موناسادات خواسته
عالم الفن بمختلف مجالاته لا نهاية له، عالم مليء بالجمال الذي يلمس الروح ويخلج في داخل الإنسان، إما بالأدب والشعر، إما باللوحة والفن التشكيلي، وبالفن السابع، أفلام تحبس الأنفاس بعض الأحيان!
هناك أفلام وثائقية، أو روائية ومسلسلات مختلفة، وتتطور صناعة الفيلم يوم بعد يوم باستخدام التكنولوجيا، ومنها الذكاء الإصطناعي، الذي يساعد المنتجين في تخفيض تكلفة الفيلم واستخدام مشاهد بصرية خاصة، وهذا هو الذي حدث لفيلم “فلسطين في عيوني” الذي يشارك حالياً في مهرجان طهران الدولي للأفلام القصيرة، في قسم “غصن الزيتون” والقسم الدولي من المهرجان، وبما أن هناك اهتماما خاصا لفلسطين وقضيتها في هذا المهرجان، ولأول مرّة أُضيف إليه قسم الذكاء الإصطناعي، إغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع طاقم العمل في فيلم “فلسطين في عيوني” الذي تم إنتاجه بتقنية الذكاء الإصطناعي، فتحدث لنا مخرج ومنتج الفيلم السيد “سروش البخشي نائيني” الذي ساعده في مسيرته وتصميم ملصق الفيلم شقيقه “سياوش”، وكذلك تحدث السيد “محمد كفيلي” المسؤول الإعلامي والعرض الدولي للفيلم، والسيدة “حانيه قاسميان” المستشارة الثقافية للفيلم ومترجمة نصوصه، وفيما يلي نص الحوارات:
إنتاج الفيلم بالذكاء الإصطناعي
بداية طلبنا من السيد “سروش البخشي” لكي يتحدث لنا عن بداية مسيرته في صناعة الفيلم وخاصة باستخدام تقنية الذكاء الإصطناعي، حيث قال: لقد درست البكالوريوس والماجستير في السينما، وبدأ اهتمامي بصناعة الأفلام عندما كنت طفلاً وناشئاً، وكنت أود حقاً متابعة هذا المجال أكاديمياً وأصبح مخرجاً سينمائياً، وفيما يتعلق باستخدام الذكاء الإصطناعي، كنت أرغب في صُنع فيلم عن فلسطين منذ فترة طويلة، وبما أنني لم يكن لدي التسهيلات والدعم المالي، ولم يكن ذلك ممكناً بسبب القيود الموجودة والمنطقة الحربية، فلهذا السبب لم يكن باستطاعتنا أن نذهب إلى الضفة الغربية ونصنع فيلماً عن فلسطين، خاصة أنه لا يوجد إمكانية تصوير الأعمال الخيالية والروائية على الإطلاق.
لقد مضى ما يقرب من عام وبضعة أشهر أنا وأخي وأصدقائي الناشطين في مجال الذكاء الإصطناعي كنّا ننتظر ونعدّ الثواني حتى تصل هذه الأداة أي الذكاء الإصطناعي إلى مستوى الجودة التي نريدها ويمكن إستخدامها لإنتاج الأفلام.
عندما أُتيحت لنا هذه الإمكانية، توجّهنا لإنتاج فيلم بموضوع فلسطين، لأنه باستخدام هذه التقنيةلم تكن حاجة لأخذ معدّات التصوير والذهاب إلى المكان المطلوب، بل تمكّنا من إنتاج العمل من البداية حتى النهاية خلف الكمبيوتر، وفي رأيي أن الموضوع الذي أردته من حيث الجودة قد تحقق في هذا الفيلم.
تحديات ومميزات إنتاج الفيلم بالذكاء الإصطناعي
وعندما سألنا “سروش البخشي” عن رأيه حول تحديات ومميزات صناعة الفيلم بهذه الطريقة، قال: للإجابة على هذا السؤال سأقسّم إجابتي إلى قسمين، في الجزء الأول سأتحدث عن سلسلة من القيود والتحديات وفي الجزء التالي سأتحدث عن مميزاتها.
