يتسم اليمن منذ القدم، ومع بزوغ فجر الإسلام بنزعة أبنائه الدينية، وشغفهم بطلب العلم، وانتشار المدارس العلمية والدينية في مناطقه الجغرافية على تعددها واختلافها، ما جعل اليمن مركزاً علمياً حضارياً يقصده طلاب العلم من بقاعٍ شتى في العالم، بحسب ما تشير إليه المصادر التاريخية.
هذا الإرث التاريخي لم يكن محدوداً بحقبة زمنية معينة، بل لا يزال حاضراً إلى اليوم، وكلما خفتت حركة المدارس العلمية الدينية جاء من يجددها ويحييها من جديد.
مدارس ودور القرآن الكريم، جزءٌ من تاريخ اليمن، كما لا يخفى على أحدٍ حجم الإقبال عليها، بل يُربّى اليمنيون في بعض المناطق على ارتيادها منذ نعومة أظفارهم، فينشأون على قيمها ومبادئها، ما أسهم في تخريج كثير من العلماء والفقهاء ورجال الدين، حتى اليوم.
وتذكر المصادر أن أول مدرسة قرآنية كانت الجامع الكبير، والذي كان يسمى مسجد صنعاء النبوي، وقد تخرّج منه كثيرٌ من العلماء الأجلّاء ورجال الدين.
دور العلماء في رفد مدارس القرآن الكريم
اعتبر رئيس ملتقى التصوف في اليمن السيد العلامة عدنان الجنيد أن الأمة بحاجة إلى تعلم القرآن وفهم معانيه والعمل بما فيه، وهذا دور العلماء، قائلاً: “دور العلماء هو تعريف الناس بفضل القرآن وأهميته بالنسبة للإنسان كفرد ومجتمع وأمة في الدنيا والآخرة، وعقوبة من أعرض عن تعلّمه وفرّط فيه، وأيضاً الفضل لمن تعلّمه وعمل به، وحاجة الأمة إلى تعلمه وفهم معانيه والعمل بما فيه، وعليهم أيضاً حض الناس على المسارعة في تحقيق الهدف الذي أُنشئت مدارس القرآن من أجله وتعريف الناس بالثواب والأجر الذي وعد الله به من يساعد على تحقيق هذا الهدف، وكذلك من خلال حث الناس على الالتحاق بهذه المدارس ورفدها بما يلزم للقيام بمهامها.
أهمية مدارس القرآن الكريم ووظيفتها الأساسية
يضيف العلامة الجنيد: “تكمن أهمية هذه المدارس في كونها تقدم خدمة للأمة في تعليم أبنائها القرآن الكريم، وبذلك تكون قد حافظت على أهم جانب معرفي تحتاجه الأمة، ويمثّل تعلمه واجباً دينياً عليها؛ لأن في ذلك حفاظاً على الهوية الدينية ومنهج الحياة الكريمة بالنسبة للأمة “. مشيراً إلى أن تعلم القرآن الكريم في هذا الزمان من أهم الواجبات: “وتعلمه خاصة في هذا الزمان هو من أهم الواجبات؛ لأنّ في ذلك رضى لله ومحافظة على الكتاب الذي فيه المخرج للأمة والنجاة لها والعزة والكرامة لأبنائها أمام أعدائهم، والذي لا يمكن للأمة أن تبقى قوية وعظيمة إلا به”.
ويقول العلامة الجنيد أنّ مردود هذه المدارس من النفع يعود على المجتمع، قائلاً: “الوظيفة الأساسية لهذه الدور هي تعليم الأجيال القرآن وتفهيمهم معانيه، والعمل على أن يجعلوا القرآن فيهم متجسداً في واقعهم، ووظيفتها هذه مرتبطة بالمجتمع بصفة كلية؛ لأنها لو تحقّقت ستخلق مجتمعاً مثالياً سواء الفرد أو المجتمع، كما أراده الله وكما ينبغي أن يكون”.
مدراس القرآن وتعزيز الهوية الإيمانية في المجتمع
اعتبر العلامة الجنيد أنّ قيم الهوية الإيمانية كفيلة بنهوض الأمة وازدهارها: “تسهم هذه المدارس في تعزيز قيم الهوية الإيمانية في المجتمع من خلال تعليم الأجيال أحكام القرآن وتفهيمهم عظمة وجلال وجمال وكمال القرآن الذي جاء بقيم الهوية الإيمانية، وكيف أن هذه القيم تعتبر مهمة لنهوض الأمة وازدهار واقعها وبناء مستقبلها والحفاظ عليها من كل سوء وجلب الخير كله إليها، فهي القيم التي بُعث نبي الإسلام بها، وبالالتزام بها تتحقق صفة الخيرية”.
وعرّج على القيم التي ينبغي أن ترسخها مدارس تعليم القرآن، بالقول: “القيم التي ينبغي أن تترسخ عديدة، منها: أنّ الله أنزل إلينا القرآن ليكون صراطاً تعبر به الأمة إلى الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وكل الأحكام التي فيه تشكل قيماً تصنع مسلماً حقيقياً، وأن المسلم لا ينبغي أن يخضع إلا لله، وأن الحق لا بدّ أن يُنصر ويُضحى من أجله، وأن القرآن لا بدّ وأن يكون هو المنهج الوحيد للأمة، وواجب على المسلم تجسيد أحكامه واقعاً، وأن عدو الأمة هو من سماه الله عدواً في كتابه، وأن الصدق والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الطاغوت وجهاد أعداء الله واتباع كل الأوامر التي تصنع القيم تعتبر واجبة على كل مسلم”.
ويقول السيد العلامة عدنان الجنيد في السياق ذاته: “يتحتم على الجهات المسؤولة أن تعمل بكل جهدها، وأن تجعل من أولوية اهتماماتها تقديم كل ما يلزم لاستمرار هذه المدراس في تقديم رسالتها للناس، وعليهم استشعار عظمة هذا العمل وأهميته، وأيضاً ثوابه عند الله تعالى، وعقوبة التفريط فيه، والمسؤولية عنه أمام الله وأثر الإهمال فيه على الأمة”.