هي الحرب الناعمة؟ هي إدارة للإدراك والشعور الذي يمكن القيام بها، ويمكننا أيضاً مواجهته بنفس الطريقة إذا استطعنا، لكن يجب علينا أن نقول كلمتنا بسهولة ونقول إن هذا هو هدفنا وننجح في الوصول إليه.
الوحدة أمام الإستكبار العالمي
بعد ذلك سألنا السيد “جعفري” أنه كيف يمكن لكل أحرار العالم أن يتحدوا ضد الكيان الصهيوني والإستكبار العالمي؟ فقال: كما ترون في رواية “صور”، أكدت كثيراً على وحدة الأديان، لدينا قواسم مشتركة مع جميع الأديان، يجب إبرازها، أو فيما يتعلق بتقارب المذاهب، لدينا صلات وتقارب مع المذاهب الإسلامية، يجب إبرازها.
فلسطين هي أحد المحاور لمعرفة ما يجب القيام به بين المذاهب المختلفة أو حتى بين شخص قد لا يكون لديه أي عقيدة، ولكنه يتمتع بالحرية.
ذكرت في “صور” مثلاً ان غاندي يقول: ان قائدي هو الإمام الحسين (ع)، يسألونه لماذا؟
يقول غاندي: لأنه وقف ضد الظلم وتعلمت منه الوقوف ضد الظلم، فإن تسليط الضوء على هذه الأمور وإبرازها يمكن أن يجمع بين الأحرار، ألا نقول إن الإمام الحسين (ع) هو أبو الأحرار، وسيد الأحرار؟
في رواية “صور” كان لدي تفسير وشرحت أن لدينا ما يسمى “دحو الأرض”، أي أنه عندما كان يريد الماء أن ينزل وتظهر تحته الأرض الجافة، بدأت من تحت الكعبة، وهناك طقوس خاصة للعبادة في هذا اليوم، وغيره.
قلت إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كربلاء المقدسة هي بالفعل “دحو الأحرار”، وإذا كان الإمام الحسين (ع) هو المحور، فلا ينبغي أن نعتبر الإمام الحسين (ع) حصرياً للشيعة، فالإمام الحسين (ع) هو سيد أحرار العالم.
أي قد لا يكون عنده دين، لكن يحب الإمام الحسين (ع)، ويريد أن يأتي في صف الإمام الحسين (ع)، وهو في مقدمتنا ويجب أن نعتبره منّا، وإذا قمنا بزيادة عدد هؤلاء وعلى أساس هذه الشروط، سنخلق تلك الوحدة.
السبب في اختيار “صور”
فيما يتعلق بالهدف الذي وراء ومضة كتابة رواية صور واختيارها، قال السيد “جعفري”: أنا أؤمن بفلسطين وأكتب معتقداً، وأعتبر هذا شكلاً من أشكال العبادة، وفي هذه الرواية أيضاً كنت أريد أن أقول كلماتي الخاصة، والكلمات التي أؤمن بها.
أود أن أقول لكم إنه إذا كان الجميع ضد موضوع وتوصلت إلى حقيقة أن هذا هو الحق، فسأدافع عنه، وأدوات عملي هي القصص والروايات.
والسبب في اختيار عملي كان المحتوى والبنية، حول المحتوى، تحدثت عنه، وأما حول ماهية القصة وكيف تكون، وهيكل الرواية، في رأيي، بالإضافة إلى كونها مكتوبة ببساطة، ويجب أن يكون لديها هيكل مقبول، على سبيل المثال، عندما أختيرت رواية “صور” في دولتين وفي جائزتين، في نقطتين مختلفتين، وتمكن الحكّام من التوصل إلى رأي مشترك، اتضح أنني وصلت إلى ما كان يدور في ذهني ككاتب الرواية، وأريد أن يكون كل ما أكتبه أفضل من كتاباتي السابقة، سواء من حيث المحتوى أو من ناحية الحبكة والهيكل، ويتمتع ببنية مقبولة.
الآن، لقد فعلت ذلك بأفضل ما في وسعي، وبالتأكيد أخذ الحكّام هذه الأمور في الاعتبار للوصول إلى هذا الاستنتاج وإعلاني كفائز، ولكن بالطبع، يجب عليهم الإجابة عن هذا السؤال.
إقرأوا “صور”
وأخيراً قال السيد “جعفري”: ليس لدي أي وجهة نظر خاصة وإن شاء الله سيقرأ القرّاء رواية “صور” ويعجبون بها ويقدمونها للآخرين. ليس بشأن اسمي، لكن الفكرة هي الفكرة الصحيحة، ولها القدرة على تقديمها للآخرين.