أكبر القيود لدينا في مجال إنتاج الفيلم بالذكاء الإصطناعي هو أن إيران عليها الحظر، ولا يمكننا شراء الحسابات اللازمة لإستخدام الذكاء الإصطناعي بشكل مباشر، وعلينا إستخدام وسيط في هذا المجال، حتى نتمكّن من إستخدام هذه الأدوات، وهذا قيد وتحد كبير، وبقية القيود تتعلق أيضاً بالمسائل التقنية، أي الآن في الوقت الحالي الذي أتحدث لكم، إذا ترغبون في الحصول على الجودة المطلوبة للرسوم المتحركة باستخدام الذكاء الإصطناعي، فإن الإخراج الذي يقدّمه لكم في كل لقطة لا يزيد عن 10 ثوانٍ، وهذا يجعل الأمر صعباً ولأنك تريد أن تظهر حركات الفيلم بسلاسة، خاصة عند المشي، عليك أن تزيد من سرعة الخطة حتى تصبح الحركة طبيعية، وتصبح الـ 10 ثواني 5 ثواني.
والقيد الثالث هو أن ما يدور في ذهنك بالضبط لا يحدث، ولكنه ينتج عنه تشابهاً بنسبة 70٪ تقريباً مع عقليتك، بالطبع يتحسّن يوماً بعد يوم، لكن حتى هذه اللحظة لا تكون العلاقة بعقلية المخرج أكثر من 70%، أقول “حتى الآن” لأنه يتحسّن لحظة بلحظة وسيتحسّن بالتأكيد في الأيام والأشهر المقبلة.
بالنسبة لمميزاته، يعرف معظم الجمهور أن صناعة الفيلم بهذه الطريقة تقلّل من التكلفة، على سبيل المثال، إذا كان من المقرر صنع هذا الفيلم في نفس الضفة الغربية، مع هذا العدد الكبير من الخطط والمشاهد في فيلمنا، أعتقد أنه كان يكلّفنا حوالي 25 إلى 30 مليار تومان، لكن تم إنتاجه بالذكاء الإصطناعي بتكلفة 1.5 مليار تومان.
وهذا الأمر مثالي جداً لصانعي الأفلام والمستثمرين، ليتمكّنوا من تقليل التكاليف بنسبة 90 إلى 95 بالمائة لصنع أي فيلم.
الموضوع الثاني حول ميزة الذكاء الإصطناعي هو التحكّم، يمكنك التحكّم في المساحة التي تقوم بإنتاجها، عندما تقوم بتصوير فيلم حقيقي أي “رئال”، إذا كنت تريد التصوير في طقس مشمس، ولكن فجأة يصبح الطقس غائماً، فمن المحتمل أن يتم إلغاء التصوير، والإلغاء يعادل إنفاق أموال كثيرة وإضافة أيام التصوير، وهذه مشكلة كبيرة جداً، لكن في الذكاء الإصطناعي، هذه ليست مشكلة، فأنت لا تعتمد بشكل كبير على البيئة، وأنت على دراية تامة بالبيئة التي تعمل فيها، وأما الميزة التالية للذكاء الإصطناعي هي أنه يمكنك استخدام أقصى قدر من الإبداع الذي لديك، أي أنه لا يوجد حد لخلق حلم في الذكاء الإصطناعي.
بالطبع عملنا في هذا الفيلم بأسلوب حقيقي أي “رئال”، لكن إذا أردنا الإنتقال إلى موضوع “سورئال” للفيلم التالي والإنتقال إلى نوع يتطلب تأثيرات بصرية، وله مساحة مختلفة عن المساحة العامة، فإن الذكاء الإصطناعي سيساعدنا بالتأكيد في ذلك، ويمكنه تحويل خيال المخرج إلى حقيقة بتكلفة منخفضة.
والموضوع الآخر الذي أعتقد أنه من مميزاته هو إمكانية التفاعل مع الذكاء الإصطناعي، ويعتبر أداة جيدة في جميع المجالات، ويمكنك الإستفادة منه ودمجه مع خبرتك الخاصة وبإخراج مثالي، بالإضافة إلى العديد من الميزات الأخرى وأكتفي بذكر هذا المقدار، لكن من الممكن مناقشة حدود ومميزات الذكاء الإصطناعي في لقاء أو مقابلة منفصلة.
“فلسطين في عيوني”
بعد ذلك تطرقنا إلى فيلم “فلسطين في عيوني” وسألنا مخرج ومنتج الفيلم عن الفكرة والتكنولوجيا المستخدمة فيه، حيث قال: أول ما كان يهمّني ككاتب ومخرج لهذا العمل هو أن نبتعد عن القصص النمطية والعادية حول فلسطين، فابتعدت عن هذه الروايات التي نراها ونسمعها كل يوم، لأنني كنت أريد تسجيل وإنتاج ما هو أقل رؤية وسماعاً.
