التعاون والعمل.. التقدم والتلاحم

من أهم مقومات التقدم: روح التعاون التي يحث عليها الإسلام، الذي يهتم ببناء تنظيم اجتماعي راق وسام تسود فيه الأخلاق الطيبة والتضحية وحب الآخرين وقضاء حوائجهم وما إلى ذلك من مصاديق التعاون والمحبة، وكان هذا ما يثير إعجاب غير المسلمين لما يرونه من الترابط والتآلف بين المسلمين...

قال اللّه تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ}.

الذين يحبهم اللّه عزّ وجلّ هم المجاهدون لإعلاء كلمته وفي سبيل رضوانه، في حال كونهم مصطفّين بلا تبعثر أو تفرّق، كأنهم من شدة ثباتهم بناء مرصوص أُحكم بناؤه.

 

ويمكن في ضوء هذه الآية الكريمة أن نتناول جانبين تعرضت لهما الآية، وهما: التقدم والتلاحم.

 

الجانب الأول: مسألة الرقي والتقدم، وبذل الغالي والنفيس في ذلك، حيث قال تعالى: {يُقَٰتِلُونَ} فإن هذه الكلمة تعني ـ من ضمن ما تعنيه ـ السعي الحثيث وبكل ما يملك الإنسان نحو اعتلاء سُلّم الرقي والتقدم والوصول إلى الأهداف والدفاع عنها في سبيل اللّه، فإن الجهاد والمقاتلة دفاعاً عن الأهداف العالية يكشف عن الاهتمام بالترقي والتقدم حتى إنهم يقاتلون ويضحون بأنفسهم في سبيله.

 

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض».

 

يذكر علماء الاجتماع أن حركة الشعوب تنقسم على ثلاث مراحل: إما أن تكون بحالة تقدم، أو حالة تراجع، أو حالة استقرار وركود.

 

ولو أخذنا ـ على سبيل المثال ـ حرباً دائرة بين دولتين، فإذا تمكنت إحداهما من تحقيق انتصارات واقعية على الأرض، تمكنت من خلالها اكتساح الطرف الآخر، فإنها تمر بحالة من التقدم العسكري، واذا لم تتمكن من ذلك، فإنها تمر بحالة من التراجع والتقهقر، وربما كانت الحرب الدائرة سجالاً بين الطرفين دون أن تتحقق الغلبة لأحدهما على الآخر، فهذا أقرب ما يكون إلى حالة الركود والجمود، وإن كان الأصح أنه حالة تقهقر وتراجع لأن الحرب تعني الخراب والدمار، ومن هنا كانت محرمة في الشريعة الإسلامية إلّا في أقصى موارد الضرورة، وهكذا المعيار في سائر شؤون المجتمع.

 

والمطلوب من المؤمنين ـ كأُمة ـ أن يكونوا دائماً سائرين في طريق التقدم والبناء في أجواء من الوحدة والتعاون والمودة، فهو الطريق الموصل إلى رحمة اللّه تعالى ورضاه. أما حالة الركود ـ فكيف بالتراجع ـ فهي لا تليق بالمؤمنين، بل عليهم أن يرتقوا في كل يوم مرحلة في سلّم التطور والتقدم.

 

المغبون والملعون

قال الإمام أمير المؤمنين(ع): «من اعتدل يوماه فهو مغبون، ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراقها، ومن كان غده شر يوميه فهو محروم، ومن لم يبال بما رُزئ من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى، ومن كان في نقص فالموت خير له».

 

فالمؤمن ـ كفرد أو كمجتمع وأُمة ـ إذا كان يوماه متساويين فهو مغبون، حيث قد ألحق بنفسه ضرر عدم التقدم؛ لأن وقتاً من عمره مضى ولم يستزد شيئاً جديداً في يومه الجديد، وبعبارة أخرى: إنه يمر بحالة من الركود والجمود، وأسوء من ذلك هو الذي يكون يومه أسوء من أمسه؛ إذ يمر بحالة التراجع والتأخر. فحالة التقدم المنشودة لا تكون إلّا إذا كان يومنا أفضل من أمسنا.

 

الإسلام كل لا يتجزأ

 

ثم إن من أهم ما يضمن لنا السير في طريق التقدم هو شدة ارتباطنا بالإسلام الحنيف بكل أبعاده دون تجزئة وتبعيض، فالإسلام كلّ لايتجزأ، وهو النهج الذي يرتقي ببلادنا صوب التقدم متحدياً كل الحواجز والعقبات التي وضعها الاستعمار في طريقنا؛ وذلك لما يمتلكه الإسلام من مميزات وخصائص تشكّل ضمانة لتقدم الأمة، فالإسلام يضمن لنا الاستقلال والحرية؛ ويزودنا بسلاح الإيمان وروح التضحية والشهادة، ويحثنا على تهيئة مقومات الاستقلال والوقوف بوجه كيد الأعداء وردّ خططهم، وذلك عبر نشر الثقافة والوعي قبل كل شيء، ومن ثم تقوية المسلمين من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والعسكرية.

 

يقول اللّه تبارك وتعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ}. ويقول الرسول الأكرم (ص): «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة».

 

أما الأخذ بجانب وترك جانب فهو لا ينتج إلّا التأخر، فمثلاً الإسلام يضمن لنا الاكتفاء الذاتي عبر الاقتصاد السليم الذي منه تبدأ عملية التنمية الحقيقية والاستقلال عن التبعية للشرق والغرب، حيث يجعل الإسلام كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية حراً في مختلف الميادين الاقتصادية بلا جمارك ولا رسوم ولا ضرائب غير مشروعة، فيكون فرداً مخلصاً مجدّاً في سبيل التنمية الاقتصادية. أما الاهتمام بالجانب العسكري فقط وتركُ الجوانب الأخرى الأهم كالجانب الثقافي والسياسي والاقتصادي وما أشبه فإنه لا ينتج إلّا التأخر والدمار.

 

التنظيم الاجتماعي

 

ومن أهم مقومات التقدم: روح التعاون التي يحث عليها الإسلام، إن الدين الإسلامي يهتم ببناء تنظيم اجتماعي راق وسام تسود فيه الأخلاق الطيبة والتضحية وحب الآخرين وقضاء حوائجهم وما إلى ذلك من مصاديق التعاون والمحبة، وكان هذا ما يثير إعجاب غير المسلمين لما يرونه من الترابط والتآلف بين المسلمين، فبدءً من تقوية العلاقات الأسرية إلى تقوية العلاقات الاجتماعية الأخرى بين مختلف أبناء الأمة، خاصة النشاطات التي تنبثق في المساجد والمؤسسات الدينية والاجتماعية التي تمنح القوة الفكرية والميدانية للأمة الإسلامية في مختلف المجالات الحيوية.

 

 

المصدر: شبكة النبأ