إبّان المعارك المفصلية في مسيرة الأوطان، وفي المنعطفات التاريخية الهامة للأمم، يتقهقر بعض ضعاف النفوس بمشاركة وتأثير وسائل إعلامية، كما يحدث اليوم، فينسلخون عن أبدان أمتهم وأهلهم، مروجين لأخبار محبطة هدّامة لتثبيط الناس والرأي العام. هنا لا بد من تصويب البوصلة الوطنية وحتى القومية، فيعكف كثيرون من العقلاء ورجال الدين والمتنورين والمثقفين والإعلاميين على الحفاظ على متانة الوحدة الوطنية، وتصويب دفّة المركب الواحد.
في السياق، يأتي كلام رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة في لبنان، وإمام مسجد القدس في مدينة صيدا جنوب لبنان للتأكيد على أن “المقاومة دخلت مرحلة جديدة، واستطاعت تنظيم نفسها، وأنها تلتقط أنفاسها بعد الضربة القاسية خاصة بعد استشهاد القائد الاستثنائي السيد حسن نصر الله”. ويوضح أن المقاومين اليوم أصبحوا أشد بأساً في ضرب الصواريخ نحو الاحتلال، وما شهدناه خلال الأيام الماضية من إطلاق صليات صاروخية باتجاه حيفا وصفد و”نتانيا” وغيرها، فضلاً عن الكمائن والالتحامات، يدل على أن قدرة المقاومة لم تتأثر، وأن الاحتلال لم ينتزع زمام المبادرة منها، وهي وفور انتهاء الغارات تصب حممها دون هوادة على قواعد ومقرات ومستعمرات المحتل،حيث وصلت قذائفها إلى قيسارية، حيث مسكن نتنياهو.
واتساقاً، وللتأكيد على “وحدة الساحات” من فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق وإيران، يؤكد الشيخ حمود “أن هذا المشهد يكمله ما تقصفه غزة من صواريخ، رغم كل ما حصل، وآخرها وصل إلى تل أبيب من خان يونس التي ادعى الاحتلال أنه دمرها تدميراً كاملاً”، مشدداً على أن لا أحد يستطيع فك الارتباط بين المقاومة في غزّة والمقاومة في لبنان.
“وإذ نعترف أن هنالك خللاً في ميزان القوة مع العدو، وأنه تفوّق علينا بالذكاء الاصطناعي والتطور التقني الهائل الذي مدّت به الدول الكبرى “إسرائيل”، فإن هذا يؤكد نظرتنا التاريخية والقرآنية أنه لا وجود لهذا الكيان من قوة إلاّ بـ”حبل الناس” كما قال الله تعالى في القرآن الكريم، (أي بدعمٍ أميركي غربي)، والمهم أن معنويات المقاومة ما زالت عالية، وهي تملك زمام المبادرة والأسلحة الاستراتيجية لوقتٍ لاحق”.
كذلك شدد الشيخ حمود على أن حزب الله سيكون أقوى، مشيراً إلى أن “الإخوان في حزب الله يقاتلون دفاعاً عن الأمة”. وتابع أنّ “قيادة سيد الشهداء الاستثنائية، لم تلخّص المقاومة بشخصه وقيادته”. ويعقّب “كما كان الجرح كبيراً باستشهاد السيد نصر الله، فإن ما تركه كان كبيراً، من بنية قوية متماسكة، ستستمر إن شاء لله أفضل مما كانت عليه”.
وكما يقول في موقفه الأسبوعي أضاف حمود “يكفي سماحة الشهيد الكبير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله فخراً أن الدنيا عرضت عليه بحذافيرها، على أن يفك الارتباط بفلسطين وبغزة، فرفض رفضاً قاطعاً، وأكد بدمه وباستشهاده على وحدة الأمة ووحدة محور المقاومة”. وأضاف أن “الصواريخ الإيرانية، أتت لتشفي شيئاً من غليلنا، ولتؤكد المؤكد بأن إيران ملتزمة بما ألزمت نفسها به ولا قيمة لكل التشكيك الذي صدر من هنا وهنالك،فهي ليست بحاجة لشهادة من أحد، وما تقدمه للمقاومة لم يقدّمه أحد في التاريخ، وهذه الضربة الأولية، لم يحصل مثلها في تاريخ الكيان، وننتظر المزيد”.
وللداخل اللبناني حصة وازنة وضرورية في هذا الوقت العصيب، فهو يأسف لأن هنالك جزء من اللبنانيين لم يتعلموا من التجارب السابقة، ولنتذكّر أن جزءاً كان يدعي تمثيل الموارنة عام 1982 ذهب إلى “إسرائيل” وتعاون معها، لا بل شاركها في الاجتياح، ولكن، وكالعادة، تخلى المحتلون عن هذا الفريق في واقعتين مفصليتين، معركة بحمدون عام 1983 (جبل لبنان) وبعدها في معركة شرق صيدا عام 1985، وانسحب التخلي في مراحل لاحقة. كما أن “مصير عملاء لحد وكبيرهم أنطوان لحد، يعد دليلاً على ذلك، وهذا يدل – كما أثبت التاريخ – أن الإسرائيلي لن يكون صديقاً لأي فئة من اللبنانيين، وهنا أنصح بقراءة كتاب “آلان مينارك” بعنوان “أسرار حرب لبنان”، الذي يبيّن كيف طعنت “إسرائيل” حزب القوات اللبنانية ومن معهم في ظهورهم، وتخلت عنهم وتركتهم لمصيرهم”.
ويردف ليقول “إن على من يفكّر من هؤلاء بالاستقواء بالعدو أن يفكر ملياً بالعقل أكثر من مرة، ونحن رغم كل شيء نريد هؤلاء شركاء في الوطن، وأن لا يكونوا مخدوعين بالوعود الأميركية والإسرائيلية والغربية”.ويستطرد الشيخ حمود ليقول إن “الأشد غرابة هو أن يكون هنالك بعض من كان وطنياً أم يسارياً، ويعمل اليوم على مساعدة العدو الإسرائيلي في أن يدله مثلاً، على أهداف موهومة في مطار بيروت أو غيره”!وفي معرض حديثه، يطئمن إلى أن “مشهد تضامن اللبنانيين إيجابي جداً بشكلٍ عام والحمد لله، وأصوات النشاز وبعض ما يبثه الإعلام لم يغيّر من إيجابية المشهد العام، فكافة المناطق تستقبل أهلنا من الجنوب والضاحية وغيرها وتعتبرهم أهلاً وليسوا نازحين، حتى في بعض المناطق التي لا تتعاطف مع المقاومة”. وختم بقوله “طبعاً هنالك بعض السلبيات من استغلاليين وسارقين ومستغلين وسماسرة، ولكن الصورة العامة جيدة جداً، وهنا نقول لأهلنا أصبروا قليلاً، وهذه التجربة ستكون طاقة ايجابية للمقاومة”.