نحن نرى في الغالب، التفجيرات التي تحدث في فلسطين والناس الذين يفقدون حياتهم ويستشهدون، وأغلب هذه الأحداث تحدث في غزة، لكن هناك سلسلة من القضايا الإنسانية والمهمة للغاية، والتي لم يتناولها أي إعلام أو صانع أفلام، وهي الأحداث التي تجري في الضفة الغربية، عندما كنت أبحث عن موضوع مختلف عن القصة النمطية لفلسطين، أردت أن أظهر شيئاً لم يتم تصويره من قبل، ولحسن الحظ، توصّلت إلى الكثير من الأفكار، بالتعاون مع المستشارة الثقافية والسياسية للفيلم السيدة “حانيه قاسميان”، وأجرؤ على القول أن هناك الكثير من الأفكار في الضفة الغربية بحيث يمكن إنتاج 3 أو 4 أفلام روائية، كل منها يحتوي على مواقف درامية غريبة جداً، ومبنية على الواقع، وأنا كباحث ومخرج وكمتابع للأخبار، لم أكن على عِلم بهذه الحقائق والأحداث التي تجري في الضفة الغربية؛ وأود حقاً أن أصوّر هذه المواقف الدرامية وهذه المصائب التي تحدث للشعب الفلسطيني، في إطار فيلم أو حتى فيلم قصير آخر.
الجمهور لا يعرف ما يحدث في فلسطين، الأحداث مؤلمة حقاً، عندما يستشهد شخص ما، فإن الأمر يتعلق بالموت مرّة واحدة، لكن الرواية التي لدينا في الضفة الغربية هي أن الناس كل يوم يفقدون حياتهم في الضفة الغربية، هذا الجزء من خطابي هو إستعارة، أي أنهم يموتون بالفعل ويعودون إلى الحياة مرة أخرى بسبب الظروف في الضفة الغربية، يجب علينا كمخرجين وكتّاب أن نركّز على الموضوعات التي تتطرق لها وسائل الإعلام بشكل أقل.
الفكرة النهائية للفيلم، والتي سأتحدث عنها أيضاً، تشكّلت مع أخي “سياوش”، وهو مخرج سينمائي وكاتب وممثل، في الحديث الذي دار بيننا معاً وفي بحثنا الخاص والصور التي شاهدناها، والعقلية الصحيحة التي قدّمتها لنا السيدة “قاسميان”، نضجت هذه الفكرة كل يوم حتى أدّت في النهاية إلى إنتاج فيلم “فلسطين في عيوني”.
فيلم إنساني
وعندما سألنا “البخشي” عن رسالة الفيلم للجمهور، هكذا رد علينا بالجواب: لم نصنع فيلماً تعليمياً حتى يقدّم رسالة محددة للجمهور، بل أردت أن يتأثر الجمهور بهذه الرواية.
تدور قصة هذا الفيلم حول عالم في الذكاء الإصطناعي يفقد زوجته الحامل خلف الحاجز في الضفة الغربية، لأنه لا يُسمح له بالذهاب إلى مستشفى مجهزة، ولهذا السبب تتوفى زوجته حين الولادة ويُصاب إبنه بالعمى، وفي يوم واحد يفقد زوجته كما يفقد إبنه بصره، فهذا العالِم حتى لا تستمر هذه المرارة بالنسبة لإبنه، يقوم باختراع جهاز يسمح لإبنه بالعيش في بيئة إفتراضية من خلال ذلك الجهاز.
هذا ملخّص قصة الفيلم، وأود أن تكون هذه نصيحة للجمهور، أن هناك أشخاصاً في الشرق الأوسط، لا يستطيعون الحصول حتى على الحد الأدنى من الإمكانيات، وإذا لم تكن المقاومة، وإذا لم نرو هذه الأحداث، إذا أبنائنا لا يدركون هذه القضايا ولا يفهمون الوضع ويريدون أن يكونوا غير مبالين، لا سمح الله، فقد يحدث هذا في البلدان الأخرى، وعليهم أن يعلموا أن هناك شيئاً ما يحدث في الضفة الغربية غير الإبادة الجماعية، وحتى أنواعاً نباتية تختفي أيضاً، وهناك أمور تحدث ويتم التخطيط لها والذي يُؤلم كل إنسان، فيلم “فلسطين في عيوني” يظهر جانباً من هذه الصور والمشاهد.
