ففيما يغادر رئيس الأركان أفيف كوخافي منصبه، بعد وعود سابقة قطعها بإطلاق سراح الأسرى الصهاينة الأربعة، عرضت كتائب القسّام، رسالة مصورة للجندي “الإسرائيلي” الأسير لديها أفرها منغستو، مسلّطةً بذلك الضوء، على كذب كوخافي على شعبه وحكومته، بإنجازات مدعاة وموهومة. وأرفقت الفيديو بعبارة ساخرة تقول: “أنا آسف جداً أني لم أتمكن من إنجاز ملف الجنود في فترتي”.
وهنا، لا بدّ من الإشارة، إلى أنّ الاحتلال لطالما زعم أنّ الجندي “منغستو” مريض عقلياً، لكنّه في فيديو القسّام يتحدّث بكامل قواه العقليّة، وهو ما يدحض ادعاءات قيادة الاحتلال ويكشف عدم تعاملها بجدّية مع ملف الجنود الأسرى لدى المقاومة.
*عمليات نوعية في أسر جنود صهاينة
ولا يمكن الحديث عن الأسرى الصهاينة الأربعة الموجودين لدى المقاومة الفلسطينية اليوم، من دون التطرق إلى عملية أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، والتي نفذت خلف “خطوط العدو”، وهي واحدة من أعظم عمليات الأسر التي نجحت فيها المقاومة الفلسطينية في 25 حزيران/ يونيو 2006، في عملية نوعية من داخل دبابته في موقع إسناد صوفا شرق رفح جنوب قطاع غزة، والتي توّجت لاحقاً بإنجاز صفقة “وفاء الأحرار”، وتحرير 1027 أسيراً عام 2011، بعد أن تمكّنت المقاومة من الاحتفاظ به في أصعب الظروف الأمنية لمدّة 5 سنوات، وصولاً إلى إرغام الاحتلال القبول بشروطها.
وتحتفظ حركة “حماس” بـ4 أسرى صهاينة، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على قطاع غزة صيف عام 2014، وهما شاؤول آرون (20 تموز/ يوليو 2014)، وهدار غولدن (آب/أغسطس 2014).
أمّا الآخران أباراهام منغستو (7 أيلول/سبتمبر 2014) وهشام السيد (في نيسان/أبريل 2015) فقد دخلا القطاع في ظروف غير واضحة. وترفض الحركة الكشف عن أيّ تفاصيل تتعلق بهما من دون دفع الاحتلال الثمن.
*من الأسر إلى فن التفاوض
وفي قراءة سريعة للعملية التي تمّ خلالها أسر شاؤول آرون، فقد كانت عملية عسكرية نفذتها القسّام، استدرجت فيها قوّة صهيونية خاصة حاولت التقدم شرق حي التفاح شرق غزة، ونجح الاستدراج ووقعت القوة في حقل الألغام المعدّ مسبقاً، وأدت إلى مقتل 14 جندياً صهيونياً من مسافة صفر، وأسر الجندي آرون من داخل آليته.
ولم تتوقف العملية على أسر الجندي آرون، فخلال معركة “العصف المأكول”، تمكّنت كتائب القسّام من أسر جندي آخر هو هدار غولدن، بعد اشتباك مسلّح في رفح في الأول من آب/ أغسطس عام 2014، خاضته الكتائب مع قوّة من لواء جفعاتي بعد تقدّمها شرق المدينة. وهو ما يثبت القوّة النوعية التي باتت تمتلكها المقاومة في إدارة المعارك، والاستدراج، وإعداد الأفخاخ والكمائن للإيقاع بأكبر عدد من الأسرى “الإسرائيليين” .
*القسّام توقع الاحتلال في فخّ ضغوط جمهوره
“أمي، لماذا يقولون عني ميت؟”، رسالة وجهتها كتائب القسّام عام 2017، إلى أهالي الأسرى الصهاينة، وذلك ببثّ أغنية على لسان الجنديين شاؤول آرون وهدار غولدن، كانت كفيلة بهز الكيان الإسرائيلي، نتيجة الضغوط المتزايدة على حكومة الاحتلال، التي لطالما ادّعت أن الأسيرين قد قتلا خلال الحرب على القطاع عام 2014.
وتتزايد الضغوط من الأهالي على حكومة الاحتلال من أجل معرفة مصير أبنائهم، وإجراء صفقة تبادلية مع فصائل المقاومة، ويتّهمون الحكومة الصهيونية بالتقصير في هذا الملف. ورغم تنظيمهم لعدد من المسيرات والوقفات الاحتجاجية، في محاولة للضغط على حكومة الاحتلال، وتجنيد الرأي العام “الإسرائيلي”، لكنها لم تثمر عن أيّ نتيجة.
*خيانة تجاه عائلات الأسرى الصهاينة من قبل الاحتلال
أكثر من ذلك، فإنّ هناك شعوراً بالخيانة تجاه عائلات الأسرى الصهيانة من قبل الاحتلال، حيث تمارس الحكومة ووزراؤها حالة من التجاهل والتغاضي عن مطالبها، من خلال تخويفها بأنّ إطلاق سراح أسرى فلسطينيين جدد يخدم استراتيجية حماس على “اختطاف” مزيد من الأسرى الصهاينة، وصولاً إلى هدفها بعيد المدى بـ”تبييض سجون الاحتلال”.
