منذ الساعات الأولى للعدوان الصهيوني على لبنان استنفرت الحكومة السورية مؤسساتها لتقديم يد العون للشعب اللبناني، ومع بدء عمليات النزوح سارعت الجهات الحكومية إلى تأمين مراكز إيواء مناسبة في دمشق وريفها لاستقبال النازحين.
يكاد هاتف الشاب عباس الحسيني لا يتوقف عن العمل، سواء من خلال الاتصالات التي يجريها أو تلك التي يتلقاها من أجل تأمين احتياجات النازحين اللبنانيين القادمين إلى منطقة “السيدة زينب” في ريف العاصمة السورية دمشق، حيث يعمل الحسيني مع الهيئات الشبابية والإنسانية التي تستقبل النازحين وتنقلهم إلى مراكز الإيواء بعد تقديم المساعدات الخدمية واللوجستية لهم.
منطقة “السيدة زينب” تحوّلت منذ أيام إلى ما يشبه “خلية النحل” لاستقبال وإيواء وتأمين احتياجات النازحين اللبنانيين القادمين إلى المنطقة، حيث تتعاون الهيئات الشعبية والمنظمات الإنسانية مع المؤسسات الحكومية لتوفير كامل احتياجاتهم، وخاصّة ما يتعلق بتوفير السكن المناسب.
يقول الحسيني: “منذ بدء العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان بدأنا بتجهيز بعض الفنادق في المنطقة لتكون مراكز إيواء وتم تزويدها بجميع التجهيزات اللوجستية والخدمية، كما تم نشر أرقام اتصال عبر منصات التواصل الاجتماعي لتسهيل عمليات تأمين النازحين اللبنانيين ونقلهم إلى مراكز الإيواء”.
يضيف الحسيني: “في الأيام الأولى من العدوان الإسرائيلي كانت أعداد النازحين الواصلين إلى منطقة السيدة زينب قليلة ثم بدأت بالارتفاع بشكلٍ سريع، وهنا كان لا بد من تضافر الجهود كافة لمواكبة وتأمين احتياجات العدد الكبير من النازحين الواصلين، حتى أن جميع الفنادق التي تم تخصيصها في المنطقة لاستقبال النازحين قد امتلأت تماماً، وبدأنا بمرحلة نقل النازحين إلى مراكز جديدة في ريف المحافظة أو إلى مراكز الإيواء الكبيرة على طريق دمشق – حمص” .
“ما قصّروا الشباب ما قصّروا.. الله يحمي سوريا ويحمي هالشباب”، يقاطع الحاج غالب “أبو علي” حديثنا مع المتطوع عباس الحسيني في منطقة “السيدة زينب”، ليؤكد حُسن الاستقبال الذي شاهده منذ وصوله إلى سوريا من الحدود وصولاً إلى مركز الإيواء، حيث كان لهذا الترحيب أثراً كبيراً لديه ولدى عائلته النازحة من جنوب لبنان.
يقول الحاج غالب: “لم يخطر في بالي يوماً أن تأتي اللحظة التي أغادر منزلي، لكن الاستهداف الوحشي الصهيوني للمدنيين والمناطق السكنية دفعنا للخروج من المنزل مع بعض الحقائب الصغيرة، وتركنا في الجنوب كل ما نملك، والأهم أننا تركنا ذكرياتنا كلها بين تلك الجدران، التي تحوّلت بعد يوم واحد من مغادرتنا إلى ركام، حيث استهدفت الطائرات الإسرائيلية المنزل ودمّرته بالكامل”.
يتابع “أبو علي”: لا قيمة لخسارتنا أمام حجم التضحيات التي تقدّمها المقاومة الإسلامية بوجه الوحشية الصهيونية، ولا قيمة لكل ما نملك في ظل الفاجعة الكبيرة والخسارة المؤلمة التي تعرّضنا لها بفقدان السيد حسن نصر الله شهيد القدس وقائدنا المجاهد، الذي أفنى عمره من أجل المقاومة والدفاع عن شعب لبنان”.