هذا الفيلم هو فيلم إنساني، وفي الحقيقة هو فيلم ربما يحكي يوماً ما قصة فلسطيني بطريقة مكثفة، وأتمنى أن نكون قد تمكّنا من خلق منظور مختلف بالنسبة للكتّاب وصانعي الأفلام الآخرين، وهو ما يمثّل جلب بعض الكاميرات إلى هذا الجانب والإشارة إلى المزيد من الموضوعات الإنسانية، بما أن كاميراتنا تظهر الأشخاص غالباً، وقضايا الإنسانية لها المجال الأقل، من المهم جداً أن نتجه إلى أحداث درامية ومريرة للغاية، ويجب أن يعرف الجمهور ما يحدث هناك.
الفيلم في مهرجان طهران الدولي للأفلام القصيرة
وبما أنه تم عرض فيلم “فلسطين في عيوني” في اليوم الأول من مهرجان طهران الدولي للأفلام القصيرة، سألنا رأي مخرج الفيلم حول المهرجان وتأثيره على المستوى الدولي، حيث قال: بالطبع هو حلم كل مخرج إيراني أن يشارك في مهرجان طهران الدولي للأفلام القصيرة، وبالتأكيد أنا وطاقم العمل في الفيلم سعداء بذلك، خاصة وأن هذا العام، ولأول مرة، تم إضافة قسم الذكاء الإصطناعي إلى القسم الدولي للمهرجان، ونحن من روّاد ذلك في العالم.
ولا أعتقد أن هناك أكثر من 10 مهرجانات أضافت قسماً للذكاء الإصطناعي، هذه الريادة ستجعل صنّاع السينما في إيران رائدين أيضاً، كان هذا أمراً جيداً لمهرجان هذا العام، وكذلك لكل صانع أفلام، لأن بيئة المهرجان تخلق تفاعلاً مع صنّاع الفيلم وطاقم الفيلم، بحيث يمكنهم التفاعل مع بعضهم البعض وهذا التفاعل قيّم للغاية، لأن صانعي الأفلام القصيرة عادة لا يكون لديهم مكان آخر للتفاعل إلى هذا الحد، لكي يتمكّنوا من رؤية بعضهم البعض والحديث عن الأفلام، لدرجة أننا نرى العديد من الأفلام في 7 أيام ونتمكّن من الوصول إلى صانع الفيلم وطاقمه، هذا التفاعل مهم جداً وهو أمر جيّد ويحفّز على الإستمرار، لأنه في هذه الظروف الصعبة لصناعة الأفلام، يحتاج صانعو الأفلام إلى حافز للإستمرار، ويُعد مهرجان طهران للأفلام القصيرة أحد تلك الدوافع القوية للغاية.
يتجه صناّع الأفلام كل عام إلى صناعة الأفلام على أمل أن يتمكنوا من المشاركة في المهرجان المقبل، ومن الجيد جداً أن هذا المهرجان على مستوى أوسكار شديد الدقة والجودة أي “أوسكار كوآليفاي”، وأنا سعيد لأن هذا المهرجان لا يزال يتمتع بهذه الصلاحية، رغم كل الضغوط التي مورست عليه للخروج من هذه الجودة، والمنصة التي تم توفيرها بسبب الخطط التي وضعها كبار مخرجي سينما الشباب احترافية للغاية، وآمل أن تستمر هذه العملية في التحسّن كما تحسّنت في السنوات الأخيرة.
وأما عن تأثيره على المستوى الدولي، رغم كل الإدعاءات حول حرية التعبير في العالم، بعض المهرجانات العالمية لا تسمح بعرض كل فيلم بموضوع فلسطين، ولا تسمح لهكذا أفلام بالدخول إلى مهرجاناتها، وهذا شيء آخر يحدث لفلسطين وشعبها، وهو الحصار بهذا النوع.
في الحقيقة، لا يُسمح لفلسطين والشعب الفلسطيني، حتى أولئك الذين يعملون من أجل فلسطين، بحضورهم على المستوى الدولي، وأفضل جهدنا هو أن نتمكّن من تحميل الفيلم على منصّات مختلفة لاحقاً، لكي نتمكّن على جذب الجمهور بهذه الطريقة، وتوفير إمكانية رؤية هذا الفيلم.
