مقاوماً ... أسيراً ... شهيداً ؛

سمير القنطار.. لأجل فلسطين كرس عمره في درب الجهاد

داخل السجن كان القنطار "رقماً صعباً" بالنسبة لمصلحة سجون الاحتلال، كان يتصدى لهجماتها، كما كان أيضاً صوت الأسرى والمدافع عن مطالبهم وحقوقهم.

2023-01-18

الوفاق / خاص

لأجل فلسطين كرس سمير القنطار عمره مذ بلغ السادسة عشرة درب الجهاد بدأه عام 1978 وهوالذي رسم خط حياته منذ الصغر، عندما كان فتى مقاوماً من لبنان، الى فلسطين، فسوريا آخر محطات حياته النضالية.

ثماني سنوات تلك التي أمضاها سمير القنطار خارج الأسر، بدا كمن يسابق الزمن في اللحاق بمحطات الحياة التي يعيشها أي إنسان عادي، تزوج وأنشأ عائلة ورزقه الله بولد سماه “عليّ” ومجدداً اتخذ خياراً حاسماً، ألا وهو إكمال الطريق من حيث توقف قبل ثلاثين عاماً وهو الذي قال يوم تحرّر مرتدياً زيّه العسكري “إنه لم يغادر فلسطين إلا ليعود إليها”، فكان له ما أراد، وكانت الجولان المحطة الرئيسية التي عمل القنطار على التأسيس لمقاومة شعبية فيها.

فمن هو الشهيد سمير القنطار؟

ولد القنطار عام 1962 لعائلة لبنانية من الطائفة الدرزية، كانت دائماً بوصلته فلسطين، ترك حرب لبنان الأهلية واتجه إلى العدو الحقيقي، إلى الكيان الذي اغتصب فلسطين، فالتحق بصفوف جبهة التحرير الفلسطينية عام 1976 وكان في الرابعة عشر من العمر، حيث كان مؤمناً بفلسطين، التي حلم بالوصول إليها، فانضم إلى الوحدة الخاصة في جبهة التحرير، حتى تم اختياره، وبناءً على رغبته، هو وإثنان من أفراد الجبهة لتنفيذ عملية عبر الحدود الأردنية في ‏منطقة بيسان داخل فلسطين المحتلة، إلا أنّ السلطات الأردنية (حينها) ألقت القبض عليه وعلى رفاقه أثناء توجههم للحدود ‏واعتقلته لمدة ثمانية أشهر ليطلق سراحه بعدها.

عملية نهاريا

عاد بعد الإفراج عنه إلى موقعه النضالي وكان التجهيز لعملية نهاريا البطولية فأصر سمير على أن يكون ضمن أبطال العملية قبل أن ينهي عامه السادس عشر، قاد الشهيد القنطار العملية الجديدة بهدف اختطاف جنود إسرائيليين لإتمام صفقة تبادل، والتي أتت أيضاً “رداً على إتفاق ما يسمى بالسلام بين مصر والكيان الإسرائيلي المؤقت “كامب ديفيد”.

وانطلق الشهيد القنطار ومجموعته من الساحل الجنوبي اللبناني من مدينة صور عبر زورق بحري نحو مستوطنة “نهاريا” التي تقع بين مدينة عكا الفلسطينية المحتلّة والحدود اللبنانية، ونجحت المجموعة خلال العملية باختراق أجهزة ورادات للإحتلال، وفي إخفاء الزورق عن “حرس الشاطئ” التابع للإحتلال حيث نجحوا في الوصول إلى المستوطنة، حيث واجهت المجموعة قوات شرطة العدو وقوات إحتلاله بكل بسالة، وذلك بعد تمكن الشهيد مع رفاقه من احتجاز عدد من الأسرى الصهاينة، إلا إن احتدام المعركة أدت إلى استشهاد رفيقيه عبد المجيد أصلان ومهنا المؤيد وأسر رفيقه الثالث أحمد الأبرص، ومنذ اللحظة الأولى لوقوعه في الأسر بعدما نخر الرصاص جسده الفتي ونقله بمروحية إلى مركز المخابرات العسكرية في الجليل الفلسطيني المحتل، رسم القنطار الخطوط العريضة لعلاقته مع العدو الأول والأساسي، واستمر بالمواجهة منذ اللحظة الأولى في التحقيقات الأولية مروراً بالجلسة الأخيرة في نطق الحكم: ثلاث مؤبدات بـ 454 سنة سجن، ومن عسقلان الذي سُجن فيه بعد محاكمته، عوقب القنطار بنقله إلى معتقل نفحة الصحراوي من دون أن ينزعوا الشظية الباقية من رئته وقد تسبب الطقس الجاف والغبار في زيادة معاناته.

