غزة… الحرب تُفقر الأغنياء وتزيد المعوزين عوزاً

بينما يحتفل العالم في اليوم الدولي للقضاء على الفقر، الذي يصادف السابع عشر من تشرين الأول من كل عام، أَغرقت الحرب الإسرائيلية، النازحين الفلسطينيين بالفقر المدقع، وحوّلت رجال أعمال إلى باعة على الأرصفة، وأجبرت النساء على بيع حليهن الذهبية، وأحياناً ملابس أطفالهن من أجل الحصول على المال.

2024-10-20

«كنت أمتلك كل شيء؛ عملاً ناجحاً، منزلاً جميلاً، وسيارة حديثة. اليوم، لم يتبقَّ لي سوى الكثير من الذكريات والحطام والفقر». هكذا، يعبّر رجل الأعمال، محمود عوكل، عن خسارته كل ما بناه في حياته التي خرّبتها الحرب الإسرائيلية. كان عوكل يدير مصنعاً لإنتاج الحلوى في مدينة غزة، قبل أن يبدأ رحلة النزوح القسري إلى جنوب القطاع. وإذ لم يتوقّع الرجل أن تطول مدّة نزوحه أكثر من أسبوع واحد، لكنّ الحرب أتت على مصنعه ومنزله، وحتى على مخازنه التي تحتوي على بضائع ومواد خام يقدّر ثمنها، وفقه، بـ900 ألف دولار. مع مرور الأيام، والنزوح المتكرّر، وفقدان عوكل مصدر دخله، أنفقت عائلته معظم مدّخراتها على الطعام والمياه، وفي بحثها عن مأوى. وعن هذا يقول الرجل: «لم يكن لديّ خيار سوى بيع سيارتي. لقد كانت السيارة هي الأمل الأخير لتأمين بعض المال بعد نفاد كل المدّخرات».

ويُعتبر عوكل واحداً من بين مئات رجال الأعمال الذين خسروا أعمالهم ومصدر رزقهم بسبب الحرب. ويواجه الرجل، راهناً، صعوبة في توفير احتياجات أسرته الأساسية، فيما لا يزال عاجزاً عن رؤية أيّ أفق لتحسين أوضاعه، إذ إن «الأمل يتضاءل يوماً بعد يوم»، كما يقول.

وبينما يحتفل العالم في اليوم الدولي للقضاء على الفقر، الذي يصادف السابع عشر من تشرين الأول من كل عام، أَغرقت الحرب الإسرائيلية، النازحين الفلسطينيين بالفقر المدقع، وحوّلت رجال أعمال إلى باعة على الأرصفة، وأجبرت النساء على بيع حليهن الذهبية، وأحياناً ملابس أطفالهن من أجل الحصول على المال.

أم أحمد (35 عاماً)، التي تركت الحرب آثاراً لا تُمحى على ملامح وجهها، واحدة من هؤلاء، بعدما خسرت زوجها في غارة إسرائيلية استهدفته بشكل مباشر في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة. كانت حياتهما معاً بسيطة لكنها مستقرة، إذ كان الزوج يعمل سائق أجرة، فيما تهتمّ هي بالأطفال والمنزل. وبعد استشهاد زوجها، اضطرت أم أحمد لمواجهة النزوح جنوباً وحيدة، وهو ما تقول عنه: «لم تكن لديّ أيّ وسيلة لتوفير المال سوى بيع مصاغي الذهبي الذي اشتريته خلال زواجي من أجل تأمين الطعام وشراء خيمة لأطفالي الثلاثة». وتعمل أم أحمد حالياً في خياطة الأحذية، بينما يضطر ابنها البكر، الذي يبلغ من العمر 13 عاماً، إلى العمل في العتالة لمساعدة العائلة. وتضيف: «هذا الطفل، الذي كان يحلم بمستقبل مشرق ويحب الدراسة، وجد نفسه مضطراً إلى دخول سوق العمل من أجل توفير المال».

 

 

ويؤكد الخبير الاقتصادي، أن غالبية العائلات الفلسطينية «التي كانت تعتمد على مصدر دخل مستقرّ، سواء من الأعمال الخاصة التجارية والصناعية والزراعية، وجدت نفسها فجأة من دون أيّ دخل». ويضيف أن النازحين في غزة يواجهون ضغوطاً اقتصادية هائلة؛ «فالحرب دمّرت البنية الاقتصادية، وأصبح من الصعب جداً على العائلات إيجاد مصادر بديلة للدخل». ويشير أبو جياب إلى أن حالة عوكل وأم أحمد ليست استثناءً، بل هي جزء من نمط عام يتكرّر مع العديد من العائلات، قائلاً: «بيع الممتلكات الشخصية، مثل السيارات أو الذهب، أصبح شائعاً بين النازحين. لقد نفدت المدّخرات بشكل سريع، وهذا أدى إلى تضخم الفقر بشكل غير مسبوق»، مبيّناً أن الآثار الاقتصادية لا تقتصر على الفقر المادي فقط، بل تشمل أيضاً تدمير فرص التعليم والعمل للأطفال والشباب. ويتابع: «الأطفال الذين يضطرون إلى العمل بدلاً من الذهاب إلى المدرسة، سيواجهون صعوبات في بناء مستقبلهم. هؤلاء الأطفال لن يتمكنوا من الحصول على التعليم المناسب، ما يزيد من احتمال بقائهم في دائرة الفقر لسنوات قادمة».

ولا تقف تداعيات الفقر على المستوى الاقتصادي فقط، بل تمتد آثارها لتشمل العلاقات الأسرية والاجتماعية، إذ يقول الخبير الاجتماعي والنفسي، إياد الشوربجي، إن «الأسر التي كانت تعيش حياةً طبيعية ومستقرّة، تجد نفسها فجأة تحت ضغوط هائلة. الفقر يزيد من التوترات داخل الأسرة، ويؤدي إلى تفكك العلاقات». ويوضح أن الأطفال الذين يضطرون إلى العمل في سن مبكرة، يواجهون تحديات نفسية واجتماعية خطيرة، بالنظر إلى أن «الطفل الذي يعمل في العتالة أو أيّ وظيفة بدنية أخرى في هذا العمر، يتعرّض لضغط نفسي كبير. هو بحاجة إلى أن يعيش طفولته في المدرسة وبين أصدقائه، لا أن يكون مسؤولاً عن إعالة عائلته». ويؤكد الشوربجي أن الفقر يؤثر أيضاً على البنية المجتمعية، إذ بات نمط العائلات يشهد انقساماً بسبب التحديات الاقتصادية، بعدما لم تعُد العائلات قادرة على تقديم الدعم بعضها لبعض، كما كان عليه الحال في السابق.

المصدر: الاخبار