الذكاء الإصطناعي وصناعة الأفلام
وعندما سألناه حول رأيه عن مدى تقدّم تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي في إيران وفائدته في مجال صناعة الأفلام، هكذا أبدى عن رأيه: وُلدت السينما في العالم عام 1895، ودخلت بلادنا بعد خمس سنوات، لكن من الناحية التكنولوجية، أعتقد أننا بعيدون عن تكنولوجيا العالم، لكن هذا لا ينطبق على الذكاء الإصطناعي، لأن أدواته متاحة لنا في إيران كما هي متاحة لمخرج سينمائي في أوروبا، أي أننا إذا تركنا مسألة العقوبات جانباً (كما قلت سابقاً هناك صعوبة للمخرج الذي يريد إعداد الحسابات)، لم يعد هناك عذر لنا في التخلّف وعدم التقدّم في مجال الذكاء الإصطناعي، ويمكننا أن نكون من روّاد صناعة الأفلام بالذكاء الإصطناعي في العالم، وبما أنني وطاقم الفيلم أنتجنا أول فيلم “هايبر رئال” في إيران، وأعتقد أننا إذا لم نكن الأول في العالم أيضاً، فأنا متأكّد أننا من بين أول 3 أفلام في العالم بهذا المجال الذي استطعنا إنتاج الفيلم بهذه التقنية، وبالتأكيد يمكننا التقدّم خطوة بخطوة مع تقدّم الذكاء الإصطناعي، وتحسين جودة عملنا، وهذا مفيد جداً للمخرج.
هناك الكثيرون يشعرون بالقلق بشأن صناعة الأفلام بالذكاء الإصطناعي، وأنا أتفهم هذه المخاوف، حتى أنني كنت أشعر ببعض المخاوف بنفسي، لأنه قبل أن أصنع فيلماً بالذكاء الإصطناعي، كنّا عادة نحصل على المعدّات ونذهب لصنع الفيلم في مكان ومنطقة التصوير، وبالتأكيد سأواصل هذا النوع من صناعة الأفلام وأستمر العمل مع أداة أخرى أي الذكاء الإصطناعي، بما أن فوائدها ستكون أكثر من عيوبها، لأن كما قلت لم تكن هناك الكثير من المخاوف التي لدى صناعة الأفلام الحقيقية أي الـ “رئال”، في صناعة الفيلم بالذكاء الإصطناعي، والأهم هو التنافس مع صناّع أفلام الذكاء الإصطناعي في العالم، وتحويل خيالك إلى حقيقة، وكن مطمئناً، تماماً مثلما حدث عندما ظهر الرسم الرقمي، وكان الكثيرون يحذّرون منه ولم يقبلوه كفن، عندما أدلى “ديفيد هوكني” بتصريح مفاده أن الرسم الرقمي هو فن، فمن المؤكد أن نفس الشيء سيحدث لصناعة أفلام الذكاء الإصطناعي.
إنتاج أفلام مشتركة مع الدول العربية
وفيما يتعلق بإنتاج أفلام مشتركة مع الدول العربية، قال مخرج الفيلم: هذا السؤال مثير للإهتمام للغاية بالنسبة لي، وهو بالتأكيد صحيح، وجود الخطة شيء والحصول على الأمنية شيء آخر، أود حقاً أن أفعل ذلك، وأن يكون لدى إيران منتج مشترك مع إحدى الدول العربية، لأن هذا التفاعل يجعل لنا مخرجات متعددة، المخرج الأول هو الوحدة، أي أننا في موضوع مثل قضية فلسطين، إذا عملنا مع دولة عربية، فإننا نظهر أننا متحدون بشأن هذه القضية، وهذا أمر جذاب للغاية.
وبرأيي يمكن استخدامه كسلاح ثقافي، المنتج المشترك هو سلاح ثقافي، لذلك بالتأكيد لدي إهتمام خاص بالنسبة لهذا الموضوع، وثانياً، أود بشدة أن أحصل على مثل هذه التجربة، لأنه حتى الآن هذه الخبرة لم تكن لدي، وأنا مهتم جداً بعرض فيلمي في الدول العربية وغيرها من الدول، لأن موضوعه ليس مخصصاً لإيران فقط.