نصير الأسرى وعميدهم

إلى السجن… مشوار آخر. حين انتهت المقاومة العسكرية عند القنطار، لتبدأ مرحلة جديدة، فلم يبق سجن في إسرائيل إلا وزاره: معتقل الصرفند، معتقل عسقلان، معتقل بئر السبع المركزي، معتقل الجلمة، معتقل الرملة، معتقل جنيد، إلى أن استقر في معتقل هداريم قرب نتانيا.

وداخل السجن كان القنطار “رقماً صعباً” بالنسبة لمصلحة سجون الاحتلال، كان يتصدى لهجماتها، كما كان أيضاً صوت الأسرى والمدافع عن مطالبهم وحقوقهم، وحظي بعلاقات طيبة مع الأسرى من جميع الفصائل الفلسطينية، فهو لم يفرّق يوماً بين فصيل وآخر، يتعامل مع جميع الأسرى بسواسية. وقد كان عضو قيادي في “اللجنة الوطنية للأسرى داخل معتقل نفحة”، وهي اللجنة التي تفاوض إدارة السجن ومديرية السجون. وذلك بسبب امتلاكه الخبرة في مقارعة السجانين وإدارة السجن كما أشرف أيضاً على أوضاع المعتقلين الجدد الذين يعتقلون من جراء الإنتفاضة، تمهيداً لإعدادهم نفسياً ومعنوياً.

وعندما كانت إدارة السجون تمارس التضييقات، كان يتصدّى لها القنطار ويتشاور مع الأسرى بخصوص خطوات تصعيدية، ولم يتردّد في خوض معارك يكون هو عقلها المدبّر بهدف استرجاع الحقوق. وكانت إدارة السجون تحسب له حساباً بحيث لا تعطي “وعوداً” بخطوات لصالح الأسرى إلا إذا كانت تنوي الالتزام بها، لأنها تدرك جديّة موقفه. وهو لم يتنازل يوماً عن كرامة الأسرى وعوائلهم، رغم أن عائلة القنطار لم تكن تستطيع زيارته إلا أنّه كان يعتبر المساس بأهالي الأسرى الفلسطينيين هو مساس به شخصياً.

ظل سمير القنطار 28 عاماً في سجون الكيان الصهيوني، حتى لُقب بعميد الأسرى العرب بنى خلالها حالة نضالية فكرية داخل المعتقل الصهيوني، وصنع من نفسه أيقونة مقاومة عابرة للحدود، عابرة للطوائف، فهو كان يمثّل “الكل “،  في المعتقل ، كان يمثّل “حماس” و” والجهاد الإسلامي” و”حركة فتح” و” الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”…

علاقته مع الثورة الإسلامية في إيران وقادتها

إلتزم الشهيد سمير القنطار بالثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (قدس) وهو في أسر الاحتلال الصهيوني، إذ كان يتابع مجريات الثورة بدقة وقد كان يرى فيما تبنته الثورة الإسلامية من مبادىء بشأن فلسطين والقدس منطلقاً لتحريرها وسط التخاذل العربي. ورأى في قيادة الإمام الخامنئي النهج المكمل لنهج الإمام الخميني (قدس) والذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحرير القدس وإعلاء شأن الأمة الإسلامية.

كما كان الشهيد سمير متابعاً بامتياز لمواقف وخطب الإمام الخامنئي(حفظه الله)، وكان محباً له كونه القائد الذي يقود المسيرة التحريرية للمسلمين والأحرار في العالم أجمع، وكان يعبر دائماً عن محبته له والتزامه بنهجه وكان مدافعاً بقوة عن خط الثورة الإسلامية واستشهد على ذلك.