وأثار هذا الملف خلافات صهيونية داخلية، واتّهامات موجّهة إلى الأوساط السياسية و”الجيش” بإهماله، وصدرت جملة تقارير تكشف جوانب عديدة من هذا الإخفاق. وآخرها، ما أعلنه تقرير مراقب “الدولة” ماتنياهو إنغلمان الذي “اتّهم المنسق المسؤول عن ملف الأسرى والمفقودين بالحصول على راتب كبير من دون جدوى، كما أنّ لقاءاته مع عائلات الأسرى الإسرائيليين أتت خالية من المضمون”.
*ملف الأسرى: فن التكتيك والردع
التطور النوعي في إدارة ملف الأسرى، وتوقيت استخدام أوراق الضغط، وآليات الكشف عنها بسياسة “التنقيط” وفق الظرفية السياسية والعسكرية الميدانية، كلّها مخرجات كشفت عنها استراتيجية تعامل المقاومة الفلسطينية مع هذا الملف خلال السنوات الأخيرة.
فالحروب التي شهدتها غزة، كشفت النقاب عن القدرات الحقيقية للمقاومة، والتي لم تقتصر على الجانب العسكري والقتالي فقط، بل أضيف إلى ذلك القدرة الهائلة على فرض معادلة الردع، والخروج بأكبر قدر من المكاسب في ماراثونات الصفقات طويلة النفس.
وبدأت المقاومة في خوض معركة أقسى من المعركة العسكرية، متمثلة في الحرب النفسية، وما فيها من رسائل قوّة تكفي لإرباك الساحة السياسية “الإسرائيلية” . فعند بث أي شريط للأسرى الصهاينة، يسارع الاحتلال وأجهزته الأمنية والاستخبارية إلى تحليل مضمونه وفك ألغازه من دون أيّ جدوى.
*العدو الصهيوني يتراجع تدريجياً
وبعد أن كان العدو يرفض الدخول في أيّ مفاوضات للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، ويعوّل على الخيار العسكري الذي أثبتت التجارب فشله، نجده اليوم يتراجع تدريجياً مع التطوّر النوعي في سلاح المقاومة، ونجاح الأخيرة في فرض معادلات جديدة على الأرض.
كما نجحت المقاومة في جعل كيان الاحتلال يدفع الثمن في كلّ مرّة، وأن يخصص موارد وأن يدير حملات عسكرية ودبلوماسية هائلة للضغط من أجل استعادة جنوده أو مواطنيه.
وما يكرره رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في مرات عديدة: أنّ “الحركة لن تصبر طويلاً على بقاء الأسرى في سجون الاحتلال، وأنّه إذا لم يقتنع الاحتلال بالتوصّل إلى صفقة، فإنّ حماس ستجبره عليها، وتزيد الغلة عبر أذرعها الممتدة في كل مكان”، يؤكّد: أنّ لدى المقاومة أوراق مساومة قوية لم تكشف بعد، وأنّ ملف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال سيكون الصاعق والمفجر للمفاجآت المقبلة مع العدو، وفق ما توعّد نائب قائد الأركان لكتائب القسّام مروان عيسى، في وقت سابق.
من جانب آخر، أفاد مصدر محلي، باستشهاد نقيب في الشرطة الفلسطينية برصاص جنود الاحتلال في مدينة حلحلول شمال الخليل.
وبحسب المصدر، فإن قوات الاحتلال الصهيوني أطلقت الرصاص باتجاه النقيب الفلسطيني حمدي أبودية الزماعرة، بزعم تنفيذه عملية إطلاق نار باتجاه الجنود الصهاينة، ما أدى إلى استشهاده.
هذا ومنعت قوات الاحتلال سيارات الإسعاف والأطقم الطبية من الوصول إلى حمدي عند مدخل النبي يونس في الخليل.
*تنديد أممي واسع بإجراءات الكيان الصهيوني العقابية بحق السلطة الفلسطينية
أعربت دول وأعضاء في الأمم المتحدة، عن قلقها الشديد إزاء قرار حكومة الاحتلال فرض إجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية، بعد لجوء الأخيرة إلى محكمة العدل الدولية للنظر في مسألة الاحتلال الصهيوني لأراضٍ فلسطينية.
ورفضت هذه الدول في بيان إجراءات الاحتلال العقابية، وطالبته بالتراجع الفوري عنها.
وبحسب ما ذكر البيان فإنه “بصرف النظر عن موقف كل دولة من القرار، نرفض الإجراءات العقابية التي جاءت رداً على طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية، وبشكل أوسع رداً على قرار الجمعية العامة، وندعو إلى التراجع عنها فوراً”.
ورحّبت، بدورها، بعثة دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة في نيويورك ببيان دول وأعضاء الأمم المتحدة.