أعتقد أن جميع سكّان العالم يمكنهم رؤيته وفهمه ويمكن أن يكون له تأثير عليهم، وأي خطوة يتم اتخاذها في اتجاه الإنتاج المشترك أو التوزيع في البلدان الأخرى سيسعدني بالتأكيد كمخرج فيلم، إذا كان جمهوري 11 شخصاً، وليكن 12 شخصاً، فإن هذا الجمهور الواحد مهم بالنسبة لي، ويمكننا أن نظهر تفكيرنا بطريقة ما، من خلال عرض أفلامنا، حيث نقول من أي زاوية ننظر إلى فلسطين في هذه القضية المهمة، هل لدينا نفس وجهة النظر التي لدى الجميع أم لا، وجهة نظرنا مختلفة قليلاً؟ وسيكون هذا بالتأكيد أمراً جيداً.
دور الفنانين في دعم فلسطين
وعندما سألنا “البخشي” عن رأيه حول أنه كيف يمكن للفنانين دعم شعب فلسطين المظلوم بالفن ورسالتهم في هذا المجال، قال: الجميع يدعم فلسطين بطريقة ما، شخص ما يأخذ السلاح ويدخل إلى ساحة المعركة، وبهذه الطريقة يحاول القيام بمهمته في دعم الشعب الفلسطيني، ومن المؤكد أن الفنان قادر على تحويل فنّه إلى سلاح بطريقة أوسع وأكثر فعالية لدعم الشعب الفلسطيني، ولهذا أقول إنه أكثر فعالية، لأن الفن نافذة ليس لها حدود وتظهر لك أفقاً ليس له نهاية، كما أننا عندما نريد نقل أي موضوع إلى الجمهور باللغة المشتركة، نستفيد من الصورة، فيما يتعلق بهذا الموضوع أيضاً الصور وصناعة الأفلام تساعد كثيراً، ليس بالضرورة صناعة فيلم، بل حتى ملصق، أو شعار، أو كتابة قصة، وما إلى ذلك، له فرق كبير عن القتال بالسلاح، وهو أنه خالد، يعني أنك تصنع سلاحاً لن يتم تدميره، فإذا كتبت قصة عن فلسطين، سيكون لها جمهور وتقرأ تلك القصة الأجيال القادمة طالما الحياة مستمرة، أو الفيلم الذي تصنعه، تتمكن عرض هذا الفيلم طالما الحياة مستمرة وهو في الواقع مثل خلق شيء خالد لن يموت، ويجعل الأجيال القادمة تتعرف على فنّك، وتسمع وترى قصتك، ومن المؤكد أن الفنان يحظى بدعم مدى الحياة من خلال عمله الخلاّق، ويستطيع أن يحوّل هذا الدعم إلى عمل خالد، وخاصة الفن الذي يُعد لغة مشتركة بين جميع شعوب العالم، أي أنك إذا عرضت على أي شخص صورة جريمة أو موقف درامي، فعندما يراها سيتأثر، وفيه شيء جيد آخر، وهو أن في هذا النوع من السلاح لا يوجد أي عنف، وهذا يعني أنك تدعم وتتحدث عن رأيك وتقاتل دون أن تحمل سلاحاً.
وهذا يجعل من الممكن إزالة شرط أن تكون في وضع قتالي، وفي لحظة يمكنك نشر عملك للعالم كله، لأن سرعة نشر المعلومات الآن عالية جداً، وإذا قمت برسم صورة الآن، فيمكنني ذلك نشره بعد 5 دقائق وسوف أعرضه على كل شعوب العالم، وإذا كان عملاً جيداً، فسيتم رؤيته أكثر، لكن ساحة المعركة ليس بها هذه الميزة، ويا ليت كان يتقاتل الناس مع بعضهم البعض بهذه الطريقة، وهذا الذي يحدث، هناك صراع ثقافي، لكن لدينا ضعف في هذا المجال، لأنه لا يؤخذ على محمل الجد.
وفي ختام كلامه قال “سروش البخشي”: لقد تم دعمنا في البداية من قبل جمعية دعم الشباب للسينما ولكن في النهاية تركونا وشأننا وأعتقد بشدة أنه إذا هناك من يريد أن يذهب إلى قضية فلسطين، يجب أن يحب الموضوع حتى يتمكن من إنتاج عمل جيد.
