كشفت وكالة رويترز، في تقرير لها، عن قفزة نوعية في صادرات النفط الإيراني خلال الأشهر الأخيرة من عام 2022، حيث وصلت لأعلى مستوى لها منذ عام 2019، مسجلة رقم 237/1 مليون برميل يومياً بالرغم من إجراءات الحظر الأميركية وتوقف المحادثات بشأن الإتفاق النووي منذ أيلول/ سبتمبر الماضي.
ووصفت الوكالة أداء إيران في مجال بيع النفط بـ”إنطلاقة قوية” للعام 2023، حيث تظهر التقييمات بأن إيران تمكنت فعلاً من كسر الحظر لتؤدي دوراً بارزاً في الأسواق الدولية للطاقة والتي تعاني نقصاً في الإمدادات على خلفية الحرب في أوكرانيا.
وبحسب شركة Vortexa لتحليل البيانات الاقتصادية، شهدت واردات النفط الصينية من إيران في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2022 ارتفاعاً قياسياً بزيادة 130% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021.
وتعد الصين أكبر مستهلك للنفط الإيراني، إذ تذهب معظم الشحنات النفطية من إيران إلى مدينة شاندونغ شرقي البلاد، حيث توجد المصافي الصينية الخاصة. إضافة إلى ذلك، يبين أيضاً تقرير رويترز بأن صادرات النفط الإيراني إلى فنزويلا تشهد توسعاً متزايداً.
يذكر أن الحكومة الإيرانية لم تورد تفاصيل تتعلق بصادرات النفط، وذلك حفاظاً على شبكاتها السرية والالتفاف على إجراءات الحظر الأميركية ما يجعل الشركات الخاصة لتحليل البيانات الاقتصادية تستخدم طرقاً مختلفة للحصول على المعلومات في هذا المجال ومنها بيانات الأقمار الصناعية.
ونتيجة لذلك، قد يتجاوز الحجم الحقيقي لصادرات النفط الإيرانية ما ينشر عبر هذه المواقع والوكالات.
بدوره، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الأسبوع الماضي وخلال زيارته الى مدينة يزد (شرق إيران)، أن الحكومة مصرة على تحويل الحظر من تحد اقتصادي إلى فرصة تستغلها طهران في مجال التنمية والازدهار.
ويتماشى هذا التوجه مع الاستراتيجية التي لطالما أكدها قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي، وهي أن المقاومة ستجبر الأعداء على التراجع بينما يؤدي الاستسلام إلى مزيد من الضغوط والتحديات.
ولا يقتصر فشل سياسة الحظر في منع إيران من صادرات نفطها، بل إن إجراءات الحظر هذه عجزت أيضاً عن تعطيل الصناعات العسكرية للبلاد والتي باتت مؤخراً مصدر دخل جديد بالنسبة إلى اقتصاد إيران.
وفي هذا المجال، نشرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية مقالاً يشرح تفاصيل إجراءات الحظر التي فرضتها الولايات المتحدة خلال سنوات على المجمع العسكري الإيراني لمنع تطويره، إلا أن المقال يعترف بفشل إجراءات الحظر في أن تسد طريق إيران من أن تصبح لاعباً بارزاً في سوق المسيرات والتي برزت قوتها في الشرق الأوسط وخارجه.
وبحسب المقال، فان القيادة والمؤسسات في إيران توفر الإمكانات اللازمة من أجل تطوير إنتاج الصناعات العسكرية بالرغم من العقوبات الأجنبية، وذلك بالاعتماد على خزان بشري من الفنيين والمهندسين الذين أنتجتهم جامعات إيران المتميزة كجامعة شريف للتكنولوجيا.
وفي وقت سابق، حذر السياسي الأميركي المخضرم غاري سيك، في مقال له نشرته صحيفة “بوليتيكو”، من تبعات فشل سياسة الحظر الأميركية تجاه إيران، والتي بذلت واشنطن قصارى جهدها على مدى 10 أعوام من أجل فرضها على النظام الدولي.
وفي السياق أيضاً، انتقد سيك أداء الإدارات الأميركية في تفويت فرصة الاتفاق مع إيران عندما كانت الظروف متوفرة لذلك. وأكد أن طهران تمتلك قدرات اقتصادية تؤهلها للصمود في مواجهة الحظر لفترة طويلة، ما يعني تراجع تأثير الحظر في السياسة الخارجية الأميركية وكذلك على الصعيد العالمي.
وبالفعل، يعد إصرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد انتصار الثورة، على إعادة هيكلة الإقتصاد الإيراني وبنائه بالاعتماد على مصادر القوة الذاتية، من أهم العوامل التي تمكّن إيران من صدّ التهديدات والصمود أمام إجراءات الحظر التي وصفت بأنها “غير مسبوقة”.
ولا يمكن أيضاً تجاهل دور الجغرافيا باعتبارها أحد أبرز مرتكزات القوة لإيران، إذ إنه من الصعب جداً لو لم يكن مستحيلاً فرض حصار شامل على الدولة التي تطل من الجهة الجنوبية على الخليج الفارسي ومن الشمال على بحر قزوين إضافة إلى حدود برية تشمل 7 دول.
يضاف إلى ذلك تغيير موازين القوى في النظام الدولي وصعود القوى الشرقية التي تتحدى مواصلة الولايات المتحدة احتكار القيادة الأحادية في العالم، ما يتيح لدول مثل إيران فرصة تاريخية لإعادة أدوارها في ظل انشغال الولايات المتحدة بتهديدات وجودية مثل الصين.
وبالنظر إلى التراجع المتزايد لفاعلية العقوبات الأميركية على مجموعة من الدول، تشمل إيران وفنزويلا وكوبا، والتي انضمت إليها مؤخراً الصين وروسيا أيضاً، يبقى السؤال؛ إلى أي مدى ستواصل واشنطن استخدام هذا السلاح ضد أعدائها؟