“مروان… في سبيل الله… الله أكبر صيحتي كالهول زللت اليهود”. لطالما كانت كلمات هذه الأنشودة الوطنية التي أنشدها الفنان حسام الأحمد أهزوجة شعبية يرددها الآلاف من الأردنيين تيمناً بالعملية التي نفذها الشهداء مروان عرندس وخليل زيتون ورائد الصالحي في 22/12/1990 عبر الحدود الأردنية – الفلسطينية، جنوب البحر الميّت بالقرب من وادي عربة. وفي مكان لا يبعد الكثير عن موقع عملية مروان ورفاقه، أعاد عامر قواس وحسام أبو غزالة يوم 18/10/2024 عقارب الساعة إلى الخلف، ربما لأكثر من 20 عاماً، إذ كانت الانتفاضة الثانية هي آخر عهد الحدود الأردنية – الفلسطينية بالعمليات الفدائية.
من الهاشمي الشمالي بدأت الحكاية
إلى الشرق من العاصمة الأردنية عمّان يقع حي الهاشمي الشمالي، الذي كان يقطنه الشهيدان حسام وعامر، والذي يقوم على امتداد جبل من الجبال الـسبعة التي امتدت عليها عمّان قبل تمددها، وسمي بالهاشمي لأنّ الجزء الجنوبي من الحي والذي يسمى بالهاشمي الجنوبي، يضم قصر رغدان، أحد القصور الملكية الذي أقيم في العشرينات من القرن الماضي. ويقول الباحث المختص بالتاريخ خالد بشير، أنه ومنذ العام 1948 بدأت الحياة العمرانية في الهاشمي، إذ سكنته عدد من العائلات التركمانية والعائلات الفلسطينية اللاجئة من قرية عين كارم في القدس، وفي العام 1955 أقيمت كنيسة للكاثوليك اللاتين في الحي، وهي كنيسة سيدة الكرمل، وبعد العام 1967 سكنت الحي العديد من العائلات الفلسطينية النازحة. وكان الحي يضم العديد من المعسكرات التدريبية للمقاومة الفلسطينية قبل أحداث أيلول الأسود في العام 1970، وبعد حرب الخليج الثانية أقام العديد من الفلسطينيين القادمين من الكويت أحياءً وتجمعات سكنية في الحي ليغدو من أكبر أحياء عمّان وأكثرها تنوعاً سكانياً.
حسام وعامر في سطور
لدى تصفح الحسابين الشخصيين لكل من عامر قواس وحسام أبو غزالة عبر منصة فيسبوك نلاحظ العشرات من الصور التي جمعت بين الشهيدين، فقد ولد قواس في العام 1997، فيما ولد حسام بعده بعام، وترعرع الاثنان في حي الهاشمي، وكانا من رواد المساجد منذ نعومة أظفارهما، وكان عامر من رواد حلقات تحفيظ القرآن الكريم في مسجد صقر شنّك الواقع في ضاحية الأقصى، إحدى ضواحي الهاشمي، كما هو حال حسام، الذي كان من رواد المساجد في المنطقة نفسها، ومن هنا بدأت العلاقة بين الاثنين.
درس حسام في مدرسة قتيبة بن مسلم المهنية في الهاشمي، ومن ثم أكمل دراسته الجامعية في كلية وادي السير التابعة لوكالة غوث اللاجئين “أونروا” بتخصص هندسة الطاقة، ثم أكمل في ذات التخصص في جامعة الإسراء، وكانت يتميز بالهدوء الشديد، ودرس عامر ذو الوجه البشوش كما وصفه المقربون منه، في جامعة العلوم الإسلامية بتخصص الفقه الشافعي، وعمل إماماً للعديد من المساجد في المنطقة، وقبيل استشهادهما عمل عامر وحسام في مجال توصيل الطلبات عبر تطبيقات التوصيل.
ويقول أحد أصدقاء حسام: “فش حد بعرف حسام وبكرهه كان الشب خجول، وعنده غيرة على الدين، وعلى المسجد الأقصى، وكان مهتم بالعمل المقدسي، وكان يعمل ضمن اللجان المقدسية في جامعته”. ويضيف: “كان دائماً يلوم نفسه على التقصير بحق غزة، وفي آخر لقاء لي معه كان يقول: لمتى بدنا نضل نطلع مسيرات؟!”.