كفيلي: يتم عرض الفيلم بلغات مختلفة
بدوره تحدّث السيد “محمد كفيلي” المسؤول الإعلامي والعرض الدولي للفيلم، وقال: الفيلم باللغة العربية، وحاولنا أن نجعل الفيلم قريباً من اللهجة الفلسطينية، ورغم أن فيلمنا إيراني إلا يُعرض باللغة العربية ويحتوي على ترجمة فارسية، ولأننا نريد أن نبدأ التوزيع الدولي لهذا الفيلم على المستوى العالمي، وهذا أول مهرجان الذي شارك الفيلم فيه، وهو مهرجان طهران للأفلام القصيرة المعتمد من قبل الأوسكار، والحمد لله دخل فيلمنا القسم الدولي لهذا المهرجان، وهو يتنافس مع دول مثل أمريكا وإيطاليا واليونان وكوريا الجنوبية والصين، وماليزيا، ولهذا السبب فإن فيلمنا، بالإضافة إلى الترجمة الفارسية، يحتوي أيضاً على ترجمة باللغة الإنجليزية.
اللهجة الفلسطينية في الفيلم
ورداً على سؤالنا حول دراسة موضوع الفيلم، قال كنفي: نعم، لدينا مستشارة سيناريو وهي السيدة “حانيه قاسميان”، التي كانت تعيش في لبنان منذ أكثر من 3 سنوات، ولأن في لبنان، يمكن الوصول إلى الشعب الفلسطيني وأولئك الذين عاشوا في فلسطين أكثر بكثير من طهران وإيران، فهي كانت لها علاقات مع العديد من الفلسطينيين، وعملت لفترة كمراسلة في قطر، حيث كانت على اتصال مباشر مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فهي ساعدتنا، ولأنها تتقن اللغتين العربية والإنجليزية فقد قدّمت لنا مصادر جعلت البحث عن السيناريو أكثر دقة واكتمالاً، وكانت مسؤولة أيضاً للترجمة، وبعيداً عن تعاون السيدة قاسميان، قام السيد “محمد شعباني” بدبلجة الفيلم باللهجة الفلسطينية، وهو فلسطيني يعيش في إيران منذ عدة سنوات، وبعيداً عن المصادر السينمائية التي استخدمناها كثيراً، لنتمكن من الوصول إلى البنية الحقيقية للضفة الغربية، وبهذه الطريقة تمكّنا من التواصل مع اللبنانيين والفلسطينيين والإيرانيين، حتى استطعنا إلى الأكثر واقعية في هذا الفيلم.
عرض الفيلم في الدول العربية
وفيما يتعلق بعرض الفيلم في الدول العربية، قال كفيلي: لقد تم الآن عرض الفيلم لأول مرة وتم الإنتهاء من إنتاج الفيلم أقل من شهر، وهو عمل جديد تماماً ولأول مرة في إيران يتم إنتاج هذا الفيلم عالي الجودة، وحسب المراجع التي لدينا على المستوى العالمي، وكما سألنا في المهرجانات الدولية، هذا الفيلم بهذه الجودة يتم صنعه لأول مرّة في العالم، حيث يتم تكريس جودة فيلمنا لشعور الإستمرارية و مشاهد التصوير أي ميزانسن ومكان التصوير أي اللوكيشن في إطار الذكاء الإصطناعي، وهو أمر جديد وتمكنا من تحقيق ذلك الحمد لله.
هذا هو العرض الأول لنا والحدث الأول الذي نشارك فيه، ومهرجان هذا العام لديه قسم يسمى “غصن الزيتون”، والذي يتناول القضية الفلسطينية بالكامل.
بعد هذا المهرجان نريد أن نبدأ العرض الدولي، وكقاعدة عامة، في هذا العرض الدولي سنولي إهتماماً أكبر للعالم العربي وللمهرجانات الناطقة باللغة العربية، البلدان التي تكون فيها معظم الأفلام باللغة العربية، سواء في دول شمال أفريقيا أو غرب آسيا، لكننا حالياً في مهرجان طهران، وبالطبع نتفاوض مع بعض المخرجين السوريين والعراقيين والقطريين من أجل بدء العرض في بلدانهم، للحضور على مستوى المهرجانات الأجنبية والدول العربية في أقرب وقت ممكن.
قصة الفيلم
أما فيما يتعلق بقصة الفيلم يقول كفيلي: الفيلم يدور حول أب وهو عالم كبير اسمه ثامر البكري وهذا الأب لديه ابن وُلد أعمى والسبب أننا نقرأ الأخبار أنه في كل عام يقتل عدد كبير من الأمهات والأطفال خلف الجدار الحاجز أو البوابات الصهيونية في الضفة الغربية ويستشهدن لأنهن لا يستطعن الذهاب إلى مستشفى متخصصة للولادة.