علاقته بالمقاومة الإسلامية والسيد حسن نصرالله

تعرّف الشهيد سمير على حزب الله الذي نشأ في لبنان عام 1982 وكان على اتصال مباشر مع الأمين العام السيد حسن نصر الله (حفظه الله) وقيادات الحزب وعلى اطلاع ومتابعة مباشرة وفورية لكل أحداث وعمليات المقاومة في الخارج لا سيّما عملية الأسر عام 2001 واتمام صفقة التبادل بين حزب الله والكيان الصهيوني المؤقت بالوساطة عام 2003 وأيضاً عملية الأسر “الوعد الصادق” عام 2006 وحرب تموز في لبنان.

كان يرى في سماحة السيد قائداً استثنائياً في عالم منهزم إلى حد الخنوع، فهو النور الذي يضيء طريق الجهاد الذي سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى إزالة “الكيان الصهيوني” من الوجود، وقد كان السيد نصر الله بالنسبة له بمثابة الأب الروحي والقائد والملهم وصاحب الفضل بتحريره من الأسر بعد ثلاثين سنة قضاها في سجون العدو الصهيوني وصاحب الفضل برعايته بعد تحرره وحتى استشهاده.

وذلك حسب ما ورد في وصيته والتي يعبر فيها عن فخره كونه عضواً في المقاومة الإسلامية، إذ قال: “وقد أعزّني الله عز وجل وجعلني واحداً من رجال المقاومة الإسلامية، وبين إخوة أخذوا على عاتقهم القتال بعناد ورفض المساومة والتراجع. واليوم أعزني الله بهذه الشهادة التي أسأله أن يتقبلها، فإنني أمضي وأنا على ثقة أن هذه المسيرة الجهادية لن تتوقف ولن تتراجع ولن تحيد عن بوصلتها فلسطين، لأن الله أعز هذه المقاومة بقادةٍ طالما زودونا بالثقة والإيمان بالنصر بدءاً من باعث النهضة الإسلامية المعاصرة روح الله الموسوي الخميني (قدس) ووريثه في حمل راية الحق ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي (حفظه الله) وقائدنا في المقاومة الإسلامية سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله (حفظه الله) الذي أشكره من أعماق قلبي على الرعاية التي أحاطني بها فور تحرري من الأسر حتى لحظة شهادتي، وأشكره على وعده الصادق الذي بفضل الله وبفضله تحررت من الأسر، وأسأل الله عز وجل أن يديمه لهذه الأمة ولهذه المقاومة الإسلامية الباسلة، لأن في هذا الزمن لا أحد قادر أن يعوضنا عن شخصية وحضور وحكمة وشجاعة سماحته ، وأسأل الله أن أكون قد وفيت عهدي ووعدي لشهداء الوعد الصادق، لأهل فلسطين، لجمهور المقاومة في لبنان الذي هو عنوان للكرامة والعزة والصمود والشرف، وأقول لكل المحبين لهذه المقاومة أن شهادتي وشهادة أي أخ في هذا الخط على يد العدو الصهيوني تعتبر دافعاً إضافياً لهذه المسيرة الى الأمام.

 مواصلة المقاومة والشهادة

لم تكن فترة السجن الطويلة للقنطار سبباً في إحباط عزيمته بل خرج ليتسلّم المسؤوليات في حزب الله ويتقدّم صفوفه العسكرية الميدانية حيث توجه مع الحزب إلى سوريا للمشاركة في التصدي للمشروع الامريكي – الصهيوني فيها، وكان “قيادياً في المقاومة السورية لتحرير الجولان”. وفي 19 كانون الأول عام 2015، شنّت طائرات الاحتلال غارات على مبنى في مدينة “جرمانا: جنوب العاصمة السورية دمشق أدت الى استشهاده عن عمر ناهز الـ53 سنة.

ونعاه حرس الثورة الإسلامية في إيران وحركات المقاومة جميعاً: من حزب الله في لبنان الى حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولجان المقاومة الفلسطينية في فلسطين.

وكانت الولايات المتحدّة الأمريكية قد أدرجت إسم الشهيد سمير القنطار منذ 8 أيلول 2015  على ما تسميه “اللائحة الأمريكية السوداء للإرهابيين الدوليين”، أي قبل حوالي الـ4 أشهر من إغتياله.