أمّا عامر فقد كان من المهتمين في الفقه الشافعي والدارسين والمدرسين له، وكان أحد المنتسبين للطرق الصوفية، ويقول أحد أصدقائه المقربين: “في آخر تواصل بيننا دعاني لحضور أحد الاحتفالات بمولد النبي محمد، وكان حريصاً على إقامة الموالد في منزله”.
ويتحدث مراد، شقيق زوجة الشهيد عامر واصفاً زوج أخته بالقول: ” كان بشوش الوجه لا يؤذي أحداً بلسانه، سهل الحديث، أليف اللسان والوجه، وذاكراً لله، ويربط كل شيء بالدين والأحاديث، وكان رجلاً يتوكل على الله بالرزق فلا يخاف على رزقه.. هذا حرفياً ما عمري شفته يشكوا من قلة الرزق”.
قبيل العملية
بعد إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن قتله لاثنين من المقاومين خلال محاولتهما اقتحام مستوطنة “نأوت هاكيكار” الواقعة إلى الجنوب من البحر الميّت، قادمين من منطقة غور فيفا في الجانب الأردني من الشاطئ الجنوبي للبحر الميّت، انتشرت وصيتيم مصورتين للشهيدين عامر قواس وحسام أبو غزالة، عبر صفحة عامر في منصة فيسبوك، وهذه المرة الأولى منذ النكبة التي تبث فيها وصية مصورة لأبطال العمليات الفدائية عبر الحدود الأردنية – الفلسطينية.
يقول ناصر قواس، والد الشهيد عامر: “كنت ألاحظ أنّ ابني متأثراً بشدة بجرائم الاحتلال في غزة، ولم أعلم بوصيته إلا من خلال صفحته في فيسبوك، وقد زارني قبل العملية بيومين وكان يتحدث عن الشهادة، ولم ألحظ أنه كان بصدد تنفيذ عمليته”.
أمّا مراد فيؤكد أنّ عامر أوصل زوجته وابنيه إلى منزلهم، وقال إنه ذاهب إلى مخيم كشفي قرآني لمدة 3 أيام، ويعلق: “ما لقيناه إلا مستشهد ثاني يوم”.
عرس الشهيدين ورسائل من قلب عمّان
بعد الإعلان عن استشهاد حسام وعامر، والإعلان خلال المسيرة الأسبوعية الشعبية في المسجد الحسيني عن أنّ الشهيدين من أبناء الحركة الإسلامية في الأردن، سارعت الحركة الإسلامية وفعاليات شعبية للإعلان عن إقامة عرس للشهيدين في منطقة الهاشمي الشمالي، من بعد صلاة العشاء، في يوم العملية ذاته، وتوافد الآلاف من الأردنيين إلى عرس الشهيدين، وألقى ممثلو الحركة الإسلامية والملتقى الوطني لدعم المقاومة كلماتٍ أكدت أنّ هذه العملية تعبر عن نبض الشارع الأردني الرافض لتواصل عدوان الاحتلال على غزة ولبنان، والذي يتطلع للانخراط الفعلي في طوفان الأقصى في عامه الثاني، كما قال حمزة خضر، العضو في الملتقى الوطني لدعم المقاومة، في حديث للميادين نت: “إنّ فعل الشهادة والاشتباك مع الاحتلال والانخراط في معركة، هو صلب عقيدة وقناعات الشعب الأردني، وهذا اللي بشبهنا وبشبه تربيتنا وبشبه حياتنا، إحنا كأردنيين يحكم مخيالنا ومعتقداتنا العادات العربية من الأنفة والمروءة والعزة”.
ويختم خضر حديثه بالقول: “ما جرى بالأمس هو استفتاء شعبي يقول بأنّ المزاج الشعبي الأردني العام مؤمن بهذا الفعل وهذه الطريقة وأنّ هذا الفعل يمثل الآلاف من أبناء الشعب الأردني وهو خلاصة العقيدة الوطنية الأردنية”.
كمال الجعبري