وهذه هي نقطة التحول الرئيسية في فيلمنا، أي أننا نتحدث عن أم تريد أن تلد، لكن الكيان الصهيوني يبقيها خلف الحاجز، وهذه الأم تتوفى أثناء الولادة، ويولد ابنها أعمى، وهذا الأب يقوم بتربية طفل كفيف، فهذا الأب عالم عظيم في مجال الذكاء الاصطناعي، وفي نهاية الفيلم قمنا بتصوير عالما تتحرر فيه فلسطين وكل شيء يسير لصالح جبهة المقاومة.
فلسطين قضية إنسانية
وختم “كفيلي” كلامه عن الفيلم قائلاً: السبب وراء صنع فيلماً عن فلسطين هو بالتأكيد أنها قضية إنسانية، وكانت مسؤوليتنا كصانعي أفلام أن نتطرق إلى هذه القضية.
إذا تم إنتاج فيلم عن فلسطين، فهو يدور فقط حول معاناة الشعب الفلسطيني، ولكن فيلم “فلسطين في عيوني” الذي كلّه 18 دقيقة، في آخر 6 دقائق من الفيلم يظهر العالَم بعد تحرير فلسطين، ولأول مرة، تمكّنا من إظهار فلسطين المحررة في فيلمنا، وهذا الفيلم مليء بالأمل، والشخصية الأصلية في فيلمنا ليست شخصية ضعيفة، “ثامر البكري”، الشخصية الرئيسية في فيلمنا، هو عالم عظيم مهدد من قبل الكيان الصهيوني، لقد أظهرنا الشخصية الرئيسية في الفيلم كشخص قوي وهو عالم عظيم وأخيراً يصل هذا العالِم إلى تحرير فلسطين وعندما ذهبنا لتصوير الفيلم فكّرنا في الموضوع الذي يمكننا اختياره لأول مرة، وباستخدام الذكاء الإصطناعي حيث يكون منطقياً من جميع وجهات النظر.
عندما لا يستطيع أي مخرج، ولا حتى “إسبيلبرج اليهودي” نفسه، أن يذهب إلى فلسطين ويصنع فيلماً، فمن الأفضل أخذ كاميرا الذكاء الإصطناعي من طهران إلى الضفة الغربية وصنع فيلم عن فلسطين. صحيح أننا في طهران ولا نستطيع التواجد هناك، لكن قلوبنا بالتأكيد مع فلسطين والشعب الفلسطيني.
قاسميان: زوّدنا الفيلم بمعلومات صحيحة
من جانبها تحدّثت مستشارة الفيلم “حانيه قاسميان” حيث قالت عن ميزات فيلم “فلسطين في عيوني”: منذ بدء كتابة السيناريو كنت مع مخرج الفيلم، وبما أنه كان يهتم بإنتاج فيلم عن فلسطين من الجانب الإنساني وحقوق الإنسان، ولكن لم تكن هناك معلومات دقيقة عن فلسطين في اللغة الفارسية، فالسيناريو في البداية كان يحتاج إلى تصحيح بعض المواضيع من الناحية التاريخية والجغرافية، فأجبت على أسئلة المخرج عن الوضع في فلسطين، وكيفية رواية قصة الفيلم بشكل صحيح، فأعطيته معلومات عن فلسطين وخاصة عن الوضع الإنساني والحقوقي في الضفة الغربية، وزوّدته بعدة كتب للحصول على المعلومات، والتعرّف على عدة مواضيع، منها أشعار شعراء فلسطين مثل “محمود درويش” وغيره، وبعد ذلك حصل تغيير في الموضوع، لأن في البداية كانت مكان القصة في غزة، وبعد أن حصل المخرج على معلومات عن الوضع في الضفة الغربية، أصبح مكان أحداث الفيلم في الضفة الغربية، وتواصلنا العمل، وكنت أعطيهم معلومات عن العادات والتقاليد في فلسطين.
وتابعت قاسميان: قمت بترجمة الفيلم باللهجة الشامية بمساعدة شخص من نابلس، وله لهجة قريبة من اللغة التي يتكلمون بها إخواننا الفلسطينيين بالضفة الغربية، وآملة أن يواجه الفيلم إقبالاً كبيراً، والمشاهدين في العالم العربي يرونه وحلمي أن يكون ناجحاً هناك.
وأخيراً قالت: آمل أن يتم عرض الفيلم في مهرجانات الدول العربية، و برأيي الفيلم يبين لنا أن هناك جيلا من صنّاع الفيلم الشباب الإيرانيون الذين يهتمون بموضوع فلسطين، وهي من أولوياتهم.