مراكز إيواء في مختلف المحافظات
منذ الساعات الأولى للكيان الصهيوني على لبنان استنفرت الحكومة السورية مؤسساتها لتقديم يد العون للشعب اللبناني، ومع بدء عمليات النزوح سارعت الجهات الحكومية إلى تأمين مراكز إيواء مناسبة في دمشق وريفها لاستقبال النازحين.
مصدر حكومي أكد أن عدد الوافدين اللبنانيين حتى الآن تجاوز 72 ألفاً، إضافة إلى نحو 197 ألف عائد سوري.
نائب محافظ ريف دمشق جاسم المحمود يؤكد أن المحافظة استنفرت كامل طاقاتها للتعامل مع ملف النازحين اللبنانيين، حيث تم تزويد معبر جديدة يابوس الحدودي بـ 3 سيارات إسعاف، وسيارة عيادة متنقلة ومركز صحي ، وطاقم طبي من 10 أطباء و15 ممرض ، وأيّ حالة حرجة تصل إلى المعبر الحدودي يتم نقلها مباشرة إلى مشافي العاصمة دمشق، كما يوجد باصات لنقل الوافدين إلى مكان الإقامة في ريف دمشق.
وعن مراكز الإيواء التي تم تجهيزها في محافظة ريف دمشق يشير المحمود إلى تأمين 3 مراكز رئيسية، الأول “حرجلة” الذي يضم 720 شقة سكنية حالياً تم شغل قرابة 50 شقة منهم بالوافدين اللبنانيين، إضافة إلى مركزي “الدوير” في منطقة الدوير و”التنمية الريفية” في منطقة يبرود، وهذه المراكز تضاف إلى 4 فنادق تم تجهيزها في منطقة “السيدة” زينب”، وباتت شبه ممتلئة بالوافدين.
ولا يختلف الحال كثيراً في دمشق وريفها عن باقي المحافظات السورية، التي احتضنت النازحين اللبنانيين وقدّمت لهم الرعاية الكاملة، ففي محافظة اللاذقية بلغ عدد الوافدين حوالى 1500 شخصاً تم توزيعهم على مراكز الإيواء في رأس البسيط وصلنفة في ريف اللاذقية، وضمن مركز الشير والشاطئ الأزرق وشاليهات النخيل والمدينة الرياضية في المدينة.
وفي حمص وصل عدد الوافدين اللبنانيين عبر المنافذ الحدودية الثلاثة “جوسية” و”الدبوسية” و”جسر قمار” إلى نحو 26 ألف شخص، كما بلغ عدد العائدين السوريين أيضا حوالى 24 ألفاً، حيث يتم استقبال الوافدين والعائدين إما في منازل أقاربهم، أو في منازل بعض السوريين الذي قدّموها مجاناً لاستقبال النازحين اللبنانيين، إضافة إلى مراكز الإيواء الحكومية التي تم تجهيزها للغرض نفسه.
وفي طرطوس جهّزت الحكومة السورية “معسكر الطلائع” الذي يتسع لنحو ألف شخص لاستقبال النازحين اللبنانيين، مع تجهيزه بكل الخدمات الضرورية، إضافة إلى تخصيص عدد من الفنادق والمنازل والمدارس كمراكز لإيواء واستقبال النازحين وتزويدها بكل ما تحتاجه من وسائل الرعاية، كما خصصت المحافظة باصات لنقل الوافدين من المراكز الحدودية إلى مراكز الإيواء، حيث بلغ عدد الوافدين إلى المحافظة نحو 11000 شخص.
تحرّك حكومي على أعلى المستويات
التصعيد الدموي للعدو على لبنان تزامن مع الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة في سوريا، وكان لافتاً تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد خلال الاجتماع الأول مع الحكومة على ضرورة بدء عملها فوراً بالوقوف مع “الأشقاء في لبنان من دون تردد”.
