الجامعة ساحةٌ لبناء العقل وتحمّل المسؤوليَّة

الجامعة ليست ساحة للعبث وللعلاقات غير الأخلاقيَّة، وليست ساحة لأيّ وضع عبثيّ يشغل الطلاب عمّا يعيشونه في مسؤوليّتهم العلميّة.

2023-01-18

أن تكون طالباً جامعيّاً، معناه ألا يكون عقلُك العلمي وحدَه معك، بل لا بدّ أن يكون إلى جانب مسؤوليّتك في تربية عقلك العلمي، أنْ يكونَ لك الإحساس بالمسؤوليّة في تربية عقلِكَ الأخلاقيّ، وفي تربية عاداتك الحركيّة، وفي تحديد نهجك في النظرة إلى الآخر، وفي النظرة إلى الحياة، وإلى الواقع.

أنتَ لستَ مجرَّد كتابٍ في الفيزياء والكيمياء تضعه في عقلك، بل أنتَ حياةٌ متحرّكة تترك تأثيرها في كلّ ما حولك وفي كلّ مَنْ حولك، حتّى المادّة العلميّة لها أخلاقيّتها في أسلوب الطّرح، ولها أخلاقيّتُها في طبيعة نظرتك إلى من تعطيه العلم، ولها أخلاقيَّتها في حركيّتك الدائمة في الاطّلاع على نتائج العلم.

لذلك، أنتَ لستَ مجرَّد كتاب علميّ في فكرك عندما تنال الشّهادة، أنتَ حياة متحرّكة تترك تأثيرها في مصيرك ومصير الآخرين.. كم من الجامعيّين دمَّروا الدّنيا، وكم من الجامعيّين استطاعوا أن يرفعوا مستوى الإنسان في الدّنيا! فقد تكون أنتَ خطراً عندما تأخذ بأسباب العلم وتوجّهه في الاتّجاه المضادّ للعلم، وقد تكون ضرورة عندما توجّهه في الاتجاه الذي يُغني الحياة ويبنيها.

لذلك، أنتَ كطالب جامعيّ، لا بدّ أن يكون لك فكرك حول الفساد والصّلاح، وأن تعتبر أنَّ الجامعة ليست مجرَّد ساحة يجتمع فيها الطلاب، بل هي ساحة يعيش فيها الكثيرون حالة الانضباط في الفكر، والانضباط في حركة العاطفة، والانضباط في العلاقات.. هي المَحْضَنُ الّذي يجعل الإنسان يتحسَّس إنسانيّته في الآخر، بالطّريقة التي لا يفكّر فيها باستغلال الآخر وخداعه.

لا بدَّ لنا أن نعتبر الجامعة مسؤوليّتنا، مسؤوليّتنا في أن نصلح أنفسنا فيها من خلال ما نجده في مواقع الصّلاح في داخلنا، وأن نبتعد عن عناصر الفساد، من خلال ما نتجنّبه من ذلك، ليكونَ وجودنا في الجامعة وجوداً واعياً، يتعلَّم فيه الإنسان من الآخر، ويعمل على أن يُغني تجربة الآخر.

من هنا، فالجامعة ليست ساحة للعبث وللعلاقات غير الأخلاقيَّة، وليست ساحة لأيّ وضع عبثيّ يشغل الطلاب عمّا يعيشونه في مسؤوليّتهم العلميّة.

إنَّكم سوف تتخرَّجون مدراء ومعلّمين ومسؤولين… لذلك، فإنّ أيّ فساد تختزنونه في شخصيّاتكم، سواء كان فساداً اجتماعياً أو سياسياً أو جنسياً أو اقتصادياً أو أمنياً، سوف يُثقل أُمّتكم من خلال المواقع التي تحصلون عليها من شهاداتكم الجامعيّة.

عندما تريدون أن تعرفوا مستقبل الأُمَّة معكم، ادرسوا حاضر الأُمَّة مع غيركم، مع كلّ هؤلاء الذين تنقدونهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.. عندما تحاولون أن تفهموا ما هو المستقبل فيكم، ادرسوا أنفسكم في عملية مقارنة مع الآخرين، وقد جاء في كلمة للإمام عليّ (ع): “كفاك أدباً لنفسك، اجتناب ما تكرهه من غيرك”.. لا يَكُنْ نقدُكَ للآخرين نقداً مُتْرَفاً، ولكن ليكن نقداً تُثَقِّفُ فيه نفسك، لتجتنب ما يثقلُها في حياة الآخرين.

بينات