هذا التوجيه سرعان ما تُرجم على أرض الواقع، حيث استنفرت الجهات الحكومية الرسمية في سوريا بمختلف قطاعاتها للتعامل مع النزوح اللبناني وتقديم الدعم الكامل للنازحين من لبنان.
وأرسلت منظمة الهلال الأحمر السوري عدداً كبيراً من متطوعيها إلى المعابر الحدودية بين البلدين في حمص وطرطوس وريف دمشق، لتوفير خدمات طبية وإسعافية وإغاثية، والفرق موجودة لتوفير المتطلبات الأساسية للوافدين، وتأمين وصولهم إلى وجهتهم.
وزارة الصحة السورية استنفرت كامل مرافقها ومشافيها ووحداتها، حيث تم في البداية وضع جميع المشافي التابعة لمديريات الصحة في المحافظات الحدودية بجاهزية تامة لاستقبال أي حالات قادمة من لبنان، كما تم رفد المعابر بسيارات إسعاف مجهزة على مدار 24 ساعة إضافة إلى أطباء وإرسال الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة، وتم الطلب من مديريات الصحة في دمشق وريف دمشق وحمص وطرطوس تقديم الخدمات الطبية والعلاجية والتشخيصية للوافدين من لبنان بشكل مجاني.
ووجّهت وزارة التربية السورية مديرياتها في المحافظات لقبول التلاميذ والطلاب الوافدين من لبنان في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي الراغبين بمتابعة تحصيلهم العلمي في المدارس السورية في جميع المحافظات.
في حين أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تعميماً للمشافي التعليمية ضمن إطار الاستجابة لتوفير الخدمات الصحية للوافدين من الأراضي اللبنانية، تضمن تقديم الخدمات الطبية الإسعافية العلاجية والتشخيصية في المشافي بشكل مجاني للوافدين القادمين من لبنان، وتقديم الخدمات الصحية المتعلقة بالأمراض المزمنة والسارية والتقصي الوبائي للوافدين بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي البحث العلمي.
كذلك تضمن التعميم متابعة توفر الأدوية والمستلزمات ووسائل التشخيص والاستقصاء لكافة الحالات المرضية، ووضع المشافي بحالة جاهزية تامة.
الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد في سوريا أصدرت قراراً بالموافقة للشركات الخلوية على تسهيل بيع الخطوط الخلوية عن طريق الهوية اللبنانية مع سمة الدخول أو عن طريق جواز السفر، إضافة لمنح باقات إنترنت مجانية للوافدين اللبنانيين، كما تقوم هذه الشركات بإرسال سيارات جوّالة لمناطق محددة لتمكين اللبنانيين من شراء الخط الجديد بكل سهولة.
وزارة الداخلية السورية وجّهت المعابر على الحدود السورية اللبنانية بتسهيل الإجراءات اللازمة للوافدين من لبنان والجاهزية التامة لتأمين متطلباتهم وتوفير كل الخدمات اللوجستية والإغاثية والصحية والخدمية.
تضامن شعبي واسع
لقد اجتاحت تدوينات الدعم المعنوي مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا، حيث واكب السوريون أدق تفاصيل العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتضامنوا مع أخبار الغارات الإسرائيلية الوحشية على المناطق السكنية، وتفاعلوا مع عمليات المقاومة الإسلامية في عمق الأراضي المحتلة.
ولم يكتفِ السوريون بهذه الحالة فقط، بل عمد بعضهم إلى نشر تدوينات عن استعدادهم لتقديم أماكن الإقامة والمساعدات للنازحين اللبنانيين القادمين إلى سوريا، بينما تطوّع آخرون لتأمين النازحين في مراكز الإيواء وتقديم الخدمات اللازمة لهم، في تجسيد حقيقي للأخوة التي تجمع الشعبين السوري واللبناني.
ديب سرحان